الأراضي المقدّسة
04 شباط 2022, 14:30

بيتسابالا: إنّ أفضل لحظة لمعرفة الرّبّ هي لحظة الفشل والإرهاق والهزال

تيلي لوميار/ نورسات
عشيّة الأحد الخامس من الزّمن العاديّ، تأمّل بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا بإنجيل لوقا 5، 1- 11، والّذي نرى في بدايته "يسوع يقترب من قاربين راسيين على شاطئ بحيرة طبريّا. يصعد يسوع على ظهر أحدهما وكان لبطرس. وفي آية لاحقة، في الآية ٥، نعلم أنّه ورفاقه كدّوا طوال اللّيل، دون أن يصيدوا شيئًا."

ويتابع بيستابالا قائلاً: "ها إنّ يسوع يقترب من حياة هذه المجموعة الصّغيرة، من رجال خاضوا للتّوّ تجربة عنيفة من المتاعب والإحباط والفشل.

في نهاية المقطع، نجد نفس المجموعة من الرّجال فارغي الأيدي. ليس لأنّهم لم يصيدوا أيّ شيء. بالعكس، نعلم من المقطع أنّهم في هذه الأثناء أصابوا صيدًا وفيرًا (لوقا ٥، ٦). نجدهم فارغي الأيدي، ليس لأنّ عملهم لم يكن مثمرًا، بل لأنّهم تركوا بحرّيّتهم ما صادوه خلفهم.

نجدهم في موقف مشابه للموقف الأوّل من ناحية، ومختلف من ناحية أخرى.

ماذا جرى لهؤلاء الرّجال؟

يبدو أنّ بطرس ورفاقه كانوا قد خاضوا خبرة أساسيّة، هي خبرة الثّقة.

لم يصطادوا في البداية شيئًا. كانوا متعبين ومن المؤكّد أنّهم شعروا بالمرارة والامتعاض؛ فوافقوا على إلقاء الشّبكة والمحاولة مرّة أخرى، ليس بفضل عنصر إيجابيّ جديد كان من الممكن أن يضمن لهم النّجاح؛ بل لأنّهم وثقوا بكلمة هذا المعلّم (لوقا ٥، ٥) الّذي كان يُبشّر بالقرب منهم. وهناك، بالقرب منهم، كان قد حوّل قاربهم الخالي إلى منبرٍ للتّعليم.

يختبر بطرس ورفاقه أنّ الثّقة بالمعلّم تبرّر التّعب لأنّه يعرف ويعني ما يقول: كان الصّيد الجديد، في الواقع، مثمرًا للغاية، بحيث أنّ القارب لم يكف لحمل الأسماك، الّتي تمّ صيدها، إلى الشّاطئ (لوقا ٥، ٧).

إنّ ردّ فعل بطرس مهمّ جدًّا. هو يدرك أنّ شيئًا استثنائيًّا قد حدث، شيئًا خارقًا، ولذا يفترض أنّ أمامه شخصًا مميّزًا، نبيًّا، شخصًا مُرسلاً من قِبل الرّبّ. وهذا جعله يبتعد.

يفعل بطرس ما يفعله أيّ إنسان يقترب الرّبّ منه: يشعر بأنّه غير جدير بالثّقة، ويقرّ بكونه خاطئًا، فيعتريه الخوف، ولا يستطيع التّفكير بأنّ الرّبّ يقترب منه (لوقا ٥، ٨).

ولكن هنا بالتّحديد يحدث التّحوّل. فحيث يختبر الإنسان خطيئته ويُقرّ ببعده عن الرّبّ وبعدم استحقاقه، هناك تحديدًا يتدخّل الرّبّ.

يرفض يسوع المنطق الدّينيّ الّذي يهوى الفصل والإقصاء، ويسعى إلى أن يبقى العالمان، المقدّس والزّمني، متميّزين وبعيدين عن بعضهما. لقد جاء على وجه التّحديد لإلغاء هذه المسافة، بحيث أنّه لا يكتفي بعدم الابتعاد عن بطرس الخاطئ، ولكنّه يقترب منه لكونه خاطئًا.

يثق بطرس بهذه الكلمة، تمامًا كما كان قد وثق من قبل بالكلمة الّتي جعلته يستأنف الصّيد. إنّه يعلم أنّ هذه الثّقة هي للحياة ولحياة أفضل.

إنّ بطرس الّذي خاض هذه التّجربة في حياته، ترك حينها كلّ شيء، وأصبح مبشّرًا: إنّ لديه شيئًا يعلنه، لأنّه اختبره وعاشه قبل غيره. يمكنه أن يعلن أنّ الرّبّ قد أصبح قريبًا، وأنّه قد ألغى المسافات وجاء للالتقاء بكلّ إنسان خاطئ.

كما صعد يسوع على متن قارب بطرس الفارغ ليعلن الخلاص للجميع، هكذا سينطلق بطرس ورفاقه تحديدًا من هناك للمشاركة في إعلان الخلاص للبشر.

هكذا يمكننا القول إنّ يسوع يقترب من بطرس ورفاقه، ويحوّلهم: تحوّلوا من مجموعة من الفاشلين إلى رجال أحرار، من أشخاص يختبرون يوميًّا عجز البشريّة عن بلوغ الحياة، إلى أشخاص التقوا بالحياة الحقيقيّة، الّتي مكّنتهم من ترك كلّ شيء للبقاء مع الرّبّ.

في كلتا الحالتين، عندما فشلوا وعندما نجحوا، بقيت أيديهم فارغة. لكنّها كانت فارغة في المرّة الثّانية لأنّهم تخلّوا عن منطق الرّبح والتّملّك من أجل الدّخول في منطق جديد، هو مجّانيّة العطاء.

يمكننا القول أيضًا إنّ أفضل لحظة لمعرفة الرّبّ هي لحظة الفشل والإرهاق والهزال: وهناك حيث تنهار مقاومتنا وغطرستنا، يستطيع الرّبّ عندها الاقتراب منّا ليقول لنا بأنّ اقترابه هو هبة مجّانيّة مضمونها الرّحمة والغفران."