الأراضي المقدّسة
04 تشرين الأول 2022, 06:30

بيتسابالا: أشكر الأشخاص الّذين يبذلون طاقات ووقتًا كي يجد المهاجرون مكانهم في الكنيسة

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة اليوم العالميّ للمهاجرين، احتفلت نيابة المهاجرين واللّاجئين في الأرض المقدّسة بالقدّاس الإلهيّ الّذي ترأّسه بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا في مركز النّوتردام في القدس، ألقى خلاله عظة جاء فيها بحسب موقع بطريركيّة القدس للّاتين:

"يسمح لنا الاحتفال بيوم المهاجرين العالميّ بالتّفكير والصّلاة والشّكر. التّفكير بعشرات الآلاف من الأشخاص الحاضرين بيننا، أن نسمع لهم ونعطيهم المجال للتّعبير عن تطلّعاتهم ومخاوفهم وصعوباتهم، والتّعبير في نفس الوقت عن أفراحهم ومقاصدهم. الصّلاة من أجلهم ومعهم، كي نتابع معهم بناء جماعتنا الكنسيّة في الأرض المقدّسة. لنشكر الرّبّ عن وجودهم/ وجودكم وشهادة إيمانهم/ إيمانكم الصّادقة والمتينة والعميقة، ونشكر الحاضرين معنا من رهبان وراهبات ومتطوّعين الّذين يبذلون حياتهم كي يسندوا ويساعدوا على نموّ هذا الطّيف من كنيسة الأرض المقدّسة.  

عندما ألتقيكم من وقت لآخر، لا يسعني أن أنسى الهموم الّتي تذكرونها باستمرار، والمشاكل اليوميّة الكثيرة الّتي تواجهونها، والّتي غالبًا ما نشعر بالعجز إزاءها.  

أفكّر على سبيل المثال بالتّهديد المستمرّ بالطّرد للكثير من العائلات، والّذي يشكّل مأساة بالنّسبة للأطفال بشكل خاصّ. أطفال وشباب وُلدوا وكبروا هنا، والمهدّدون بعد سنوات بالطّرد إلى بلاد لم يعرفوها. وهكذا يجدون أنفسهم مجبرين على أن يصبحوا مهاجرين إلى البلاد الّتي من المفروض أن تكون أوطانهم الحقيقيّة. أفكّر بالعائلات المضطرّة إلى تغيير مكان سكناها من وقت لآخر خوفًا من التّعرّف عليها وطردها. أفكّر بالعمّال والعاملات الّذين يجدون صعوبة في الخروج من البيوت الّتي يعملون فيها. أفكّر بطالبي اللّجوء، والنّساء بالخصوص، الّذين لا أمل لهم في العمل والمعرّضين لجميع أنواع التّهديد. أفكّر بالأشخاص الموجودين بيننا والّذين يفتقرون إلى أيّ ضمان قانونيّ، والمهدّدين بالطّرد في أيّ وقت، محرومين من وسائل الحياة الكريمة، ومضطرّين إلى شظف العيش.  

أفكّر في الأشخاص الّذين يعلمون في ظروف مُهينة، وخصوصًا بالأطفال المحرومين من العيش كباقي العائلات، بالقرب من آبائهم وأمّهاتهم، في بيت وجوّ مريح، مضطرّين إلى السّفر إلى بلد غريب، نادرًا ما يكون بلدًا صديقًا، ويعيشون بعيدين عن والديهم، في تنقّل مستمرّ، مع الخوف بأن يُطردوا دون سابق عِلم إلى مستقبل مجهول.

هذه هي بعض المواقف الّتي تواجهونها يوميًّا. وهي مواقف معروفة وغالبًا ما نتكلّم عنها.  

لكن ما يؤثّر فيّ بشكل خاصّ، عندما ألتقي بالأب نيقوديموس ومعاونيه، هو سماع أنّه، بالرّغم من كل ذُكر، وفي وسط هذه الظّروف المزعجة، لا يضعف إيمانهم، بل بالعكس يشكّل قوّة تسند إخواننا الفقراء هؤلاء. هذه شهادة قوّة نعتزّ بها وتسند إيماننا نحن أيضًا.  

أعتقد أنّ إنجيل اليوم يتكلّم عنكم وعن خبرة إيمانكم.  

يبحث منطق العالم عن أمور عظيمة، ويثق بما هو قويّ. لكن مسيرة الإيمان لها منطق مختلف، ويتكلّم عمّا هو صغير وغير ظاهر للعيان، وما هو فقير وفي المكان الأخير.  

يشبه يسوع الإيمان بالبذرة. وهل هناك أقوى من البذرة؟

إن كانت قوّة العالم قوّة تحتلّ بلادًا، وتتجبّر، كما يحصل عندما وفي كلّ مكان، فإنّ قوّة البذرة هي قوّة تنمو وتتمتّع بفضيلة الصّبر، وتزرع في العالم إمكانيّات جديدة، قويّ ترى الخير أينما وُجد. ولو كانت البذرة كبيرة وقويّة، لأصبحت قدرة تشبه سلطات العالم.

لكن الإيمان لا يعني أن نكون أقوياء إلّا بقدر ما نعتمد على قوّة شخص آخر، وليس من سبيل المصادفة أنّ القدّيس بولس يقول إنّه قويّ عندما يكون ضعيفًا (كورنتوس 2 ، 12، 10).  

في إنجيل لوقا، الإيمان هو صفة الصّغار، إيمان من لا يعتمد على قواه الخاصّة، ويترك المجال لعمل الرّبّ في حياته، إيمان من يثق ويستسلم لله.  

هذا الإيمان الّذي أصبح أمرًا صغيرًا ومتواضعًا، والّذي يتغذّى بالثّقة والاستسلام، يقول يسوع إنّ هذا الإيمان يمكنه أن يعمل المستحيلات. فالإيمان يتعلّق بالأمور المستحيلة، لا لأنّه يجترح المعجزات في الحياة، بل لأنّه يؤهّلنا لاجتراح المعجزة الأكبر في حياة أيّ شخص، معجزة تحويل الشّرّ إلى خير، واستخراج الحياة من الموت.  

يجد الإنسان نفسه عاجزًا أمام سرّ الشّرّ. وهنا يمكن للإيمان أن يفتح المجال لطريق جديد يعيد الثّقة ويعطي معنى جديدًا، ذلك أنّه في حياة الإيمان، لا شيء ميتٌ موتًا أبديًّا.  

هذه هي الشّهادة الّتي تعطونا إيّاها. فبالرّغم من كلّ شيء، عندا تبدو جميع الأبواب مغلقة ودون مخرج، يفتح الإيمان طرقًا وآفاقًا جديدة، يخلق مساحات حياة ومحبّة ومشاركة.

هذا درس أيضًا لجماعاتنا المحلّيّة، الّتي تواجه مشاكل جمّة، ومدعوّة لإعطاء شهادة الإيمان نفسها، ولأنّ تكون تلك البذرة الّتي لا تُرى، بإمكانها، بالرّغم من كلّ شيء، أن تنمّي أشجارًا ثابتة.  

في كنيسة الأرض المقدّسة منابت مختلفة، لها عدّة أشكال، وعدّة لغات وألوان. صحيح أن العالم يصفنا بأنّنا كنيسة الوضع القائم (الستاتوكو)، أيّ الوضع الّذي لا يتغيّر فيه شيء، لكنّنا، إن أمعنّا النّظر، نرى أنّ البذرة الّتي يتكلّم عنها إنجيل اليوم، تسمح، بصمت وصبر كبيرين، بنموّ حقائق حياة وإيمان جديدة في بلدنا.

دعاني الرّبّ لأن أكون عنصر وحدة في هذه الكنيسة، وأن أضمن أن نكون واعين جميعًا إلى الجمال والتّحدّيات النّابعة من هذا الاختلاف المتعدّد الوجوه. من الضّروريّ أن تجتمع هذه الوجوه المختلفة في كنيستنا من وقت لآخر، وأن تصلّي معًا، وتتشارك في خبرات حياتها. فالإيمان يقوى ويغتني عندما تتمّ المشاركة به، وما أحوجنا إلى ذلك!

حسن الاستقبال شرط أساسيّ لتجسيد طريق الإيمان هذا. فالله أصبح واحدًا منّا.

لكنّي أتواجد اليوم هنا لكي أشكر.

أشكر قبل كلّ شيء الأشخاص الّذين يبذلون طاقات ووقتًا كي يجد المهاجرون المتواجدون بيننا مكانهم في الكنيسة. لا أتوجّه فقط إلى الكهنة والرّاهبات الّذين يعملون دون كلل لخلق جماعات جديدة ومؤمنين جدد، بل أيضًا إلى جميع أعضاء الحركات العلمانيّة وإلى المعاونين واللّجان والمتطوّعين ومن يقومون بعمل القرّاء والشّدايقة وجوقات التّرتيل، وإلى من يقومون بإعداد الطّعام التّنظيف، وإلى القائمين بنشاطات اجتماعيّة وإلى كثيرين غيرهم. كثيرون منكم يعملون لساعات طويلة ومرهقة، ويأتون مع ذلك في نهاية الأسبوع للمساعدة في الكنيسة.  

أيّها الإخوة والأخوات، التّحدّيات كثيرة. نحتفل اليوم بهبة إيماننا، وبالتّعدّد الرّائع في كنيستنا، ونلتزم بالعمل سويًّا للمساهمة في نور هذه الأرض، وفي العمل من أجل السّلام، كي نصل إلى نشر البشرى السّارّة أنّ الله انتصر على الظّلمة، بالرّغم من المظاهر الّتي تقول عكس ذلك.

ليبارككم الرّبّ جميعًا، وليثبّتكم في إيمانكم وفي شهادتكم وفي حياتكم."