لبنان
19 كانون الأول 2022, 06:00

بيان مشترك صادر عن اللّقاء الأوّل لبطاركة الكنائس ذات التّراث السّريانيّ، والتّفاصيل؟

تيلي لوميار/ نورسات
إجتمع البطاركة والمطارنة من الكنائس ذات التّراث السّريانيّ للمشاركة في اللّقاء التّاريخيّ الّذي دعا اليه بطريرك السّريان الأرثوذكس مار إغناطيوس افرام الثّاني، للتّداول في الشّؤون الكنسيّة والأوضاع الرّاهنة والتّطرّق إلى أهمّيّة تعزيز التّراث السّريانيّ ونشر إرث آباء الكنيسة وذلك في المقرّ البطريركيّ للسّريان الأرثوذكس، العطشانة- لبنان. وفي ختام اللّقاء أصدر البطاركة بيانًا مشتركًا، جاء فيه:

"باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين

نحن البطاركة: مار إغناطيوس أفرام الثّاني، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسّريان الأرثوذكس، 

ومار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، بطريرك السّريان الكاثوليك الأنطاكيّ،

والكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، 

والكاردينال مار لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم، 

ومار آوا الثالث روئيل، بطريرك كنيسة المشرق الآشوريّة في العراق والعالم.

نشكر الله لأنّه منحنا أن نجتمع باسمه القدّوس كإخوة ورعاة كَنَسيّين معًا في هذا اللّقاء الرّسميّ لبطاركة الكنائس ذات التّراث السّريانيّ، وذلك بدعوة من بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للسّريان الأرثوذكس.

لقد تناولنا بالبحث والدّراسة في لقائنا اليوم المواضيع ذات الاهتمام المشترك، وأكّدنا على ما يلي:

أوّلاً: الرّوحانيّة السّريانيّة 

تعتزّ كنائسنا بتراثها السّريانيّ العريق الذي يجمعها ويشكّل إرثًا تاريخيًّا مقدّسًا غنيًّا ينبع من وحدتنا التّاريخيّة ولغتنا السّريانيّة الواحدة وطقوسنا الكنسيّة واللّيتورجيّة المشتركة. روحانيّتنا السّريانيّة متجذّرة في كنائسنا، ونعيشها في الافخارستيّا وصلوات الكنيسة وتعليم الآباء السّريان القدّيسين الذين أغنوا الكنيسة الجامعة كلّها بروحانيّة اختبرت ولا تزال تختبر عمق الحياة الرّهبانيّة والبُعد الإرساليّ، وهي تعي رسالتها في العالم، وقد أوصلت الإيمان المسيحيّ إلى بلدان الشّرق الأدنى، ومنها الهند.

كما تفتخر بهذا الكنز المميّز الذي تناقله آباؤها منذ فجر المسيحيّة عبر قرون تخلّلتها اضطرابات ومِحَن كثيرة. لكنّ كنائسنا تمسّكت بإرثها وحافظت عبر مسيرتها التاريخيّة على التّعاليم والتّقاليد التي ورثتها بأمانة رسوليّة وغيرة وقّادة. وها نحن اليوم نجد من الضّرورة تعزيز الرّاوبط بين كنائسنا وتكثيف التّعاون فيما بينها على مختلف الأصعدة، خدمةً لأبنائنا الرّوحيّين في كلّ مكان، وسعيًا لنشر تراثنا السّريانيّ وتسليط الضّوء عليه والمحافظة عليه بكلّ حرص كلؤلؤة ثمينة ووديعة مقدّسة على مدى الأجيال.

ثانيًا: الحضور السّريانيّ في الشّرق الأوسط والتّحدّيات الرّعويّة 

نؤكّد على أنّنا شعب واحد بتراثه السّريانيّ المشترك، متجذّر في صلب هذا الشّرق الحبيب وفي أساس تكوينه، رغم تعدّد كنائسنا وتنوّع تقاليدنا الرّسوليّة. وقد شكّلت شهادتنا لإيماننا المسيحيّ عامّةً والسّريانيّ خاصّةً شغلنا الشّاغل ومصدر قلقنا الدّائم. لذا خصّصنا وقتًا غير يسير للتّعمّق بدورنا في حياة شرقنا وكيفيّة تعزيزه وتقويته، وبحثنا الآليات المتوفّرة للعمل على دعم حضور أبنائنا في أرض الشّرق التي تعمّدت بدماء آبائنا وأجدادنا. وفي هذا الإطار، جدّدنا عزمنا الثّابت على متابعة رعايتنا الأبويّة لهم بغية تثبيتهم في أوطانهم، والحَدّ من نزيف الهجرة بسبب الصّراعات والنّزاعات القائمة والظّروف السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة الصّعبة التي يمرّ بها العالم، وبخاصّة منطقة الشّرق الأوسط. لذا نصلّي من أجل أبناء أوطاننا المتألّمين بسبب هذه الأزمات التي تطال الحياة اليوميّة لجميع المواطنين، ونؤكّد على إكمال السّعي معًا، وبذل الغالي والنّفيس من أجل تقديم الشّهادة المسيحيّة والعمل لخير الإنسان وكرامته والمطالبة بحقوقه كافّةً.

ثالثًا: الحضور السّريانيّ في بلاد الانتشار 

يشغل فكرنا ويقلقنا تشتُّت أبنائنا في بلاد الانتشار بعدما اضطّروا إلى هجرة أوطانهم الأمّ في الشّرق بسبب أعمال العنف والاضطهاد والاقتلاع، نتيجة الأوضاع المعيشيّة المتأزّمة، ما يدفعنا إلى متابعة شؤونهم والحرص على تأمين الخدمة الرّوحيّة والرّاعوية لهم، وحثّهم على التّمسّك بإيمان آبائهم وأجدادهم وهويّتهم وتراثهم ونشر هذا التّراث التّاريخيّ المجيد في المجتمعات والأوطان الجديدة التي يعيشون فيها، ونقله إلى الأجيال الجديدة. فهم ولئِن أُرغِموا على مغادرة أوطانهم الأمّ جسديًّا، فإنّنا نشجّعهم كي يحافظوا على الصّلات الوثيقة والرّوابط الرّاسخة بها، عبر مساندتهم لقضايا شعبهم المحقّة ومداومتهم على زيارتها، وتقديم الدّعم الممكن للرّعاة الكنسيّين الذين أوكلنا إليهم رعايتهم المباشرة في بلاد الاغتراب، ومساعدة الكنيسة في أداء رسالتها الرّعويّة في بلدان شرقنا المعذَّبة، فتتمكّن كنائسنا من القيام بواجبها الرّعائيّ في مختلف المجالات لاسيّما الصّحّيّة والتّعليميّة والاجتماعيّة.

رابعًا: شراكة في الشّهادة

نشكر الله على كلّ الجهود المبذولة من أجل انفتاحنا ككنائس على بعضنا البعض وسَعينا الدّائم نحو التّقارب والوحدة الإيمانيّة المنشودة، لاسيّما عبر اشتراكنا في اللّجان المختلفة للحوارات اللّاهوتيّة الرّسميّة بين الكنائس.

ونتعهّد باحترام الخصوصيّات اللّاهوتيّة والعقائديّة لكل كنيسة من كنائسنا، مشدّدين على رباط "مسكونيّة الدّمّ" الذي يوحّدنا في شهادتنا لإيماننا بالرّبّ يسوع ودفاعنا عن وجودنا وحضورنا في بلادنا، فضلاً عن التزامنا المشترك في خدمة الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله.

خامسًا: التّراث السّريانيّ المشترك

يهمّنا أن ننوّه بجهود الباحثين ومبادرات المؤسّسات التي سعَت وتسعى لدراسة إرثنا السّريانيّ المشترك ونشره، وبشكل خاصّ جهود القيّمين على المؤتمر السّريانيّ العالميّ (Symposium Syriacum) ومؤسسة Pro Oriente، ونؤكّد على: 

1. رغبتنا بإيجاد آليات مشتركة لتعليم اللّغة السّريانيّة التي تكلّم بها الرّبّ يسوع ورسله القدّيسون، والعمل على نشرها والتّعمّق بدراستها بالوسائل المتاحة من تقليديّة وحديثة.

2. أهميّة تعزيز مجالات التّعاون الأكاديميّ وتبادل الخبرات، وخاصّةً على مستوى طلّاب وأساتذة كلّيّات اللّاهوت.

3. التّشجيع على التّخصّص بالدّراسات السّريانيّة في الجامعات.

4. إعادة إحياء مؤتمرات التّراث السّريانيّ في الشّرق الأوسط.

5. تشكيل لجان مشتركة للبحث في المسائل ذات الاهتمام المشترك، ولاسيّما ما يتعلّق بالطّقوس واللّيتورجيا.

6. إقامة ندوات ولقاءات ونشاطات تهدف إلى نشر الوعي بين أبناء كنائسنا في بلاد الشّرق وعالم الانتشار عن الهويّة السّريانيّة المشتركة لكنائسنا، وتحفيز الأجيال الصّاعدة للمحافظة على هذا التّراث التّاريخيّ الأصيل وتعزيز الانتماء إليه.

ختامًا 

نجدّد شكرنا للرّبّ الإله الذي رافقنا في اجتماعاتنا ونقاشاتنا، وإيّاه نسأل كي يفيض علينا مواهب روحه القدوس فنتابع شهادتنا له بقوّة وشجاعة وحكمة، ونعمل معًا من أجل رعاية قطيع المسيح الذي اؤتمنّا عليه والمحافظة على إرثنا السّريانيّ العريق. واتّفقنا على المضي قُدُمًا في هذا اللّقاء بشكل سنويّ.

كما نصلّي من أجل الأمن والسّلام والعدل والاستقرار في العالم أجمع، وخاصّةً في شرقنا الحبيب، مهد المسيحيّة ومنبع جذورنا وحضارتنا وتراثنا وثقافتنا، والذي نحن فيه مؤسِّسون ومتأصّلون، ومن أجله قدّمت الكنيسة تضحيات جسام، مستذكرين بشكل خاصّ معاناة صاحبي النّيافة المطرانين مار غريغوريوس يوحنّا إبراهيم وبولس يازجي المغيّبَين مع سائر إخوتهم المخطوفين من الكهنة والعلمانيّين، مصلّين من أجلهم ومطالبين أصحاب النّفوذ وذوي النّوايا الحسنة العمل الحثيث من أجل الكشف عن مصيرهم.

ونجدّد دعوتنا لأبناء كنائسنا بأن يعتزوا ويفتخروا بماضيهم وحاضرهم، ويظلّوا ثابتين ومتجذّرين كلٌ في وطنه، مؤدّين شهادة حيّة لإيماننا المسيحيّ، بالمحبّة والفرح والتّسامح والعيش المشترك مع إخوتنا في الإنسانيّة وشركائنا في الوطن، على أسس التّعدّديّة، والحرّيّة، وحقوق الإنسان، والمواطنة، والعدالة، والمساواة، وبناء السّلام، كونها مفاهيم تعزّز القِيَم والمصالح المشتركة، واثقين بوعد الرّبّ يسوع القائل لكنيسته: "ها أنا معكم كلّ الأيّام حتّى انقضاء الدّهر" (متّى 28: 20).

وبمناسبة حلول عيد ميلاد الرّبّ يسوع المسيح بالجسد ورأس السّنة الجديدة 2023 والدّنح (الظّهور الإلهيّ)، نتقدّم بأحرّ التّهانيّ وأطيب الأمنيات من أبناء وبنات كنائسنا في العالم أجمع. ومع ملائكة بيت لحم، وبرجاء صالح، نصلّي من أجل الأمن والسّلام في العالم بأسره.

مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، بطريرك السّريان الكاثوليك الأنطاكيّ 

مار إغناطيوس أفرام الثّاني، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسّريان الأرثوذكس 

مار بشارة بطرس الرّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة

مار آوا الثّالث روئيل، بطريرك كنيسة المشرق الآشوريّة في العراق والعالم

الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم"