الفاتيكان
17 تشرين الأول 2019, 11:15

بعد أيّام... كتاب للبابا فرنسيس حول العناية بالخليقة

يصدر في الرّابع والعشرين من الجاري كتاب يجمع خطابات البابا فرنسيس حول العناية بالخليقة، يتحدّث فيه عن ضرورة طلب المغفرة ومنحها- وهو فعل ممكن فقط بفضل الرّوح القدس- لكي نتخطّى الأزمة الإيكولوجية الحاليّة".

وللمناسبة نشرت صحيفة هذا"Corriere della Sera" جزء من الكتاب الّذي يحمل عنوان: 

"Nostra Madre Terra. Una lettura cristiana della sfida dell’ambiente"وقد قال البابا فيه:

"لأنّ جميع الأمور مرتبطة ببعضها البعض في الخير والمحبّة لذلك فكلّ نقص في المحبّة له نتائج على كلِّ شيء. وبالتالي فالأزمة الإيكولوجية التي نعيشها هي قبل كلِّ شيء إحدى نتائج هذه النظرة المريضة تجاه أنفسنا والآخرين والعالم والوقت الذي يمضي؛ نظرة مريضة لا تسمح لنا بأن نرى أنَّ كلَّ شيء هو عطيّة منحت لنا لكي نكتشف أننا محبوبون. هذه المحبّة الحقيقية، التي تبلغنا أحيانًا بشكل لا يمكننا تصوّره وغير متوقّع، هي التي تطلب منّا أن نعيد النظر في أساليب حياتنا ومعاييرنا في الحكم والقيم التي نبني عليها خياراتنا. لقد أصبحنا نعرف في الواقع أن التلوّث والتغييرات المناخيّة والتصحّر وانخفاض التنوع البيئي هي جوانب لا تنفصل عن عدم المساواة الاجتماعية: النفوذ والغنى المتزايدان بين أيدي القليلين وما يعرف بمجتمعات الرفاهية، المصاريف العسكرية المجنونة وثقافة التهميش.

إنّ أحد مخاطر زمننا إزاء التهديد الخطير للحياة على الأرض الذي تسبّبه الأزمة الإيكولوجية هو عدم قراءة هذه الظاهرة كجانب لأزمة شاملة وأن نتوقّف فقد للبحث عن حلول بيئيّة بحت. للمفارقة يمكن للتغييرات المناخية أن تصبح فرصة لنطرح على أنفسنا الأسئلة الأساسية حول الخليقة وحول ما يستحقّ العناء أن نعيش من أجله. هذا الأمر سيحملنا إلى إعادة نظر عميق في نماذجنا الثقافية والاقتصادية من أجل نموٍّ في العدالة والمشاركة وإعادة اكتشاف قيمة كلِّ شخص.

إنّ الثقافة المسيطرة تقوم على الامتلاك: امتلاك الأشياء، امتلاك النجاح ومن يملك الكثير تكون قيمته أكبر ويتمُّ اعتباره ويمارس نوعًا من السلطة، أمّا الذي يملك القليل فيواجه خطر حتى أن يصبح مجهول الهويّة لأنّه يختفي ويصبح من أولئك الأشخاص الذين لا نتنبّه لوجودهم أو لا نريد أن يكون لنا أيّة علاقة معهم. كلّ منّا بالتأكيد هو ضحيّة لهذه الذهنيّة لأنّها تنقضّ علينا بأساليب عديدة، إذ أنّنا ومنذ طفولتنا ننمو في عالم تنتشر فيه إيديولوجية تجاريّة. وبالتّالي وفي وضعنا الحالي يكمن الموقف الصحيح والحكيم في التنبّه والإدراك ولا في توجيه الاتّهامات والحكم.

نحن نعيش في هيكليّات خطيئة تنتج الشّرّ وتلوّث البيئة وتجرح وتذلّ الفقراء وتعزّز منطق الامتلاك والسلطة. إنّها نزعة ثقافيّة وروحيّة تسبّب انحرافًا في حِسِّنا الروحي الذي، وبفضل أنّنا قد خلقنا على صورة الله ومثاله، يوجّهنا بشكل طبيعي نحو الخير والمحبّة وخدمة القريب. من أجل جميع هذه الأسباب لا يمكن للتحوّل أن يأتي فقط من التزامنا أو من ثورة تكنولوجيّة وإنّما نحن بحاجة لأن نكتشف مجدّدًا أنّنا أشخاص، أي رجال ونساء يعترفون أنّهم غير قادرين على معرفة من هم بدون الآخرين ويشعرون بأنّهم مدعوّين ليعتبروا العالم الذي يحيط بهم كسر شركة. بهذا الشكل يمكن لمشاكل اليوم أن تصبح فرصًا حقيقيّة لكي نكتشف حقًا أنّنا عائلة واحدة، العائلة البشريّة.

سيكون جميلاً إن أصبحنا قادرين على طلب المغفرة من الفقراء والمهمّشين، لأنّنا سنصبح عندها قادرين على أن نندم بصدق على الشّرّ الذي سبّبناه للأرض والبحر والهواء والحيوانات... لكن طلب المغفرة ومنحها هما ممكنان فقط بفضل الروح القدس لأنّه هو صانع الشّركة التي تفتح انغلاقات الأفراد وبالتالي هناك حاجة لمحبّة كبيرة لكي نضع الكبرياء جانبًا وندرك بأنّنا أخطأنا ونرجو بأنَّ هناك فعلاً دروبًا جديدة. لذلك فالتوبة هي بالنسبة لنا ولعصرنا نعمة ينبغي أن نطلبها من الرّبّ يسوع المسيح لكي يتمّ تذكّر جيلنا في التاريخ لا لأخطائه وإنّما للتواضع والحكمة لأنّه عرف أن يقلب المسار. لذلك فالمسيرة المقترحة تقوم على إعادة التفكير في مستقبلنا انطلاقًا من العلاقات لأنَّ رجال ونساء زمننا يعطشون للحقيقة ولإعادة النظر بصدق في معايير الحياة وإعادة التركيز على ما هو مهم فعلاً من أجل إصلاح الحياة والثقافة."

 

المصدر: فاتيكان نيوز