الفاتيكان
21 شباط 2022, 09:45

بطاركة الكنائس الكاثوليكيّة الشّرقيّة التقوا البابا فرنسيس، ماذا في التّفاصيل؟

تيلي لوميار/ نورسات
شارك بطاركة الكنائس الكاثوليكيّة الشّرقيّة على مدى أربعة أيّام، من 16 ولغاية 19 شباط/ فبراير، في اجتماعات الجمعيّة العامّة لمجمع الكنائس الشّرقيّة في الفاتيكان، وقد أدارها رئيس المجمع الكاردينال ليوناردو ساندري، فيما حضرها أيضًا لفيف من الكرادلة والأساقفة الّذين عيّنهم البابا فرنسيس أعضاء في المجمع.

خلال هذه الأيّام الأربعة، بحث المجتمعون مواضيع عدّة، أبرزها: الحرّيّة الدّينيّة، التّحدّيات الّتي يجابهها المسيحيّون في بلادهم المشرقيّة وفي بلاد المهجر، دراسة تخصيص أو تسمية مسؤولين كنسيّين شرقيّين في أوروبا، مشاركة الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا في الرّسالة والكرازة، الرّهبانيّات، الإدارة الماليّة في الكنيسة، وأوضاع الكهنة الشّرقيّين الّذين يتابعون دراساتهم اللّاهوتيّة في روما.

وصباح الجمعة، شارك البطاركة في القدّاس الحبريّ الّذي احتفل به ساندري في بازيليك القدّيس بطرس في الفاتيكان، لمناسبة الجمعيّة العامّة، أضاء خلاله على غنى  طقوس الكنائس الشّرقيّة وتنوّعها ودورها في إغناء الكنيسة الجامعة وتعزيز الشّهادة للرّبّ يسوع في خضمّ الظّروف والتحّدّيات الرّاهنة، وفق ما ذكر إعلام بطريركيّة السّريان الكاثوليك، وتوقّف بشكل خاصّ عند مذبحة كاتدرائيّة سيّدة النّجاة السّريانيّة الكاثوليكيّة في بغداد، وكيف أنّ دماء شهدائها أضحت بذرة لتثبيت الإيمان وتقويته رغم الصّعوبات والاضطهادات.

وفي نهاية القدّاس، رفع الجميع الصّلاة من أمام ضريح القدّيس بطرس، من أجل السّلام والأمان في الشّرق والعالم، والخلاص من الأمراض والأوبئة، وحماية الكنيسة وتثبيت المؤمنين في كلّ مكان.

ثمّ التقى البطاركة البابا فرنسيس في القصر الرّسوليّ، في ختام أعمال الجمعيّة، يرافقهم الكاردينال ساندري ورئيس الأساقفة أمين سرّ المجمع جورجيو ديمتريو كالّارو، وقد تخلّل اللّقاء مداخلات للبطاركة عرضوا فيها لقضايا راهنة يواجهها مسيحيّو الشّرق بخاصّة في لبنان وسوريا والعراق.

كما تخلّل اللّقاء كلمة للبابا فرنسيس ثمّن فيها رعاية البطاركة الكنسيّة للمؤمنين في هذه الظّروف العصيبة، مانحًا الكنائس الشّرقيّة ومؤمنيها البركة الرّسوليّة.

هذا استقبل البابا فرنسيس صباح الجمعة في قاعة كليمينتينا في القصر الرّسوليّ المشاركين في الجمعيّة العامّة لمجمع الكنائس الشّرقيّة وللمناسبة، وجّه إليهم كلمة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "لقد صلّيتم صباح اليوم أمام مذبح إعلان إيمان الرّسول بطرس، لكي تجدّدوا معًا اعتراف الإيمان: "أنت المسيح، ابن الله الحيّ". لقد قمنا بالبادرة عينها قبل قدّاس بداية الحبريّة، لكي نظهر، كما قال البابا بندكتس الخامس عشر، أنّه "في كنيسة يسوع المسيح، الّتي ليست لاتينيّة ولا يونانيّة ولا سلافيّة، بل كاثوليكيّة لا يوجد أيّ تمييز بين أبنائها وأنّ الجميع لاتين ويونانيّون وسلاف والجنسيّات الأخرى يتحلّون بالأهمّيّة عينها". إليه، هو مؤسّس مجمع الكنائس الشّرقيّة والمعهد البابويّ الشّرقيّ، يتوجّه امتناننا بعد مئة عام من وفاته. لقد استنكر فظاعة الحرب واصفًا إيّاها بالمجزرة الّتي لا فائدة منها، لكن تحذيره لم يُسمع من قبل رؤساء الدّول الّتي شاركت في الحرب العالميّة الأولى. كما لم يتمّ الإصغاء إلى نداء القدّيس يوحنّا بولس الثّاني لتجنّب الصّراع في العراق.

كنّا نأمل ألّا تكون هناك حاجة لتكرار كلمات مماثلة في الألفيّة الثّالثة؛ ومع ذلك لا تزال البشريّة تبدو وكأنّها تتلمس طريقها في الظّلام: لقد شهدنا مذابح الصّراعات في الشّرق الأوسط وسوريا والعراق، وتلك الّتي تدور في منطقة تيغراي الإثيوبيّة؛ فيما لا تزال رياح مهدّدة تهبّ على سهوب أوروبا الشّرقيّة وتشعل فتيل ونيران السّلاح وتترك قلوب الفقراء والأبرياء باردة. كذلك تستمرّ مأساة لبنان الّتي تترك الآن العديد من الأشخاص بلا خبز؛ وفقد الشّباب والبالغون الرّجاء وغادروا تلك الأراضي الّتي هي البلد الأمّ للكنائس الشّرقيّة الكاثوليكيّة: هناك تطوّرت وحافظت على تقاليد ألفيّة، والعديد منكم، أعضاء هذه الدّائرة الفاتيكانيّة، هم أولادها وورثتها.

وبالتّالي فإنّ حياتكم اليوميّة تشبه مزيجًا من غبار الذّهب الثّمين لماضيكم ولشهادة الإيمان البطوليّ للكثيرين في الوقت الحاضر، ولكن مع وحل البؤس الّذي نتحمّل مسؤوليّته أيضًا والألم الّذي تسبّبه لكم قوى خارجيّة. مرّة أخرى، أنتم بذور موضوعة على جذوع وأغصان نباتات دهريّة، تحملها الرّياح إلى حدود لا يمكن تصوّرها: يعيش الكاثوليك الشّرقيّون منذ عقود في قارّات بعيدة، وقد عبروا البحار والمحيطات والسّهول، وأنشأوا الأبرشيّات في كندا والولايات المتّحدة وأميركا اللّاتينيّة وأوروبا وأوقيانيا والعديد من الأبرشيّات الأخرى قد عُهد بها على الأقلّ في الوقت الحاليّ إلى الأساقفة اللّاتين الّذين ينسّقون العمل الرّعويّ من خلال الكهنة المرسلين وفقًا للإجراءات الصّحيحة من قبل رؤساء الكنيسة أو البطاركة أو رؤساء الأساقفة.

لهذا السّبب تناولت أعمالكم البشارة الّتي تشكّل هويّة الكنيسة في جميع أجزائها، لا بل دعوة كلّ معمَّد. وللرّسالة علينا أن نضع أنفسنا في إصغاء أكبر لغنى التّقاليد المختلفة. أفكّر، على سبيل المثال، في مسار تنشئة الموعوظين الرّاشدين، الّذي ينصّ على الاحتفال بأسرار التّنشئة المسيحيّة في شكل موحّد: عادة يتمّ الحفاظ عليها وممارستها أيضًا في الكنائس الشّرقيّة للأطفال. في كلا المسارين، يشعر المرء بأهمّيّة تعليم تنشئة مسيحيّة حكيم يرافق المعمّدين من جميع الأعمار إلى انتماء ناضج وفرح للجماعة المسيحيّة. وعلى هذا الدّرب، ثمينة هي خدمات الكنيسة المختلفة، وكذلك الانسجام في العلاقات مع الرّهبان والرّاهبات الّذين يعملون وفقًا لمواهبهم الخاصّة حتّى في سياقاتكم. وقد توقّفتم عند جميع هذه الجوانب خلال هذه الأيّام.

هناك خبرة يسمح فيها "خزف" بشريّتنا بأن يُصاغ، لا من خلال الآراء المتغيِّرة أو من خلال التّحليلات الاجتماعيّة الضّروريّة، وإنّما من خلال كلمة وروح القائم من بين الأموات. هذه الخبرة هي اللّيتورجيا. إنّها السّماء على الأرض، كما يحبّ الشّرق أن يكرّر. لكن جمال الطّقوس الشّرقيّة بعيد كلّ البعد عن كونه واحة للهروب أو المحافظة. تظهر الجماعة اللّيتورجيّة بشكلها لا لأنّها تلتئم، وإنّما لأنّها تصغي إلى صوت الآخر، وتبقى موجّهة نحوه، ولهذا السّبب بالتّحديد تشعر بالحاجة الملحّة لكي تذهب إلى الأخوة والأخوات وتحمل لهم إعلان المسيح. حتّى تلك التّقاليد الّتي تحافظ على استخدام الأيقونسطاس، مع الباب الملكيّ، أو الحجاب الّذي يخفي المذبح في بعض مراحل الطّقوس، تعلّمنا أنّ هذه العناصر المعماريّة أو الطّقسيّة لا تنقل فكرة مسافة الله، بل على العكس هي ترفع سر التّنازل الّذي جاء فيه الكلمة ولا زال يأتي إلى العالم.

إنّ المؤتمر اللّيتورجيّ للاحتفال بالذّكرى الخامسة والعشرين للإرشادات حول تطبيق التّعليمات اللّيتورجيّة لمدوّنة قوانين الكنائس الشّرقيّة هو فرصة لكي نتعرّف على بعضنا البعض داخل اللّجان اللّيتورجيّة لمختلف الكنائس ذات الحقّ الخاصّ؛ إنّها دعوة للسّير مع هذه الدّائرة الفاتيكانيّة ومستشاريها، حسب المسار الّذي حدّده المجمع الفاتيكانيّ الثّاني المسكونيّ. وفي هذه المسيرة، سيفيدنا أن يحافظ كلّ عضو في الكنيسة الكاثوليكيّة الواحدة على الإصغاء الدّائم إلى التّقاليد الأخرى، إلى مساراتهم للبحث والإصلاح، بينما يحافظ كلّ منهم على أصالته. على سبيل المثال، يمكننا أن نسأل أنفسنا عن إمكانيّة إدخال طبعات اللّيتورجيا بلغات البلدان الّتي انتشر فيها المؤمنون، ولكن حول شكل الاحتفال، من الضّروريّ أن نعيش الوحدة وفقًا لما أقرّه السّينودس ووافق عليه الكرسيّ الرّسوليّ، مُتجنّبين الخصوصيّات اللّيتورجيّة الّتي، في الواقع، تظهر انقسامات من نوع آخر داخل الكنائس المعنيّة. كذلك، لا يجب أن ننسى أن إخوة الكنائس الأرثوذكسيّة والأرثوذكسيّة الشّرقيّة ينظرون إلينا: حتّى لو لم نتمكّن من الجلوس إلى المائدة الإفخارستيّة عينها، لكنّنا نحتفل دائمًا ونصلّي بواسطة النّصوص اللّيتورجيّة عينها. لذلك دعونا ننتبه إلى التّجارب الّتي يمكنها أن تضرّ الطّريق نحو الوحدة المرئيّة لجميع تلاميذ المسيح. إنَّ العالم يحتاج إلى شهادة الشّركة: وإذا كنّا سبب عثرة بالنّزاعات اللّيتورجيّة، فإنّنا نلعب لعبة من هو سيّد الانقسام.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء أشكركم على عمل هذه الأيّام. أنا قريب منكم على الدّوام في الصّلاة. إحملوا تشجيعي وبركتي لمؤمنيكم. ورجاء لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي."