بشارة مريم
إنطلق البطريرك ساكو في تأمله من إيمان مريم فسأل:"مريم آمنت بكلام الله، هل نحن نؤمن به مثلها؟"
مريم مرتبطة برجل من آل داود، بينما زكريّا وزوجته ينحدران من نسل هارون الكاهن. في البشارة إلى زكريّا لا يُذكَر المسيح، لكن يَعرف المؤمن أنّ ولادة يوحنّا مرتبطة ضمنيًّا بولادة المسيح.
1- البشارة
بشارة مريم لا تحدث في الهيكل كما الحال مع زكريّا، بل في قرية صغيرة غير مشهورة في منطقة الجليل. وهنا الأمّ المستقبليّة هي من تُبشَّر، وليس قرينَها يوسف، عكس البشارة بولادة يوحنّا التي وجِّهت إلى زكريّا الزوج.
يكشف لوقا سرَّ المسيح من خلال شرح الملاك الخبر لمريم، التي آمنت بكلامه وأجابت: "ها أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ" (لوقا 1/ 38).
يُحدِّدُ الملاك هويّة يسوع. إنّه من نسلِ داود وابنٌ للعليّ (لوقا 1: 32-35)، ويركّز على الدور الذي يُعطيه الله "يملكُ على بيتِ يعقوب وعلى عرش داود"، لكنّ المتلقّي لا يُدرك كيف سيتحقّق ذلك. والجملة الأخيرة تُعَقّد المشهد: "لن يكونَ لمُلكِه انتهاء". هذه الجملة لا علاقة لها بمستقبل بيت يعقوب القبليّ والسياسيّ، بل المعنى أبعد من ذلك!
"السلامُ عليكِ" تعني أيضًا "الممتلئة نعمة". هذه التحيّة تؤكّد الفرح الذي يجلبه المسيح بمجيئِه للبشريّة جمعاء.
البشارة إلى مريم تعطيها الحقّ في تسمية ابنها في حين المألوف هو أنّ الأب يسمّي أولاده: "فستحبَلين وتلدينَ ابنًا تسمّينه يسوع" (لوقا 1: 31). مريم تنذهل أكثر من زكريا الذي كان متزوّجًا بامرأة عاقر، لكن يُظهر لوقا انفتاحها على الكشف إلالهيّ. طفلها هو ابن العلي، والروح القدس هو الذي يحقّق هذا الحمل من دون علاقة زوجيّة، لذلك هو قدّوسٌ وقويّ. ابنها ينتمي إلى الله منذ الحَبَل به، بينما نجد أنّ يوحنّا يمتليء من الروح القدس فقط عندما بدأ كرازته. وهذا اختلاف جوهريّ.
يهدف لوقا إلى تعزيز إيمان ثاوفيلس، وإيماننا بعبارة: "ليس عند الله أمر عسير" يبرز الحدث أنّ الطاعة مرتبطة بالثقة. وعلى ضوئها جاء جواب مريم "ليكن لي كقولِك" أي أنّها تضع نفسها في خدمة المشروع الإلهيّ. هذا ما ينبغي أن نفعله نحن أيضًا.
2- زيارة إليصابات ونشيد مريم "نفسي تُعظِّم الله الربّ"
يربط لوقا بين طفولة يوحنّا المعمدان وطفولة يسوع. لقد لمَّح الملاك لمريم أنّ إليصابات نسيبتها حامل بشهرها السادس. في هذه الزيارة لا يُذكر زكريّا، إنّما تذكر إليصابات التي تستقبل مريم الممتلئة نعمة: "من أين لي هذا الفرح أن تأتي أمُّ ربّي إليّ. فلَمَّا سَمِعَت إليصاباتُ سَلامَ مَريَم، ارتَكَضَ الجَنينُ في بَطنِها، وَامتَلأَت مِنَ الرُّوحِ القُدُس" (لوقا 1/ 40-41).
يأتي نشيد مريم في إطار حضور الله الخلاصيّ. فرحها يكمن في اختيار الله لها. إنّها تنشد لأنّ الله سُرَّ بها. نحن أيضًا اختارنا الله لحمل الرجاء والفرح للناس: "اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ" (يو 15/ 16).
النشيد الذي يضعه لوقا على شفاه مريم يُضيء للقارئ حقيقة مخطّط الله الخلاصيّ. وقد أنشدته الجماعة المسيحيّة الأولى في ليتورجيّتها!
تعُظِّم نفسي الربّ، نشيدُ امراةٍ بسيطة وفقيرة، لكنّها مؤمنة جدًّا. نشيدها يكشف أنّ الله "يخزي الأغنياء والأقوياء والمتكبّرين". هذه العبارة تتماشى تمامًا مع التطويبات للمساكين، والمتواضعين والودعاء (مت 5/ 1-9).
هذا النشيد دعوة إلى المسيحيّين الى أن يمجّدوا الربّ بابتهاج، لأنّ ما حدث لمريم يحدث لهم أيضًا. أما يستقبلون المسيح في القربان المقدّس ليحلّ فيهم؟ وهكذا في الأسرار الاخرى؟
صلاة: يا مريم، عذراء الإصغاء والصمت، التي فيها جاء الكلمة وعاش بيننا، أُسلّم إليك ذاتي كلّها، وعقلي وقلبي، وجسدي وحواسي، حتّى أتعلّم في مدرستك الصمت والإصغاء، اليوم وفي كلّ الأيّام. آمين.