بالتّفاصيل- بطريرك بلغراد وسائر صربيا ايريناوس يزور الرّاعي في بكركي
بداية توجّه الجميع إلى كنيسة سيّدة الانتقال داخل الصّرح حيث رفعت صلاة الشّكر، ألقى بعدها البطريرك الرّاعي كلمة ترحيبيّة قال فيها:
" صاحب القداسة،
1. يسعدني وإخواني السّادة المطارنة الموارنة الأجلّاء، الملتئمين في الدّورة السّنويّة العاديّة للسّينودس المقدّس، أن أرحّب بقداستكم في هذا الكرسيّ البطريركيّ، وبصاحب الغبطة أخي البطريرك يوحنّا العاشر الذي يستضيفكم، والوفد المرافق. نستقبلكم بصلاة التّمجيد والشّكر للثّالوث القدّوس، الآب والابن والرّوح القدس، وبعاطفة المحبّة والتقدير.
إنّنا نعتزّ بهذه الزّيارة لما فيها من محبّةٍ أخويّةٍ، وفرحٍ بالرّوح القدس الذي يجمعنا، وعنايةٍ من أمّنا مريم العذراء والدة الإله، شفيعة هذا الكرسيّ. وإنّنا نتمنّى لكم زيارةً مباركةً إلى لبنان، تُشدِّد روابط التّعاون فيما بيننا، ومع مختلف الكنائس. إنّ لزيارتكم أبعادًا لاهوتيّةً وروحيّةً أَخصّها الإقرار بغنى المسيح الظّاهر في حياة أبناء كنائسنا وبناتها، وبانعكاس وجهه في النّفوس التّقيّة؛ والتّأمّل في عمل الرّوح القدس فيكنائسنا؛ واستكشاف غنى تراثاتها اللّيتورجيّة واللّاهوتيّة والتّنظيميّة. هذه كلّها تشكّل الطّريق المؤدّي، عبر الارتداد والصّلاة، إلى الوحدة الكاملة التي من أجلها صلّى ربّنا يسوع المسيح قبيل آلامه وموته: "ليكونوا واحدًا" (يو 21:17).
2. لقد رافقناكم، وما زلنا، بالصّلاة والتّضامن في نضالكم الرّوحيّ والكنسيّ من أجل حماية شعبكم الصّربيّ، والألف وخمسماية دير وكنيسة ومؤسّسة تقويّة وموقع ثقافيّ في كوسوفو وميتوكي. وقد اعتبرتموها من صميم جوهر وجودكم ككنيسةٍ وشعب، وأنّكم بدونها تضيعون في مسار العولمة والعلمنة. وتساءلتم كيف يمكن بناء ازدهار صربيا على انحلال ما يشكّل بالنّسبة إليها حجر الزّاوية لهويّتها وتاريخها ووجودها العام. لذا صمّمت كنيستكم البقاء في كوسوفو وميتوكي مهما كانت الظّروف، ولن تغادرها، رافضين القبول بكلّ ما يُفرَض. وقد صرّحتم يومًا بالقول: "إنّ ما يؤخذ بالقوّة يمكن استعادته، أمّا ما يُعطى طوعًا فيُخسَر إلى الأبد".
صاحب القداسة
3. إنّنا فيما نهنّئكم بهذه الشّجاعة في الدّفاع عن أرضكم ووطنكم وفي حماية شعبكم وتراثكم الكنسيّ والثّقافيّ، نحيّي فيكم مثالًا في مواجهة ما يتهدّد ثقافتنا اللّبنانيّة وكياننا ورسالتنا في هذا الشّرق. وكذلك بالنّسبة إلى كنائسنا وشعوب هذه المنطقة المشرقيّة.
تعلمون كيف فرضَت القوى الدّوليّة الحروب على العراق وسوريا، وهدّمتها بواسطة المنظّمات الإرهابيّة والمرتزقة المدعومة بالمال والسّلاح، وهجّرت أهلها وما زالت تخوّفها من العودة لمآرب سياسيّة. إنّهم بذلك فرضوا حربَين: الأولى بالحديد والنّار هدّمت الحجر وفتكت وهجّرت، والثّانية بالسّياسة والإغراء والتّخويف تهدم الهويّة والثّقافة.
4. من هذا المنظار نحن ندعو الإخوة النّازحين، السّوريّين والعراقيّين، للعودة إلى وطنهم من أجل حماية وجودهم وكيانهم وتاريخهم وثقافتهم، وإلّا تضامنوا، من حيث لا يدرون، مع الهدّامين المستبيحين أرضهم وإرثهم وتراثهم. ومن هذا القبيل أيضًا ندعم القضيّة الفلسطينيّة، لجهة إنشاء دولةٍ خاصّةٍ بالفلسطينيّين، وعودة اللّاجئين إلى أراضيهم وفقًا لقرارات مجلس الأمن والشّرعيّة الدّوليّة، وإنّنا نرفض تهويد القدس وجعلها عاصمةً لإسرائيل، كما نرفض اعتبار هذه الدّولة وما تحتلّ من الأراضي المقدّسة وطنًا لليهود. بات معروفًا، بكلّ أسف، أنّ "صفقة القرن" الموضوعة على نار هادئة، ترمي إلى توطين اللّاجئين الفلسطينيّين والنّازحين السّوريّين في البلدان التي تستقبلهم كلبنان والأردنّ، من خلال إغراءاتٍ ماليّةٍ وتسوياتٍ سياسيّةٍ، تكون كلّها على حساب هويّة هؤلاء الشّعوب وتاريخهم وثقافتهم وحقوقهم المدنيّة. فلا بدّ من توحيد الموقف في الرّفض والدّفاع.
أجل، يبقى كلام قداستكم القاعدة الذّهبيّة: "ما يؤخذ بالقوّة يمكن استعادته، أمّا ما نعطيه طوعًا فنخسره إلى الأبد".
صاحب القداسة
5. نحن، كنائس الشّرق الأوسط، نشعر بمسؤوليّتنا التّاريخيّة الخطيرة، وهي المحافظة على جذور المسيحيّة العالميّة. ففي هذه المنطقة من العالم تجلّى سرُّ الله، وتحقّق تدبيره الخلاصيّ الذي كان مخفيًّا منذ الدّهور: هنا صار كلمة الله إنسانًا، وأعلنَ إنجيل الملكوت؛ هنا ارتفع صليب الفداء، وتقدّس الجنس البشريّ بالحياة الجديدة المنبثقة من القيامة، والجارية في النّفوس بحلول الرّوح القدس؛ هنا تأسّست الكنيسة وأصبحت المسيح الكلّيّ وأداة الخلاص الشّامل، ومن هنا انتشرت في العالم كلّه بواسطة الرّسل والأساقفة وخلفائهم ومعاونيهم.
من أجل هذه الغاية نحن بحاجةٍ إلى التّعاون بين كنائسنا في جميع المجالات، من أجل المحافظة على وجودنا وكياننا ورسالتنا، متّكلين على المسيح الإله الذي أرسلَنا، وأكّد لنا "أنّه معنا طول الأيّام حتّى نهاية العالم" (متّى 20:28).
بعدها ألقى البطريرك ايريناوس كلمة جاء فيها: "فرحتي كبيرة اليوم، أنا والوفد المرافق، بهذا اللّقاء الذي يحدث للمرة الأولى بين الكنيسة الصّربيّة والكنيسة المارونيّة، واشكر صاحب الغبطة على كلامه الطيّب لأننا في النهاية أبناء كنيسة واحدة نتبع تعاليم المسيح وتلاميذه. لقد كنا عبر التاريخ كنيسة واحدة، وهذا ما يجب أن نبقى عليه، في الحاضر وفي المستقبل، لأن المخلّص هو واحد، ربّنا يسوع المسيح الذي نشر كلامه لتلاميذه ونحن بدورنا أخذناه منهم ونقوم بنشره من خلال عملنا الكنسيّ."
أضاف: "الشّهداء والآباء القدّيسين في الكنيستين، قد شرحوا لنا ما هي الكنيسة وكيف يجب أن نتصرّف في حياتنا، وكما يعلم الجميع، فإن الكنائس تعرّضت لاضطهادات كانت بمثابة شهادة للرّبّ، وتحلّينا في خلالها بالكثير من الصّبر. إنّ القوى العظمى اليوم تقوم بهدم كنائسنا ومحاولة تفريقنا، لكنّ إيماننا بالرّبّ يسوع أقوى من هذه التّجارب، وهو يمثّل حافزًا لنا لنكون يدًا واحدة تشهد للرّبّ. اسمحوا لي أن أشكركم مجدّدًا على كلماتكم الطّيّبة التي تحدثتم بها عن كوسوفو، حيث جرحنا كبير، إذ نعتبر كوسوفو قلب الكنيسة الصّربيّة وبمثابة الأراضي المقدّسة للشّعب الصّربيّ. كوسوفو تحتوي على أديرة عريقة يجب المحافظة عليها."
وتابع: "في الفترة الأخيرة طلب منا الألبان أن يعيشوا معنا، نحن قبلناهم كأخوة لنا ، إلّا أنّه في الفترة الأخيرة طلبوا منّا، وبمساعدة القوى العظمى، مغادرة كوسوفو حتّى تصبح لهم، يريدونها كهدّيّة منّا لهم ، وهذا ما تقوم به القوى العظمى، تضغط علينا لتقديم كوسوفو للألبان. نحن نتشكّر الدّول التي وقفت معنا في هذه القضيّة، كروسيا والصّين والذي رفضوا الاعتراف بكوسوفو كدولة مستقلّة. كوسوفو هي العرش التّاريخيّ للكنيسة الصّربيّة والمقرّ الأساسيّ للبطريرك الصربي. لقد تعرّض العديد من الأديرة في كوسوفو للتّدمير، ولكنّنا قمنا بإعادة ترميمها وإحياء الرّهبنات الموجدة داخلها لأنّ ايماننا كبير بكنيستنا وبقدّيسينا الذين عاشوا في كوسوفو، وذخائرهم ما زالت موجدة حتّى يومنا هذا."
وإختتم ايريناوس: "أشكّر الدّولة اللّبنانيّة لوقوفها إلى جنبنا في قضيّتنا، وأتمنّى أن تذكرونا دومًا في صلواتكم، وأجدّد شكري على الاستقبال والكلام الطّيّب الذي سمعناه من غبطة البطريرك الرّاعي، كما أتمنّى للسّينودس المقدّس المنعقد حاليًّا التّوفيق في جميع أعماله، وأدعو للرّبّ أن يكون دائمًا معكم للحفاظ على الكنيسة. وفي اليوم الأخير لزيارتنا هذه الأراضي المقدّسة، سنحمل معنا رسالة محبّة لشعوبنا، من شعب طيّب ومحبّ للرّبّ كشعب لبنان، علينا ايصال رسالة ثانية الى شعبنا عن مسيحيّي الشّرق الذين يعيشون الوحدة على رغم تنوّعهم ويعيشون بمحبّة أيضًا مع طوائف أخرى مسلمة وهذا ما علينا أن نخبره للعالم نخبرهم بما رأيناه من جمال هذا التّعايش. شعوب الشّرق الأوسط هي مثال للمحبّة والتّعايش. نصلّي إلى الرّبّ كي يحفظ المسيحيّين في هذا البلد والطّوائف الأخرى أيضًا، وأقدّم رسالة حبّ لكم يا صاحب الغبطة وللأساققة والكهنة الموجودين معنا، وسلام لهذا الشّعب المؤمن بالرّبّ."
وفي الختام انتقل الجميع إلى صالون الصّرح البطريركيّ حيث تمّ تبادل الهدايا التّذكاريّة ثم كانت جولة على أرجاء المتحف.