دينيّة
09 تشرين الأول 2019, 09:30

الورديّة... المسبحة العجائبيّة

من الحبل المعقود إلى حبّات المسبحة صلاة المسبحة قديمة العهد فإنّ المسيحيّين الأوائل كانوا يستعملون الحبل المعقود عقدًا معدودة، ومع تأسيس الأديرة والرّهبانيّات في حوالى القرن الرابع، كان الرّهبان يصلّون الفرض مشتركين. وكانت هذه الصّلاة مقتصرة على الصّلاة الرّبّيّة أيّ "الأبانا" و"السّلام الملائكيّ" والمزامير البالغ عددها مئة وواحد وخمسين مزمورًا. أمّا الرّهبان العاملين في الحقل فكانوا يستعيضون عن ترتيل المزامير بتلاوة الصّلاة الرّبّيّة، ثمّ مئة وخمسين مرّة السّلام الملائكيّ. (المسبحة الورديّة، منشورات جمعيّة: جنود مريم)

البابا يوحنّا بولس الثّاني وأسرار النّور 
وكانت تتركّز على أسرار الفرح والحزن والمجد. أمّا أسرارالنّور فقد أتت في الرّسالة البابويّة الّتي صدرت عن الفاتيكان في تشرين الأوّل سنة 2002 وقد وجّهها قداسة الحبر الأعظم يوحنّا بولس الثّاني وأسماها أسرار النّور لأنّه سرّ المسيح الّذي هو النور.

القدّيس عبد الأحد يؤسّس صلاة الورديّة
أنشأ صلاة الورديّة كما كتب المؤرّخ كاستيوس في فرنسا القدّيس عبد الأحد الّذي ولد في إسبانيا سنة 1170 وتوفّي سنة 1221.
وقد انتشرت في تلك الأيّام بدعة: "الالبيجازيين" مع أوبئة مخلّة بالآداب فالتجأ القدّيس عبد الأحد إلى مغارة في غابة قريبة من مدينة تولوز في فرنسا وراح يصلّي طالبًا شفاعة العذراء مريم. وبعد ثلاثة أيّام من الصّوم والصّلاة والتّقشّف والابتهال تراءت له العذراء وشجّعته وأشارت إليه أن يتّخذ صلاة الورديّة دواء شافيًا وسلاحًا ضدّ أعداء الكنيسة سنة 1213. فراح بكلّ حماس بنشرها بين النّاس وفي سنة 1216 أسّس رهبانيّة الدّومنيكان (الإخوة الوعّاظ) ومن بين الرّهبان كان الأب دي لاروشفا.

الملاك يقيّد الحيّة القديمة
في رؤيا يوحنّا ظهر ملاك من السّماء ونزل حاملاً بيده سلسلة قويّة قيّد بها التّنّين "الحيّة القديمة" هذه السّلسلة قال عنها بعض الآباء هي ترمز إلى المسبحة الورديّة.

الوردة على المياه
وقد قال كتاب الحكمة: كالوردة المغروسة على ضفاف المياه وفي سفر الجامعة "كالوردة المغروسة في أريحا".

الأتراك يزحفون إلى أوروبا والرّيح توقفهم 
في سنة 1571 زحف الأسطول التّركيّ إلى إيطاليا قاصدًا احتلال أوروبا فطلب البابا بيوس الخامس النّجدة من دول إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا والنّمسا، فأتته النّجدة ومشى الأسطول المسيحيّ لمجابهة الأسطول التّركيّ وتجابه الجيشان قرب جزيرة ليبانتيا وهي جزيرة من جزر اليونان في 7 تشرين الأوّل سنة 1571. وعاكست الرّياح المراكب المسيحيّة فتراجعت وأخذها التّشتّت وتقدّمت المراكب التّركيّة منتصرة ووصل الخبر إلى الفاتيكان ودبّ الخوف والرّعب في قلوب النّاس فأتوا راكضين إلى ساحة الفاتيكان وهم يبكون وينوحون. وأطلّ عليهم البابا من شرفته طالبًا منهم أن يأخذوا ورديّتهم ويصلّوا ودخل هو غرفته وركع يصلّي المسبحة الورديّة وإذا بالرّيح تنقلب مع مراكب المسيحيّين معاكسة الأعداء الأتراك فأخذوا بالتّراجع والانهزام وانتصر المسيحيّون وأطلّ البابا من شرفته وبشّر الناس بانتصار الجيوش المسيحيّة وانكسار الجيوش التّركيّة وانتهت الحرب وبقيت الأعلام التّركيّة محفوظة في متحف الفاتيكان إلى أن أرجعها البابا بولس السّادس بزيارته إلى تركيا سنة 1965.

بعد مئة سنة الأتراك يعودون 
بعد مئة سنة على انكسارهم في حربهم البحريّة ضدّ أوروبا قرّروا هذه المرّة إعادة الكرّة برًّا وحاصروا مدينة فيينّا مدّة عشر سنوات. وكان الملك البولونيّ "جلسوبيسكي" يقود الجيوش الأوروبّيّة المسيحيّة. ولمّا رأى أنّ الانتصار مستعص وأنّ السّلاح لا يفيد صعد إلى تلّة صارخًا طالبًا النّجدة من العذراء مريم وهو يلوّح لها بمسبحته (الورديّة، تاريخها وكيفيّة تلاوتها طبع ونشر جمعيّة "جنود مريم" ص 15)، وإذ بالذّخيرة تنفد عند الأتراك فيتراجعون عن الحسار ويتركون المدينة وتنتهي الحرب في 13 أيلول 1683. فطلب من البابا إينوشنسيوس الحادي عشر تخصيص شهر تشرين الأوّل بكامله للورديّة المقدّسة واستجاب البابا الطلب.

المسبحة في اليد وعلى العنق وتحت الوسادة
وفي معظم ظهوراتها طلبت العذراء أن يصلّوا الورديّة ويعوّدوا الأطفال على تلاوة المسبحة لتكون سلاحًا نقاوم به الأعداء المنظورين وغير المنظورين ووضع الوردية تحت وسادة المريض، قالت ذلك للقدّيسة أنجال مؤسّسة راهبات الأورسولين.
وفي ظهوراتها للقدّيسة كاترين لابوريه طلبت منها تلاوتها كلّ يوم مع الرّاهبات سنة 1830 في باريس.
وفي ظهوراتها في لورد طلبت العذراء من برناديت سوبيرو أن تصلّي المسبحة دائمًا مع الجماهير.
وفي ظهورات فاطيما في البرتغال طلبت العذراء من الأولاد الثّلاثة أن يتلوا المسبحة الورديّة خاصّة لانتهاء الحرب في العالم. وفي إحدى رسالاتها طلبت صلاة الورديّة في العائلات في الأديرة والكنائس. وطلبت: إحملوا المسبحة حول أعناقكم وفي جيوبكم إنّها وسيلة دفاعكم في وجه العدوّ وهي خلاصكم (السّيّدة العذراء 6 أيلول 1969 سال داميانو إيطاليا صفحة 19، الورديّة).

خاتمة
يقول القدّيس فرنسيس دي لاسال إنّ خير أسلوب للصّلاة هو تلاوة المسبحة ويقول البابوات إنّ تلاوة المسبحة هي الوسيلة الفعّالة لاسترضاء القدرة الإلهيّة.
هي نبع تفكير لاهوتيّ في سرّ يسوع المسيح وسرّ حياته الخلاصيّة وفي سرّ إنسانيّته وألوهيّته. هنا تلتقي التّيولوجيا والأنتربولوجيا في مسار تفكيريّ عميق ينقلنا من أسرار الفرح إلى أسرار الحزن، إلى أسرار المجد، إلى أسرار النّور، فنعيش سرّ المسيح في حياتنا.

 

المصدر: الأب البروفيسور يوسف مونّس