النّدوة الثّالثة عن الشّهادة في الكتاب المقدّس في المركز الكاثوليكيّ
يفتتح الأسبوع بقداس إلهي الاحد المقبل، الساعة السابعة مساء في كنيسة دير مار الياس انطلياس، ويختتم برعاية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، لنشاط مخصص لطلاب اللاهوت في لبنان، السبت 2 كانون الاول الساعة الرابعة بعد الظهر في جامعة الروح القدس الكسليك - قاعة البابا يوحنا بولس الثاني.
شارك في الندوة مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، رئيس الطائفة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارجي، متروبپوليت بيروت وجبيل وتوابعهما للروم الملكيين الكاثوليك المطران كيرلس سليم بسترس، راعي أبرشية جبل لبنان وطرابلس للسريان الأرثوذكس المطران جورج صليبا. وحضرها الأمين العام لجمعية الكتاب المقدس مايك باسوس، وعدد من أعضاء جمعية الكتاب المقدس والإعلاميين والمهتمين.
أبو كسم
رحب أبو كسم بالحضور باسم رئيس اللجنة الاسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر الموجود في الخارج، وقال: "نختتم اليوم سلسلة الندوات التي أقيمت لمناسبة اسبوع الكتاب المقدس الخامس تحت عنوان "الشهادة في الكتاب المقدس". وهي محطة سنوية ويجب تفعليها في حياتنا اليومية، بقراءة الكتاب المقدس والتفتيش عن معنى الشهادة. فالمسيحي الذي لا يشهد للمسيح يكون هناك نقص في حياته، وهذه الشهادة تكون بالقول والفعل والمثل الصالح وبالتعليم والتدبير، ويؤتمن عليها كل المكرسين، بالدرجة الأولى الأساقفة والكهنة وكل أنسان مسيحي يسعى إلى تطبيق كلمة المسيح في عائلته، في حياته اليومية، في مجتمعه، وفي مدرسته وجامعته. ويجب ألا ننسى أبدا أننا نحن شهود لسيدنا يسوع المسيح".
قصارجي
وكانت مداخلة للمطران قصارجي بعنوان "نحن الكلدان، شهود للكلمة وشهداء الحق"، وقال: "الكنيسة الكلدانية شاهدة للكلمة المتجسد، يسوع المسيح، منذ بداية مسيرتها الطويلة القديمة العهد جدا، الى يومنا الحاضر هذا، مرورا بحقبات مجيدة ومراحل دموية. وقد عرفت ان تسكب خلالها محبتها للمصلوب في كؤوس تقدمة الذات الكلية قربانا حيا على مذابح العلي وبخورا زكي العرف يفوح من مجامر العبادة الحقة، فاتخذت لها شعارا كلمة بولس الرسول الإناء المصطفى "الحياة عندي هي المسيح والموت ربح".
ورأى أن "اليوم أشبه بالأمس الى حد بعيد، والتاريخ يكرر نفسه، وتعود آلة التطرف الديني الأعمى الى سفك دماء المسيحيين من جديد غير قادرة على قبول الآخر المختلف بل تتذرع كما في الماضي بأسباب كاذبة بعيدة عن المآرب الرخيصة والهدامة التي ابتدأت تكشف عنها النقاب صراحة... وإن اتسمت أحيانا ، للأسف، بعباءة الدين زورا".
أضاف: "بعد مرور عامين بعد المئة على تلك المجازر التي ارتكبت بحق الكلدان والسريان والآشوريين والأرمن واليونان، والتي تعرف بمجازر سفر برلك، تعود الى الواجهة معاناة المسيحيين من خلال القتل والخطف والتهجير القسري واحتلال الكنائس وتفجيرها احيانا وسلب الممتلكات، إن في العراق أو سوريا أو مصر وغيرها... ناهيك عن تدمير للتراث ومعالمه التاريخية والدينية الضاربة في القدم!"
وقال: "أسماء عديدة لمعت في قافلة شهدائنا المباركة، ناهيك عن "المعترفين"، أي الذين احتملوا العذابات والآلآم في سبيل إيمانهم بالرب يسوع، وما عدا الألوف من الإكليريكيين والعلمانيين الذين آثروا إهمال كل شيء في سبيل الحفاظ على وديعة الإيمان الثمينة. والشاهد الحقيقي على استمرار جلجلة المسيحيين في هذا الشرق المتألم، فهو الشهيد المطران بولس فرج رحو راعي أبرشية الموصل الكلدانية والأعداد الغفيرة من الشهداء، يضاف إليهم جمهور الذين يحملون بصبر وتسليم لمشيئة الله مرارةَ الدهر الحاضر مستَقين العزاء والسلوانَ من الناهض من الرَمس في اليوم الثالث محطما بقوة المحبة عقالات الجحيم وأمخاله الدهرية!"
وأضاف: "لقد شهدت بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان موقفا مهما لقداسة البابا فرنسيس يوم الأحد 12 نيسان 2015، هو بمثابة علامة رجاء جديدة لنا، إذ اعترف قداسته علنا بالإبادة الأرمنية، ولكن أيضا السريانية والأشورية والكلدانية" مؤكدا أن كنيستنا كنيسة الشهادة الرافعة لواء الإنجيل ببسالة".
وتابع: "قدمت الكنيسة الكلدانية ما يقارب مئتي ألف شهيد من إكليريكيين وعلمانيين سقطوا على مذبح الدفاع عن إيمانهم بالناهض من القبر في اليوم الثالث، ليسطروا بدمائهم العطرة تاريخ هذا الشرق المشرف، الذي يفوح منه عرف الشهادة الطيب الشذا معطرا الكون كله برائحة المسيح التي انعشت عالمنا الغارق في سبات الظلام وغياهب الموت".
وأشار الى أن "الكنيسة الكلدانية هي كنيسة الشهداء، وبهذا الاسم عرفت. لقد استشهد مبشرها القديس توما الرسول دفاعا عن إيمانه بالرب يسوع، وعلى خطى الشهادة سار البطريرك يوحنا سولاقا وقبله شمعون برصباعي".
وختم سائلا "الشاهد الأول والشهيد الأكبر، الذي غلب الموت بسلطان الحب وسلمنا كلام الحياة زادا لطريق السماء، ان نبقى بنعمته شهودا لكلمته فنعيشها ونتخذها لنا مصباحا ينير خطانا ويهدي سبيلنا الى الحياة، ولئن هبت علينا عواصف الدهر العاتية".
بسترس
وتحدث المطران بسترس عن "الشهادة في العهد الجديد"، وقال: "أولا يسوع المسيح الشاهد الأمين، الشهادة هي إعلان لما يشهده الإنسان بنفسه. فالعهد الجديد يدعو يسوع "الشاهد الأمين". ذلك لأنه، عندما يتكلم على أمور السماء، يشهد بما رأى وسمع. فهو الآتي من السماء، كما قال لنيقودمس: "الحق الحق أقول لك إننا، نحن، نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا ولا تقبلون شهادتنا. فلئن كنتم لا تصدقون عندما أقول لكم ما هو من أمر الأرض فكيف تصدقون إذا قلت لكم ما هو من أمور السماء. مع أن أحدا لم يصعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن البشر الكائن في السماء".
ثانيا الآب والروح القدس يشهدان ليسوع، في نقاش يسوع مع اليهود، قال له الفريسيون: "أنت تشهد لنفسك فشهادتكَ لا تقوم"، أجابهم: "إني وإن كنت أشهد لنفسي فشهادتي تقوم لأني أعلم من أين جئت وإلى أين أذهب... وإذا حكمت فحكمي منطبق على الحقيقة لأني لست وحدي بل أنا والذي أرسلني. أولم يكتب في شريعتكم أن شهادةَ شاهدين صحيحة؟ فأنا أشهد لنفسي، والآب الذي أرسلني يشهد لي أيضا".
ثالثا الرسل يشهدون للمسيح، لقد أرسل يسوع تلاميذه ليشهدوا له. ففي العشاء السري، بعد أن قال لهم: "إن روح الحق الذي من الآب ينبثق، فهو يشهد لي"، أضاف: "وأنتم أيضا ستشهدون لي لأنكم معي منذ الابتداء". وفي ترائيه لهم من بعد قيامته، بحسب سفر أعمال الرسل، سأله التلاميذ: "أفالآن، يا رب، هو الزمان الذي ترد فيه الملكَ لإسرائيل؟" فقال لهم: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي حددها الآب بسلطانه الخاص. بيد أنكم ستنالون قدرة الروح القدس، الذي سيأتي عليكم، فتكونون شهودي في أورشليم وفي اليهودية كلها وفي السامرة وإلى أقصى الأرض".
رابعا الشهادة والمشاهدة، إن الرسل الذين شهدوا للمسيح إنما شهدوا بما اختبروه شخصيا في حياتهم. وهذا ما يقوله بطرس: "ونحن شهود بكل ما صنعه في أرض اليهودية وفي أورشليم". فالشهادة ليست مجرد إعلان خبر ينقله المرء عن أمور لا علاقة شخصية له بها يتلقاها من آخرين ثم ينقلها إلى أناس آخرين. بل هي إعلان عما شاهده المرء بعيني الجسد أو بعيني الإيمان واختبره في صميم كيانه."
وختم: "نحن اليوم لم نشاهد يسوع شخصيا بأعين الجسد، ومع ذلك علينا أن نشهد له. فشهادتنا تقوم استنادا إلى شهادة الرسل وإلى الإيمان الذي يمنحنا إياه الروح القدس، فلا نشهد للمسيح بما شاهدناه بأعين الجسد بل بما شاهدناه بأعين الإيمان، أي بالحياة الإلهية التي اصطبغنا بها منذ معموديتنا "باسم الآب والابن والروح القدس"، والتي تطبع حياتنا وكل أعمالنا وأقوالنا".
صليبا
بدوره تحدث المطران صليبا عن "روحانية الشهادة والاستشهاد في الكتاب المقدس"، وقال: "أطنب الكتاب المقدس، وخصوصا العهد الجديد، في مديح الشهداء الذين لهم منازل سامية وسامية جدا في السماء. فليس كثيرا ان يموت هؤلاء من اجل هذه الوعود السماوية العالية والغالية".
أضاف: "الكنيسة أخذت وتعلمت هذه القدوة من رب الكنيسة ومؤسسها وفاديها ربنا يسوع المسيح الذي مات من اجل الناس كل الناس. وهذا الثمن الغالي الذي دفعه يسوع ببذل دم اقنومه لم يكن مقابل اثمان بذلها البشر من اجله والرسول بولس يقول "ونحن بعد اشرار مات المسيح لأجلنا". اذا هذا الفداء لم يكن طمعا بمجد باطل وبمركز وبمقام يستحق شيئا من هذا العطاء غير المحدود. بل كان مثالا يحتذى قوله يسوع للبشرية جمعاء. بل وهو القائل من الجهد ان يموت إنسان صالح من اجل الصالحين لكم بالأحرى ان يموت من اجل الأشرار فهذه التضحية بل هذه هي الرسالة وهذا التوجيه السليم والمثل الحسن".
وتابع: "لقد تغنى المسيحيون وآباء الكنيسة في كل العصور بتضحيات الشهداء ووصفوهم بأجمل الكلمات والعبارت والتعابير والأقوال، بل بممارسة القدوة الحسنة. إذ لم ترعبهم السيوف ولم يتأثروا بانواع الحتوف. بل بالعكس رأوا في الموت حياة وفي الشهادة والاستشهاد انجيلا مميزا ومدرسة لا أهم، بل ولا أعظم. لهذا استهانوا بالموت لينشدوا مع مار بولس رسول الأمم قائلين "لأن لي الحياة هي المسيح والموت ربح".
وقال: "المؤمنون في كل الأجيال نهجوا على هذا المثال واسترخصوا كل شيء في العالم وحياتهم، خصوصا لأنهم عرفوا وتعلموا أن كل أمجاد هذا العالم لا تعادل المجد العتيد المحفوظ في السموات وصارت دماؤهم على الأرض نورا يضيء الطريق امامهم للفوز بالحياة الأبدية لهذا اهملوا العالم وكل ما في العالم ليكونوا للمسيح وللمسيح وحده.
ومن هذه التعاليم والمواقف العظيمة نالت المسيحية روحانية مميزه لانها تبعت الفادي الحبيب وصارت الديانة المميزة في العالم. "لا تقاوم الشر بالشر بل اغلبوا الشير بالخير ولا تظلم ولا تنتقم ولا تفكر بالسوء بل تصلي لأجل الأحباء والأعداء من اجل القريبين والبعيدين من اجل الصالحين والطالحين لأن وعود السماء هي اثمن من كل وعد في هذا العالم".
وقال: "هناك شهود أحياء، بل شهداء تسميهم الكنيسة المعترفين، هؤلاء الذين عانوا وتحملوا المظالم بأنواعها من اضطهاد وتنكيل وعذابات على أنواعها، ولم ينكروا المسيح، بل تشددوا وتمسكوا بالأكثر بهذا الايمان المعطى للقديسين، وظهرت آثار هذه المظالم على أجسادهم من بتر أطرافهم واقتلاع عيونهم وتقطيع أوصالهم، وهم يرددون "لأن لنا الحياة هي المسيح والموت ربح".
وأضاف: "وقد حفظ الله هؤلاء المعترفين ليكونوا شهودا ومثالا صالحا للإقتداء بهم والسير على منوالهم، ومن آلامهم ينال المؤمنون الشفاءات بأنواعها، كيف ولا وهم المختارون ليلجوا ملكوت السماء كما يقول الرسل "بضيقات كثيرة ينبغي ان ندخل ملكوت السماوات" وهم في مفهومنا المسيحي الشهداء الأحياء.
وهذا النموذج من المعترفين، بالإضافة الى الشهداء المنتقلين، جعل شجرة الكنيسة تنمو والشهداء ينظرون اليها وكل المؤمنين وقد رأوا فيها ثمرة الحياة. الأغنياء قدموا في سبيلها اموالهم وممتلكاتهم والعلماء عقولهم ومواهبهم والمختارون أغلى ما عندهم. اما الشهداء فابتاعوها بدماء أجسادهم والصبر على الآلام ليقطفوها فكانت من حقهم ونصيبهم أكثر".
وأشار الى "أن الشهادة والإستشهاد هما مصدر الرجاء والثقة بكلام الفادي ربنا يسوع المسيح الذي دعا العالم كل العالم الى الإيمان به لأنه الطريق والحق والحياة، بل هو نور العالم. وقد قال عن نفسه "أنا هو نور العالم من يؤمن بي لا يمشي في الظلام".
وختم: "امنحنا اللهم هذه الفضائل السماوية الإيمان والرجاء والمحبة، فأنت المنبع وإليك المعاد ورحمتك تعم الأحياء والأموات على حد سواء لأن الموت بك حياة، والحياة بعيدا عنك هي موت".
وفي الختام ذكر أبو كسم ببرنامج نشاطات اسبوع الكتاب المقدس الخامس:
- إفتتاح الاسبوع بقداس الاحد 19 تشرين الثاني، الساعة السابعة مساء في كنيسة دير مار الياس انطلياس.
- تقوم الرابطة الكتابية، خلال الاسبوع، بمحاضرات بيبلية في الرعايا الاتية: رعية رميش: السبت 25 تشرين الثاني الساعة 5:00؛ رعية زغرتا: الاربعاء 22 تشرين الثاني الساعة 6:0، رعية جبيل: الاربعاء 22 تشرين الثاني الساعة 7:30، رعية سن الفيل: السبت 25 تشرين الثاني الساعة 7:30، رعية جزين: السبت 25 تشرين الثاني الساعة 6:00، رعية المينا، رعية دير الاحمر.
- قداس مع العمل الرعوي الجامعي، الاربعاء 22 تشرين الثاني، الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر في الجامعة اليسوعية، كلية العلوم والتكنولوجيا - مار روكز الدكوانة. تشارك جمعية الكتاب المقدس بتوزيع "هكذا تكلم المسيح" و"هكذا عمل المسيح" على الحاضرين.
- لقاء عام للشبيبة في زحلة، الجمعة 24 تشرين الثاني الساعة السابعة مساء في مطرانية زحلة والبقاع للسريان الارثوذكس. يتضمن النشاط مسابقات وتوزع الجمعية "هكذا تكلم المسيح" و"هكذا عمل المسيح" على المشاركين.
- ختام الاسبوع برعاية البطريرك الراعي، لنشاط مخصص لطلاب اللاهوت في لبنان، السبت 2 كانون الاول، الساعة الرابعة بعد الظهر في جامعة الروح القدس الكسليك - قاعة البابا يوحنا بولس الثاني. حيث سيتم توزيع كل من الترجمة السبعينية للعهد القديم والعهد الجديد، باللغتين اليونانية والإنكليزية، على جميع طلاب اللاهوت في لبنان.