دينيّة
07 كانون الثاني 2015, 22:00

النبي السابق يوحنا المعمدان

(بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس) تقيم الكنيسة الأرثوذكسيّة في اليوم السابع من شهر كانون الثاني من كلّ عام تذكارًا حافلاً للنبي السابق المجيد يوحنا المعمدان على غرار العيد الجامع لوالدة الإله الذي احتفلنا به في اليوم التالي من عيد الميلاد المجيد. هكذا جرت العادة بالنسبة لبعض الأعياد السيّدية.ولد القدّيس يوحنا المعمدان من والدين تقيين وهما الكاهن زكريا وأليصابات. (راجع إنجيل لوقا الإصحاح الاوّل)للقدّيس يوحنا المعمدان مكانة كبيرة في الكنيسة إن من ناحية رسالته وإن من ناحية مكانته في الليتورجيا.

- أعياد القدّيس:
للقدّيس يوحنا المعمدان خمسة أعياد على مدار السنة وهي على الشكل التالي:
* تذكار مولده في 24 حزيران.
* تذكار قطع رأسه في 29 آب.
* تذكار الحبل به في 23 أيلول.
* تذكار العيد الجامع في 7 كانون الثاني.
* تذكار وجود أوّل وثاني لهامته في في 24 شباط.
* تذكار ثالث لوجود هامته في 25 آيار.

- القدّيس يوحنا المعمدان أعظم من نبيّ:
الرّب يسوع تكلّم عنه وعن لباسه ورسالته: " إبتدْا يسوع يقول للجموع عن يوحنا: «ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا؟ أقصبة تحرّكها الريح؟ لكن ماذا خرجتم لتنظروا؟ أانسانا لابسًا ثيابًا ناعمة؟ هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيوت الملوك. لكن ماذا خرجتم لتنظروا؟ أنبيًا؟ نعم اقول لكم وأضل من نبي. فإن هذا هو الذي كتب عنه: ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك. الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه. (متى 7:11-11)
يشرح القدّيس يوحنا الذهبي الفم عن عظمة النبي يوحنا فيقول:" تنبأ الأنبياء الآخرون عن يسوع أنّه قادم، أمّا يوحنا فأشار بإصبعه أنّه جاء حقًا، قائلاً: "هوذا حمل الله الذي يحمل خطيئة العالم" (يو 1: 29). لم يبلغ فقط مركز نبي، بل عمّده.
بهذا حقّق نبؤة ملاخي إذ تنبأ عن ملاك يسير امام الرّب. يوحنا انتمى إلى طغمة الملائكة، ليس حسب الطبيعة، بل بسبب أهمية رسالته. إنها تعني أنه الرسول الذي يعلن مجيء الرّب"

وهذا بالتالي ما تردّده الكنيسة في طروباريته:
تذكار الصدّيق بالمديح، امّا أنت أيها السابق فتكفيك شهادة الرّبّ، لأنك بالحقيقة قد ظهرت أشرف من كلّ الأنبياء، إذ قد إستأهلت أن تعمّد في المجاري من قد كرزوا هم به، لذلك إذ شهدت عن الحق مسروراً، بشّرت الذين في الجحيم بالإله الظاهر في الجسّد، الرافع خطايا العالم والمانح إيانا الرحمة العظمى.
الليتورجية تخبر عن القدّيس يوحنا:
- هو الوسيط بين العهدين القديم والجديد وخاتمة الأنبياء (صلاة السحر- الأودية السادسة).
- هو مقام من الشريعة والنعمة في آن، مختتماً الأولى ومفتتحاً الثانية (صلاة السحرالأودية التاسعة).
- هو خاتمة الناموس وباكورة النعمة الجديدة (صلاة السحر- الأودية السابعة).
- هو مساوِ للملائكة بسيرته الغريبة وقد أجاز حياته كمثل ملاك على الأرض وسكن القفر "منذ عهد الأقمطة" (صلاة السحرذكصا الإينوس).
- هو نموذج الزهد والبتولية وحياة التوبة واللاهوى.
- هو زعيم الرهبان وساكن القفار.
- هو لا يكفّ عن الإعداد لمجيء السيّد فينا.
- شهادة القدّيس يوحنا للمسيح هي في كلّ جيل ولكلّ جيل. "أعدّوا طريق الرب. أجعلوا سبله قويمة".

أسمائه وألقابه:
القدّيس يوحنا المعمدان له عدّة أسماء أو ألقاب مرتبطة برسالته:
1- ملاك الصحراء:
هذه التسمية أو اللقب هو نتيجة نبؤة أتت في سفر ملاخي في القرن الخامس قبل الميلاد تقريبًا.
كلمة ملاخي هي كلمة عبرية تعني "ملاكي" أو "رسولي". وهي تعني هنا ملاك الرّب المرسل من قبله والذي يُعلن خلاصه.
أتى هذا السفر في خضم مرحلة فساد كبيرة جدًا عند الشعب اليهودي، فقد طلّق رجال يهوذا زوجاتهم اليهوديات وتزوّجوا بوثنيات، وعاشوا في زنى وغش وظلم للبائسين، وأهملوا خدمة الهيكل ودفع العشور والتقدمة ودنّسوا السبت، وكانت مخافة الله شبه معدومة.
كان البعض يفسّر أقوال الأنبياء تفسيرًا زمنيًا أي يحدّها ويحصرها في فترة الحكم الملوكي الأرضي وبالتالي لم يدخلوا في مقاصد الله وتدبيره الخلاصي.
بالمقابل منطق القوّة والشر ساد بشدّة، فأمام المجاعات التي اجتاحت الشعب شكّوا في محبة الله لهم، وقالوا أنه لا فائدة تجنى من فعل الصلاح وطاعة الوصايا، فالشرير والمتكّل على ذاته هو الذي ينجح، لذلك يحدثهم السفر عن حقيقة خطاياهم وريائهم الذي أوصلهم إلى هذه الحالة المظلمة.
وأبرز دعوة النبيّ لهم هي التوبة وترك خطاياهم لتعود لهم البركات.
والجدير بالملاحظة أن النبي ملاخي ذهب أكثر من التوبة ليقول بمجيء المسيح الذي سيأتي بالخلاص وملء البركات. لذلك فلقد تنبأ ملاخي عن مجيء المسيح بصورة واضحة.
هذه النبؤة ينتهي بها الكتاب في العهد القديم لتلهب القلوب بإنتظار المسيح شمس البر، وبهذه النبؤة ينتهي زمن الأنبياء، فلن يأتي أنبياء بعد ملاخي، وأوّل من سيأتي هو القدّيس يوحنا المعمدان، الملاك الذي يهيئ الطريق أمام المسيح.
وهنا كان يجب أن يأتي دور الكتبة والفرّيسيين والكهنة الذين كان يجب أن يفسّروا النبؤات بروح العفة والطهارة.

الآية وتفسيرها:
نقرأ في الإصحاح الثالث من هذا السفر " هأنذا أرسل ملاكي فيهيء الطريق أمامي ويأتي بغتة إلى هيكله، السيّد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرّون به هوذا يأتي قال رّب الجّنود (ملاخي1:3) "
رأت الكنيسة في هذه الآية تحقيقًا لما قام به القدّيس يوحنا المعمدان.
وكلمة ملاك في هذه الآية مذكورة مرّتين:
* في المرّة الأولى تمثّل المرسَل أيّ الملاك الذي سيرسله الرّب ليعد طريقه، إذ أن المتكلّم هنا هو رّب الجنود أي الله نفسه.
* في المرّة الثانيّة تعني المسيح الذي هو ملاك العهد. والذي سيأتي قبله من يهيئ الطريق أمامه كملاك أيضاً. وهذا هو الارتباط بين اسم النبي وموضوع نبؤته.
فهذه الآية هي تهيئة لمجيء المسيَّا وجوابًا لأية تسبقها مباشرةً يظهر فيها استهزاء واستخفاف الأشرار بمجيء الرّب وخلاصه: "أين إله العدل؟" (17:2).

وتتوافق هذه الآية مع أمرين:
- الأمر الأوّل ما قاله الملاك جبرائيل عن الصبي يوحنا لزكريا الشيخ والده: "ويرد كثيرين من بني اسرائيل إلى الرّب إلههم. ويتقدّم أمامه بروح ايليا وقوّته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء والعصاة إلى فكر الأبرار لكيّ يهيئ للرب شعبا مستعدا" (لوقا16:1-17).
- الامر الثاني ما تنبّىء زكريا بنفسه بعد أن حل الله رباط لسانه فور ولادة يوحنا وتدوين اسمه على لوحٍ: " وأنت أيّها الصبي نبي العلي تدعى لأنّك تتقدّم أمام وجه الرّب لتعد طرقه" ( لوقا 76:1).
واضحٌ أنّ النبي يوحنا يسير ليعلن رسالة نبويّة إلهيّة مسيانيّة، إنّها رسالة استلمها من السماء لأهل السماء أي البشريّة التي فقدت بأغلبيتها هويتها الحقيقيّة.
لقد خُتم العهد القديم بهذا الوعد بانتظار صاحب الأسفار أن يفتتحها بنفسه ويحقّقها بتجسّده وما تبع هذا التجسّد من صلب وقيامة.
والمفارقة هنا هي التالي:" الخلاص ليس بالانتماء الجسدي العضوي لإبراهيم أب الآباء، بل بمجيء ذاك الذي ترجّى إبراهيم مجيئه أيّ الرّب يسوع المسيح، " وأمّا المواعيد فقيلت في ابراهيم وفي نسله لا يقول وفي الأنسال كأنّه عن كثيرين بل كأنّه عن واحد وفي نسلك الذي هو المسيح" ( غلاطية 16:3).
يؤكّد النبي ملاخي أن المسّيا الرّب يأتي بغتة إلى هيكله، الذي يطلبه الأتقياء، خائفوا الرّب، منذ أيام آدم وحواء. إنهم ينتظرونه بفرحٍ عظيمٍ".
- " كانوا "ينتظرون تعزية إسرائيل" (لو 1: 25)، وفداءً في إسرائيل (لو 1: 38)، إذًا هو "مُشتهى كلّ الأمم" (حجي 2: 7). يجد الكلّ فيه مسرّة قلوبهم.
- "يأتي بغتة ": وهنا معنى زمني واسكاتولوجي.
فعن ميلاده الزمني أكّد الكهنة أنّه يولد في بيت لحم أفراتة، لكنّه جاء بالنسبة لهم بغتة، إذ لم يتهيأوا لمجيئه بالرغم من معرفتهم العقلية بذلك.
وعن مجيئه الاسكاتولوجي أي المجيء الأخروي يسوع هو فاتح الأسقار والكتب وهو الديّان العادل.
- "إلى هيكله": والهيكل هنا هو أبعد بكثير من الهيكل الحجري بل هو الإنسان نفسه. العمي يبصرون