الميلاد نشيد محبّة إلهيّة من مغارة بيت لحم حتّى الصّليب والموت والقيامة
الله المحبّة هو أب لجميع البشر لذا نحن نقول: "أبانا الّذي في السّماوات" و"أبّا أيّها الآب" وهو علاقة حبّ مع الابن والرّوح القدس كما يظهر ذلك في صورة "المائدة" للمصوّر الروسيّ روبليس وكما جاء في الكتب المقدّسة وكما يعلّمنا لاهوت الكنيسة الواحدة الجامعة المقدّسة الكاثوليكيّة الأرثوذكسيّة الرّسوليّة.
الله وقد رأى الإنسان عاجزًا عن العودة إليه بعد طرده من الفردوس، فبفعل حبّ كبير ورحمة فائقة هو ذاته أخذ المبادرة وأتى إلى الإنسان هذا هو لاهوت الميلاد: "تجسّد لأجل خلاصنا".
ميلاد الابن الحبيب الّذي أخذ جسمنا وصار بشرًا مثلنا وسكن بيننا. التقت التّيولوجيا الإلهيّة بالأنتروبولوجيا الإنسانيّة. "بالمحبّة أعطانا الله ابنه الوحيد ليظهر لنا عمق تلك المحبّة ويكون هو نفسه العلاقة بيننا وبين الله". (اللّاهوت المسيحيّ والإنسان المعاصر والإنسان سليم بسترس منشورات المكتبة البولسيّة 1999، صفحة 70-71).
"من كانت عنده وصاياي وحفظها يقول يسوع فهو الّذي يحبّني، والّذي يحبّني يحبّه أبي وأنا أحبّه وأظهر له ذاتي"(يوحنّا 14/21).
يكشف الله لنا بالحبّ وبحبّ بعضنا بعضًا: "أنّ الله لم يشاهده أحد قط. لكن إن نحن أحببنا بعضنا بعضًا أقام الله فينا، وكانت محبّته كاملة فينا". (ا يوحنّا 4/12) هذا هو الميلاد بل هو قصّة الحبّ هذه، فليس هو فقط ثياب جديدة وزينة خارجيّة ومآدب ومشارب. "وإنّ الله محبّة فمن ثبت في المحبّة ثبت في الله وثبت الله فيه (ا يوحنّا 4/16)
لا ميلاد من دون محبّة...
لا قربان من دون محبّة ومصالحة. الذّبيحة لا تتمّ في القلب الّذي يكره ويحقد ويبغض ولا يصالح ويغفر أو يحبّ. ذبيحته كاذبة ويكرهها الله. هكذا قال لأشعيا: كرهت قرابينكم وذبائحكم لأنّه ليست فيكم محبّة الله. "وإذا جئت لتقدّم قربانك وتذكّرت أن لأخيك عليك ذلّة إذهب وصالح أخاك وعد وقدّم قربانك، لأنّ من يقول إنّه يحب الله الّذي لا يراه وهو يبغض أخاه الّذي يراه فهو كاذب".
أهمّيّة الميلاد أنّه يدخلنا وجوديًّا وإيمانيًّا وتاريخيًّا وعلائقيًّا في جوهر المحبّة والمغفرة والأخوّة والمصالحة والمسامحة والسّلام وفرح الحياة، لنستطيع أن نمجّد الله في حياتنا ونخرج من فريستنا وطقوسنا وثرثرتنا الصّلاتيّة الفارغة. وإلّا يصبح الميلاد احتفاليّة كرنفاليّة تافهة وفارغة باردة لا حقيقة فيها لميلاد يسوع وتجسّده بيننا.
البشريّة في كينونتها وقعر ذاتها توق إلى السّلام والعدالة والفرح والحياة والخلاص. والإنسان متروك لوحده في هذا العالم يضربه الخوف والهلع أمام قوى طبيعيّة غاشمة من قحط وزلازل وعواصف وأوبئة وأمراض وحيوانات مفترسة وذئاب جائعة وحيّات سامة. قوى معادية قاتلة وهو لوحده يعجز بقواه البشريّة وجسده المعطوب أن يجابهها أو يقاومها. فهو هارب أمامها لا سند له ولا ملجأ ولا معين وفي هذا الجوّ القاتم المظلم يتردّد صوت بالعامّ الأعمى سفر العدد (24/12/19)، "أراه وليس بقريب أسمعه وليس ببعيد" ويأتي يسوع رحمة وحبًّا" وفرحًا وصلابة. الله أتى في الميلاد في بيت لحم وأنشدت الملائكة: "المجد الله في العلى وعلى الأرض السّلام وفي النّاس الفرح". ورعاة بشّرهم الملاك: "وإذا بملاك الرّبّ قد وقف بهم ومجد الله أشرق حولهم، فخافوا خوفًا عظيمًا. فقال لهم الملاك لا تخافوا فها أنذا أبشّركم بفرح عظيم يكون لجميع الشّعب أنّه قد ولد لكم اليوم مخلّص. وهو المسيح الرّبّ في مدينة داود. وهذه علامة لكم أنّكم تجدون طفلاً مضّجعًا في مذود... فلمّا انطلق الملائكة إلى السّماء قال الرّعاة بعضهم لبعض لنمضي إلى بيت لحم وننظر هذا الأمر الواقع الّذي أعلمنا به الرّبّ وجاؤوا مسرعين فوجدوا مريم ويوسف والطّفل مضجعًا في المذود. فلمّا رأوه. أخرجوا بالكلام الّذي قيل لهم عن هذا الصّبيّ" (لوقا: 2/ 1/20).
حقًّا تأنّس الله يؤلّه الإنسان ومن المغارة المتواضعة انبثق فجر جديد وصارت صورة الله في وجه كلّ إنسان "والّذي كان في البدء، الّذي سمعناه، الّذي رأيناه بعيوننا الّذي تأمّلناه ممسكًا أيدينا من جهة كلمة الحياة لأنّ الحياة قد ظهرت ورأيناها كانت عند الآب فظهرت لنا"...(1 يوحنّا:1/2) هو ربّنا يسوع المسيح، ابن الله المتأنّس.
بالميلاد قال الله كلمته، كلمة الحبّ والخلاص وإنّه بعد هذه الكلمه أصبح غير قادر على الكلام، ولم يعد عنده ما يقوله هكذا يقول القدّيس يوحنّا الصّليب "في المسيح قال الله لنا كلّ شيء وقفة واحدة ولم يعد لديه ما يقوله... إنّ الله نوعًا ما صار أبكم ولم يعد لديه شيء يقوله لنا. لأنّ كلّ ما قاله سابقًا بتصريحات مجتزأة في الأنبياء، يقوله الآن بنوع كامل معطيًا إيّانا كلّ شيء" (تساعيّة عيد الميلاد المجيد الكسليك 2010 ص 25).
الميلاد مرتبط بالصّليب والموت والقيامة
يسوع المسيح خلّصنا بتجسّده هو الّذي جاء لمّا بلغ ملء الزّمن جاء مخلّصًا في شخصه وحياته وموته وقيامته فالميلاد مرتبط بالصّليب والموت والقيامة والخلاص لأن اسم يسوع يعني الله يخلّص لذلك بشّرنا الملاك "بفرح عظيم" (لوقا 2/10). هو الكلمة صار جسدًا وسكن بيننا وقد شاهدنا مجده، مجد وحيد من الآب ممتلئًا نعمة وحقًا... ونحن من امتلائه كلّنا أخذنا ونعمة فوق نعمة"(يوا: 14،16).
في الميلاد ظهر يسوع ابن الله في الجسد فتجدّدت طبيعتنا وتألّهت وعمّ الفرح والسّلام قلوب النّاس لأنّ يسوع ابن الله الوحيد تجسّد لأجل خلاصنا، وهذا هو الحبّ الكبير الّذي أحبّنا الله به في النّهاية لاهوت الميلاد وهو أنتربولوجية المعيّة. في النّهاية، لاهوتيًّا الميلاد هو تجسّد يسوع المسيح المخلّص في بيت لحم وإرواء عطش واشتياق البشريّة على اختلاف معتقداتها وانتظاراتها وبحثها عن الله من الطّبيعة وفصولها وأسرارها صعودًا إلى ما فوق الطّبيعة، إلى السّماء وغيبيّاتها وغموض تجلّيات إلوهيّتها وساكنيها بانتظار طويل ورجاء ودعاء. أقطري أيّتها السّماوات من فوق ولتمطر الغيوم الصّديق، يا ربّ ليتك تشقّ السّماوات وتنزل واسمعنا يا ربّ نردّد: من عمق أعماق الظّلام ندعوك يا ربّ السّلام، وجلست عذراء لدى الكوخ الصّغير يبشّرها ملاكه يا بن مخلّص العالم وهي تبقى عذراء وتحمل طفلاً وتصير بتولاً.
الميلاد سرّ لقاء الله للإنسان الميلاد سرّ بداية الحبّ والصّليب والموت والقيامة والخلاص سرّ محبّة تتجسّد بالعطاء والذّهاب إلى مساكين الدّنيا والتّعساء والفقراء إخوة يسوع وليس فقط الاكتفاء بلبس الثّياب الفاخرة وإقامة المآدب العامرة والزّينة الخارجيّة في البيوت والشّوارع وإلّا أصبح الميلاد مظاهر فارغة وطقوسيّة زمنيّة تافهة من الحضور الحقيقيّ للحبّ الإلهيّ والعطاء هو التّجسّد الأنتربولوجيّ الواقعيّ الإنسانيّ والمصالحة والمغفرة والمسامحة والخروج من الكره والبغض والحقد والحسد. والغيرة إلى رحابة سماح المحبّة فندخل حقًّا لاهوت أو تيولوجيا اللّقاء بإله التّجسّد الـ"عمّانوئيل"، إلهنا معنا ونرتّل ولد المسيح هلّلويا.
ملاحظة: لا تقولوا أو تكتبوا season greeting بل اهتفوا ولد المسيح هلّلويا!