لبنان
08 شباط 2018, 14:40

المطران مطر يحتفل بعيد مار مارون في جامعة الحكمة- جديدة المتن

ترأّس رئيس أساقفة بيروت للموارنة ولي الحكمة المطران بولس مطر القدّاس الإلهيّ في عيد مارون، في مدرسة الحكمة- جديدة المتن، بدعوة من رئيسها الخوري أنطونيو واكيم وبمشاركة أسرتها التّربويّة والإداريّة والكشفيّة والرّياضيّة وقدامى المدرسة وأصدقائها من الوجوه السّياسيّة والاجتماعيّة. وقد عاونه في القدّاس الآباء أنطونيو واكيم والياس عازار وجورج عقيقي ورودريك شرتوني، وفق ما ذكرت "الوكالة الوطنيّة للإعلام".

وللمناسبة، كانت عظة للمطران مطر تحدّث فيها عن القدّيس مارون وعلاقة لبنان والكنيسة والحكمة به، فقال: "في عيد مار مارون النّاسك نهنّئكم بهذه المناسبة العزيزة على الحكمة الّتي تحمل اسم أب الموارنة شفيعًا لها. مدرسة الحكمة تحيا فرحًا كبيرًا وتجتمع العائلة وتصلّي على نيّة كلّ فرد من أفرادها، على نيّة تلامذتها لكي يكبروا بالقامة والنّعمة والحكمة أمام الله والنّاس، وعلى نيّة المعلّمات والمعلّمين والأهل. على نيّة الكنيسة المارونيّة وكلّ كنائس يسوع المسيح، على نيّة لبنان وطننا العزيز بكلّ أطيافه ليكون واحة سلام ومحبّة كما أحبّه القدّيس مارون.
سمعتم الإنجيل المقدّس يحدّثنا فيه المسيح الرّبّ عن حبّة الحنطة حبّة القمح. ويقول عنها إن لم تمت تبقى مفردة وإن ماتت أتت بثمر كثير. يسوع من وراء حبّة القمح كان يقصد أوّلاً ذاته هو الّذي سيموت من أجل البشريّة كلّها ويكون لها سبب خلاص. حبّة الحنطة يسوع المسيح ماتت في الأرض وماتت لحياة البشر. لذلك يفتح أبصارهم لأنّهم سيكونون مثل يسوع حبّات حنطة. ونحن نقرأ هذا الإنجيل في عيد القدّيس مارون لأنّنا نقرأ في حياته أنّه هو أيضًا كان حبّة حنطة. تنسّك في جبال قورش ومات برائحة القداسة وأعطاه الله أن يقوم بالأعاجيب في حياته وأن يشفي النّاس وحبّة الحنطة مار مارون صار كنيسة عظيمة. وفي إنجيل ربّنا دعوة لنا جميعًا أن نكون على غرار الرّبّ يسوع ومار مارون حبات حنطة تعرف أن تضحّي لتلاقيه.
وطننا العزيز لبنان، إذا ضحّينا من أجله أنقذناه ووجدناه. نضحّي بذواتنا ومصالحنا في سبيل الوطن وليس العكس أيّ أن نضحي بوطننا في سبيل ذواتنا ومصالحنا. هذه الأمثولة نأخذها اليوم في عيد مار مارون. نضحّي وننال. نموت ونحيى ونأخذ أيضًا من حياة القدّيس مارون أمثولة النّسك. مار مارون تنسّك وكان يمثّل النّسك السّوريّ بالمعنى الجغرافيّ للكلمة. هذا النّوع من النّسك الّذي عاشه مار مارون نسمّيه اليوم في تاريخ حياتنا الرّوحيّة النّسك الرّسوليّ. ترك العالم ولجأ إلى صلاة الله. إنقطع للصّلاة ولكنّه لم ينقطع عن النّاس. تقرّب من الله فصار قريبًا من جميع النّاس. الأمثولة هي هنا. بمقدار ما نتقرّب نحن من الله نصبح قريبين من النّاس ونحبّهم أكثر. بمقدار ما نحبّ الله نحبّ الآخر. هذه أمثولة أبينا القدّيس مارون لنا جميعًا. بمقدار ما نحن نذكر الرّبّ ونحيا في سبيله نحب الآخرين الّذين هم على صورتنا مثالنا أبناء لله على صورته ومثاله مخلوقون.
لذلك أيّها الأحبّاء، كنيستنا متأثّرة بحياة مار مارون النّاسك ومحبّته للنّاس طبعت في هذه الرّوحانيّة منذ كانت حتّى اليوم. هي محبّة للصّلاة ولذكر الرّبّ أينما كانوا. الموارنة يحبّون الصّلاة. في أستراليا على سبيل المثال وفي كنيسة السّيّدة العذراء في سيدني الّتي تتّسع لألفي مؤمن ومعظمهم من شمال لبنان من منطقة وادي قاديشا والجوار. أخذ كلّ منهم صورة قدّيس بلدته ووضعت صورته في هذه الكنيسة. أيّ خلقوا لبنان جديد هناك ووادي قاديشا جديد. هذا هو تمسّكنا بتراث الآباء والأجداد. هذا التّمسّك يجعلنا قريبين من النّاس أكثر. لذلك كنيستنا وشعبنا في لبنان. طبعًا شعبنا عاش الصّعوبات، لجأ إلى الجبال للمحافظة على إيمانه وعلى حرّيّته، ولكن كان همّه أن يكون مرتبطًا مع الآخرين مستعدًّا للشّراكة معهم من دون حدود. وشعبنا موجود في كلّ لبنان شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا لأنّه أراد أن يرتبط بجميع اللّبنانيّين بقلب أبيض ويد بيضاء ممدودة للتّعاون مع الجميع. هذا هو تراثنا صلابة في الإيمان ومحبّة للرّبّ وانفتاح على الآخرين على أساس أن نكون إخوة متضامنين. فنأخذ هذه الأمثولات الّتي تسير حياتنا ونعرف كيف نسير في مستقبلنا.
نحن للشّراكة مطبوعون. نحن نتشارك في البنوّة الإلهيّة مع الرّبّ يسوع المسيح بعمادنا ونتشارك بالأخوّة مع جميع النّاس بالمواطنيّة مع المواطنين جميعًا. هذا ما نأخذه من عيد أبينا القدّيس مارون، تثبيتا لروحانيّتنا ولخياراتنا المعروفة منذ بداية المارونيّة وحتّى اليوم وحتّى آخر الدّهر.
صرنا مختبرًا للعيش الواحد المشترك بالمساواة والكرامة للجميع، نرفعه اختبارًا عظيمًا للشّرق وللغرب، كما قال البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني. أنتم في الشّرق إذا أردتم سلامًا انظروا إلى لبنان واتّخذوه مثالاً لكم في العيش الواحد. أنتم في الغرب تريدون أمنًا انظروا إلى لبنان كيف يعيش. هذا ما قاله البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني.
أيّها الأحبّاء، عيد مبارك ويبقى لبنان نورًا وملحًا وخميرة للشّرق بأسره وعلينا، ألّا نضيّع أنفسنا بعدد من الأمور بينما المطلوب منّا أن نكون رسالة للعالم كلّه رسالة نور ومحبّة وعلم. نسأل الله بشفاعة مار مارون أن يهدينا سواء السّبيل إلى ما فيه خيرنا ليربّى فيه أولادنا الّذين عليهم أن يربّوا أولادهم ليبقى لبنان هذا البلد الشّامخ بمحبّته للرّبّ ومحبّة النّاس بعضهم لبعض كما كان القدّيس مارون وقدّيسو لبنان وجميع القدّيسين".