الأردنّ
30 أيلول 2018, 09:30

المطران مطر: مجتمعنا بحاجة إلى دولة، إلى حكومة تأخذ القرارات

إحتفل رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر بالقدّاس الإلهيّ في دير راهبات العائلة المقدّسة المارونيات في الاشرفية، لمناسبة إعادة تجديده وإطلاق العمل فيه، بحضور فعاليّات دينيّة، سياسيّة واجتماعيّة وحشد من الرّاهبات والمؤمنين.

 

وبحسب الوكالة الوطنيّة للإعلام، بعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران مطر عظّة جاء فيها: "إخوتي وأخواتي الأحباء جميعًا بالرّبّ يسوع المسيح. ها إني أصنع كلّ شيء جديد يقول الرّبّ، في ما تلي علينا، والإنجيل المقدّس يحدّثنا في عرس قانا الجليل عن الخمر الجيد الّذي أتى بعد الخمر الأقل جودة وكان يرمز بذلك إلى المسيح، هو خمرة الدّنيا وسبب فرحها وخلاصها، منه نأخذ كلّ فرح وكلّ نعمة، هو الّذي دعي آدم الجديد وهو الّذي أقام بين الله والنّاس في الكنيسة العهد الجديد والّذي وعد بأنّ نجدّد كلّ شيء ما في السّماء وممّا على الأرض. نحن دعاة الإنسانيّة الجديدة المتفلة من شرورها وخطاياها وانقساماتها والذّاهبة إلى الوحدة والسّلام والمحبّة، هذه رسالتنا وتبقى إلى آخر الدّهر. أما الجديد الّذي يجب أن نتحدّث معكم فيه اليوم، فهو الذي أتى على يدّ مؤسس الرّهبانيّة والّذي كان وراء قيام الدّولة اللّبنانيّة العام 1920 المثلّث الرّحمات البطريرك الياس الحويك، بفضله واللّبنانيّين معه وحوله وبعد سقوط الرّجل المريض العثمانيّ، كان قيام الدّولة اللّبنانيّة التي نحلم اليوم برعايتها، وبعد سنتين سنعيد مئة عام على قيام هذه الدّولة وسوف نكون مسؤولين عمّا قمنا به خلال مئة عام، فهذه حوافذ جديدة لنا بأنّ نكون خلقين بالأجيال التي سبقتنا والتي أسّست لهذه الدّولة العزيزة التي هي محط فخرنا وخلاص شعبنا، الشّعب اللّبنانيّ سبق دولته بمئات السّنين، بنى بيته حجرًا حجرًا، صنع الوحدة بين طوائفه بالرّوح والمحبّة، أتفقوا جميعًا مع البطريرك لتكون لغّتهم واحدة، وكان الحويك يقول في لبنان لي طائفة واحدة اسمها لبنان. وكان في الحقيقة محبًّا لجميع اللّبنانيّين مسلميّن ومسيحيّين على السّواء، وكان بذلك مثلاً صارخًا حول قيام لبنان الواحد والمتّنوع في آن معًا. هذا الرّجل الكبير اهتمّ بشعبه إبان الحرب الكونيّة الأولى، رهن صليبه وكلّ أراضيّ بكركي ليخلص الشّعب من الجوع وقد قضى ثلثنًا موتًا وهاجر ثلث وأكملنا بالثّلث الأخير ولبنان اليوم مدين لكلّ هؤلاء الشّهداء.

بعد الحرب وقيام الدّولة اللّبنانيّة برز البطريرك رجل بناء ورجل سلام، صنع لكنيسته قرارات هامّة إذ ربطها بالعالم الخارجيّ بصداقات متينة فأنشأ مركزًا في اسطنبول ومركزًا في باريس ومركزًا في القدس وهنا في لبنان كان له دورًا كبيرًا في بناء المدارس والاهتمام بالرّجل والمرأة اللّبنانيّة بصورة خاصّة. فأسّس الجمعيّة التي نحن في بيتها اليوم فرحين، وزرع الرّاهبات بناته في كلّ لبنان من عكّار إلى الجنوب إلى بيروت هنا، وكان دأبه أنّ تتعلّم المرأة اللّبنانيّة وأنّ تكون قادرة مع الرّجل على صنع لبنان الحديث، لبنان الجديد. فننحني أمام هذا الرّجل الكبير الّذي كانت له هذه الأفكار الواسعة وهذا الرّأي السّديد في بناء لبنان المجتمع، ولبنان السّياسة، ولبنان الوطن لجميع بنيه. وفي بيروت كان هناك أسقف وصل إليها في العام 1919 بعد الحرب هو المثلّث الرّحمة المطران أغناطيوس مبارك سلفنا الصالح، وكتب رسالة إلى أهل أبرشيّته قائلاً الموت حصد منا العديدين، كنائسنا هدّمت، مدارسنا أقفلت حتّى مدرسة الحكمة لسنتين، أصحبت ثكنة عثمانيّة فعلينا أنّ ننهض ببلادنا من جديد، وأنّ نجدّد صورة الوطن، فالتقى مع البطريرك على عمل تجديديّ في المجتمع أوّلًا ثمّ في الوطن وفي السّياسة، وأنتم تعرفون عندما اعتقل رجال الاستقلال في راشيّا، جمع النّواب في بيته في الحكمة ورفضوا عمل المنتدب حتّى ولو كان هذا المنتدب فرنسا لأنّ لبنان يأتي أوّلاً وقبل كلّ شيء فكان ما كان وصدر قرار الاستقلال بقوّة اللّبنانييّن، وها نحن اليوم نفيد من البطريرك والمطران معًا حتّى نكمل مسيرة الوطن. فيا أيها الإخوة الأحبّاء، نطلب منكم من أجل لبنان أنّ يكون عملنا على مستويات عدّة، طبعًا على مستوى السّياسة نصلّي من كلّ قلبنا من اجل أنّ نتفاهم ونتوّحد حول فخامة رئيس الجمهورية وأنّ نتفق على الحكم في لبنان، على أن تسير سكّة الحكم مسيرتها الطّبيعيّة، لا يمكن أن ننقذ بلدنا بالتّفرقة، لن يخلص لبنان إلّا بوحدة اللّبنانييّن من أجل هذا الوطن العزيز الغالي. 

نعم أيّها الأحبّاء، مجتمعنا بحاجة إلى دولة، إلى حكومة تأخذ القرارات، المدارس تنتظر والصّناعيّون ينتظرون، إلى متى يكون هذا الانتظار؟ المدرسة الخاصّة في لبنان أسهمت في صنع لبنان وهي مسؤولة عن ثلثيّ تلامذة لبنان فهل نتركها تتخبّط في مآسيها؟ أم نساعدها في الظّروف العصيبة التي نمرّ بها، نطالب جميع النّواب المئة والثّمانية والعشرين بأنّ يساندوا المدرسة الخاصّة من أجل لبنان لتستمر بعملها لأنّها هي مسؤولة عن الكثير الكثير لاستمرار الثّقافة في لبنان. وعلى مستوى الاقتصاد أيّها الأحبّاء، النّاس بحاجة إلى العمل إلى الانتاج، النّاس بحاجة إلى الاستثمار، متى تسير العجلة؟ في هذا القدّاس نصلّي حتّى نصل إلى مبتغانا، حتّى تسهل الأمور كلّها وحتى يتجدّد فينا ما يجب أنّ يتجدّد. هذا البيت على سبيل المثال كان مدرسة أعطت الكثير الكثير لسيدات المجتمع اللّبنانيّ من مثقفات ومسؤولات، كان لها أيام جميلة في تاريخ المدينة، قرّرت الرّهبانيّة أنّ تنقلها إلى عمل اجتماعيّ آخر ضمن الحركة التّصحيحيّة في الرّهبنة، أنّ تكون الرّاهبات في خدمة البنات في لبنان، في مجتمع متجدّد، أنّ تفتح البيت لاستقبال طالبات جامعيّات".

وختم مطر: "نهنئ الرّهبانيّة العزيزة على قرارها، على هذا التّجديد على ما تتحمّل من صعوبات في كلّ مدارسها في كلّ لبنان في إيمان وطيد أنّ غدًا سيعطينا الله نعمة لنحلّ قضايانا. نشكر الله هذا المساء على هذا الدّير المتجدّد، على هذه الخمرة الجديدة في بيروت من أجل حضور مسيحيّ خادم للمستقبل على مستوى المرأة في لبنان وفي العاصمة. هكذا نفهم عمل المسيح الذي أبقى الخمرة الجيدة إلى الآن، حبّ المسيح يرفعها إلى أعلى، يرفع كلّ النّاس وكلّ العالم وكلّ الشّعوب لأنّ المسيح ليس ملكًا لنا، المسيح لكلّ العالم وهو يلهم المحبّة والسّلام والعطاء فلا نكن نحن مع المسيح إلّا خدّامًا صالحين لمجتمعنا وللعالم بأسره. من جديد نشكر الله على هذا العمل الجميل ولتكن حياتنا مجددة بالمحبّة والعطاء والنّعمة ولكم منّا صلاة في هذا القدّاس، حتّى تكون كلّ هذه الأمور بحسب رغبات كلّ منكم وبحسب رغبة لبنان بالسّلام والتّجدّد باسم الآبّ والابن والرّوح القدس الإله الواحد آمين".