المطران كريكور أوغسطينوس في رسالة الصوم الأربعيني: "ان المصالحة تتطلب فعل توبة، ولا رحمة دون صلاة وغفران.
وأضاف، ان سنة الرّحمة ليست سنة للمحاسبة وتصفية الحسابات، بل هى سنة رحمةٍ وعطفٍ وتحرير. إنها فرصةٌ لإعادة قراءة حياتنا الخاصة، حيث الديون القديمة، والغضب والحقد والحسد والكراهية والنميمة وغيرها ليتم حذفها والتخلّص منها. إنها عمليةٌ روحيةٌ كما يعلّمنا القدّيس بولس في رسالته الثانية إلى أهل قورِنتس: "فإذا كان أحدٌ في المسيح، فإنه خلقٌ جديد. قد زالت الأشياء القديمة وها قد جاءت أشياء جديدة. وهذا كله من الله الذي صالحنا بالمسيح وأعطانا خدمة المصالحة، ذلك بأن الله كان في المسيح مصالحاً للعالم وغير محاسبٍ لهم على زلاّتهم، ومستودِعاً إيّانا كلمة المصالحة. فنحن سفراءُ في سبيلِ المسيح، وكأن الله يعظ بألسنتنا.
وتابع، خلال سنة الرّحمة، وخاصةً خلال زمن الصوم يجب علينا هدم الجدران التي تُعيقُنا عن التحرُّك والاتجاه تجاه الله والآخرين، كما ان الأبواب المقدّسة التي فتحناها في كنائسنا وأبرشياتنا، ترمز إلى كل الأبواب التي يجب علينا فتحها خلال هذه السنة اليوبيليّة الاستثنائية للرّحمة: أولاً أبواب قلوبنا، وأيضاً بيوتنا ومؤسساتنا، موضحا، ان الأبواب صنعت لتسمح لنا ولأصحابنا الدخول إلى بيوتنا لزيارة بعضنا. أما أبواب الرّحمة فترمز للدخول إلى: "عرش النِعمة".
وعن المصالحة أردف "إن المصالحة تتطلّب فعل توبة حقيقي نابع من قلوبنا. والتوبة تعني أن نغيّر مجرى حياتنا واتجاه طريقنا، عندما نسير في الطريق الخاطئ، وأن نُظهر هذا التغيير من خلال أعمالٍ تعويضية عميقة لارتدادٍ جديدٍ نحو الله. تتطلّب هذه العملية تضحيات شخصية مرتبطة بالصلاة والتواضع وأعمال تجديد وإصلاح جديّة. وبذلك فقط فإن رحمة الله السخية يمكنها أن تتجلّى فينا بكامل قوّتها وجمالها، داعيا الى التأمل في نصّ أساسي من الكتاب المقدّس، لكي يساعدنا على فهم أفضل لسنة الرّحمة والتي نختبر خلالها كلمات المزمور: "الرّحمة والحقُّ تلاقيا، البرُّ والسلام تعانقا".
كما تحدث المطران كريكور في رسالته عن عالم الشريعة قائلا: "سأل أحد علماء الشريعة الرّب يسوع: "يا معلم، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟". كمعلم صالح، يجيب الرّب يسوع بسؤالٍ مضادّ: "ماذا كُتِب في الشريعة؟ كيف تقرأ؟". بذلك يدعو يسوع عالِم الشريعة ليجد حلاً في الكتاب المقدّس حيث الجواب واضح وبسيط: "أحبب الرّب إلهُك، بكل قلبك وكل نفسك، وكل قوّتك، وكل ذهنِك، واحبب قريبك حبك لنفسك"، كما ان عالِم الشريعة أراد أن يزكّي نفسه ويحصل على إجابة أكثر دقة، مشيرا الى أنه في تاريخ حياة القدّيسين الذين ساروا في نهج المسيح، وأصبحوا قريبين من المجروحين كالقديس فرنسيس الأسيزي، الذي تغلّب على اشمئزازه من البرص واقترب منهم وقبّلهم واعتنى بهم. أو الطوباوية الأُم تريزا دي كالكوتا، التي لم تنتظر المرضى يقرعون باب ديرها، بل هي خرجت إلى الشوارع لتبحث عنهم وتخدمهم وبذلك أصبحت قريبة مُحِبّة للأشخاص الذين هم على فراش الألم والموت.
وختم" كلنا مدعوّونَ لنفتح أعيُننا وقلوبنا، وأن نصبح قريبين لمن هم بحاجةٍ لنا. أُذكّركم ما قاله البابا فرنسيس، يوم 13 يوليو / تموز 2013، عندما ذهب إلى لمبيدوسا الجزيرة الإيطالية القريبة من أفريقيا، كي يصبح قريباً من اللاجئين، قال: "اليوم، لا أحد في هذا العالم يشعر أنه مسؤولٌ، لقد فقدنا الإحساس بالمسؤوليةِ تجاه إخوتنا وأخواتنا. لقد وقعنا في نفاق الكاهن واللاويّ، الذين وصفهما يسوع في مثل السامري الصالح: نرى إخوتنا نصف أمواتٍ على قارعة الطريق، ولعلّنا نقول لأنفسنا: "مسكين...!"، ثم نذهب في طريقنا إنها ليست مسؤوليتنا، وبذلك نشعر بالطمأنينة والخفّة. إن ثقافة الرفاهية، التي تجعلنا نفكّر فقط بذواتنا، تجعلنا غير مكترثين لصرخات الناس الآخرين، تجعلنا نعيش في فقاعة صابون، التي، بالرغم من أنها جميلة، إلاّ أنها واهية، إنها وهمٌ فارغٌ وعابرٌ، ينتج عنه عدم إكتراثٍ للآخرين. في الواقع، هذا يقود إلى عولمة اللامبالاة. في عالم العولمة هذا، سقطنا فريسة اللامبالاة العالمية. لقد تعوّدنا على معاناة الآخرين، إذا كانت لا تهمّني، فهي لا تعنيني، هي ليست من شأني!"، كما ان يسوع يريدنا أن نكون متأثّرين ومعنيين. يريد منّا أن نجعل احتياجات وآلام الآخرين همّنا الأساسي! هناك العديد من السامريين بيننا: رجالٌ ونساءٌ يعتنون بالمرضى، يزورون السجناء، يساعدونَ اللاجئين في المخيمات والنساء اللواتي تعرضنَ للإساءةِ، أو المستعبدين. لا ينبغي علينا أن نذهب بعيداً، يجب علينا أن نكون قريبين أكثر من بعضنا. قد يكون أولادنا بحاجةٍ للرعاية والحبِّ أولى من غيرهم، وزملائنا في العمل قد يكونون سعداء إذا أصبحنا أقرباء حقيقيين ".