المطران فرحا: لنتمسّك معًا بالرّجاء الحيّ لننهض ونسامح ونبني من جديد
وقد عاونه النّائب الأسقفيّ على أبرشيّة بعلبك الأب يوسف شاهين والأبوان شادي نقوز وساسين غريغوار، وخدمت القدّاس جوقة سيّدة البشارة، بحضور مطران الأرمن الكاثوليك في الشّام جورج أسادوريان، الوزير السّابق جورج كلّاس، عائلة المطران فرحا، الشّاعر نزار فرنسيس، وحشد من أبناء بعلبك.
وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران فرحا عظة قال فيها بحسب الوكالة الوطنيّة للإعلام: "سمعنا في إنجيل اليوم يسوع يقول للشّابّ الّذي سأله ماذا أعمل من الصّلاح لتكون لي الحياة الأبديّة أجابه يسوع إذا أردت أن تكون كاملًا فاذهب وبع أموالك واعطها للفقراء فيكون لك كنز في السّماء وتعالى فاتبعني. لقد تلقّينا جميعًا الكثير ممّا أعطانا إيّاه الرّبّ بقي أن نترك الأشياء الصّغيرة ونجدّ في الخيرات الكبيرة، يعيد الرّبّ يسوع لنا أضعاف ما نفعله من أجله، إن شئت أن تكون كاملًا عليك أن تترك الأشياء الكبيرة دائمًا. إذا هذا الأمر ليس مفروضًا علينا جميعًا بما أنّ التّضحية طوعيّة فإنّ الاستحقاق يصبح أعظم ولكن بلوغ الكمال لا يكفي احتقار الغنى وترك المجد الباطل والأماكن الأولى ولكن علينا أيضًا إعطاء خيراتنا والتّحرّر من كلّ ما نستطيع خسارته واكتسابه في وقت معيّن.
هذا أمر فعله كثيرون من غير المسيحيّين وبقي على المسيحيّ أن يفعل أكثر منهم، يجب اتّباع المسيح لأنّه هو الحكمة والكنز الأبديّ، لذلك في أعقاب سيامتي الأسقفيّة أقف أمامكم بروح مملوءة بالرّهبة والامتنان والتّواضع بعد أن دعاني الرّبّ إلى هذه الخدمة رغم ضعفي وملأ قلبي بالنّعمة لأتبعه في طريق التّضحية. لقد سمعت صوته يقول لي كما قال لتلاميذه "تعالَ واتبعني"، فتركت كلّ ما كنت عليه وسلّمته ذاتي كما هو بضعفه ورجائه لأكون تلميذًا له خادمًا لكلمته وراعيًا له.
السّيامة الأسقفيّة ليست مجدًا شخصيًّا بل هي دعوة للتّخلّي عن الذّات، عن الرّاحة، عن الرّأي الخاصّ، عن كلّ ما يمكن أن يشكّل عائقًا أمام حمل الصّليب والسّير وراء المعلّم. أردّد مع بولس الرّسول "لكنّي أحسب كلّ شيء خسارة من أجل معرفة يسوع المسيح ربّي الّذي من أجله خسرت كلّ الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح".
لقد درجت العادة في الكنيسة أنّ بعد السّيامة الأسقفيّة على الأسقف الجديد أن يقيم قدّاس شكر وهذا ما نفعله الآن لجميع الّذين شاركوا وتعبوا إن في الانتخاب أو السّيامة أو في الحضور لذلك أتوجّه أوّلًا بالشّكر إلى البطريرك يوسف العبسيّ الّذي شرّفني بوضع يده المباركة عليّ وسيامتي أسقفًا، كما أشكر أمامكم أساقفة السّينودس المقدّس للرّوم الملكيّين الكاثوليك الّذين وضعوا أيديهم عليّ في هذا السّرّ العظيم، سرّ الكهنوت الأسقفيّ، شكرًا لثقتكم وإرشاداتكم وصلواتكم معبّرين بذلك عن وحدة الكنيسة الجامعة وسيرها على درب الإنجيل متذكّرًا كلمة بولس الرّسول إلى تلميذه تيموتاوس "لا تهمل الموهبة الّتي فيك معطاة لك بالنّبوءة مع وضع أيدي المشيخة"، كما أرفع شكري إلى إخوتي الكهنة والشّمامسة الّذين يشتركون معي في الخدمة لاحقًا، في خدمة الكلمة والأسرار وهم العمود الّذي ترتكز عليه الأبرشيّة وكلّ رعيّة من الرّعايا الّتي ائتمنّا عليها وعلمكم الصّامت والمحبّ هو شهادة حيّة للمسيح في العالم. ولا يسعني إلّا أن أقدّم شكري وامتناني العميق لشعب الله المبارك، أنتم الّذين تشاركونني هذه الذّبيحة في هذا اليوم المقدّس بفرح عظيم وأخصّ بالشّكر الحاضرين من أهل أبرشيّة بعلبك وتوابعها، هذه الأبرشيّة الّتي مرّت في زمن من الانتظار بعد خلو الكرسيّ الأسقفيّ، أعلم ما يعانيه غياب الرّاعي وأشعر بثقل هذه المسؤوليّة أمام الله وأمامكم أعدكم أن أكون خادم هذه الأبرشيّة كما قال الرّبّ يسوع "أنا هو الرّاعي الصّالح والرّاعي الصّالح يبذل نفسه عن الخراف". الشّكر للعائلة والأخوة الأحبّاء وعائلاتهم الّذين يرافقونني خصوصًا في صلاتهم منذ سنوات وبخاصّة في الأشهر الأخيرة بعد إعلان انتخابي أسقفًا.
نحن نعيش سنة الرّجاء في كنيستنا لذلك أجدّد معكم الثّقة بأنّ الله لا يتركنا بل يسير معنا مهما اشتدّت الصّعوبات. دعوتي اليوم كأسقف جديد أن أكون خادمًا للرّجاء ليس بالكلام فحسب بل بالعمل والصّلاة والمرافقة، فالرّجاء ليس حلمًا بل هو يقين في وعد الله لنكون مواظبين على الصّلاة. دعونا نتمسّك معًا بهذا الرّجاء الحيّ الّذي يعطينا القوّة لننهض ونسامح ونبني من جديد ونعبر من الحزن إلى الرّجاء ومن الانتظار إلى ثمار الإيمان، لنواصل المسيرة معًا يدًا بيد لنكون كنيسة حيّة شاهدة للمسيح في هذا الزّمن العصيب وأطلب منكم أن تذكروني دائمًا في صلواتكم لكي أكون أمينًا للنّعمة الّتي أعطيت لي فأخدمكم بحسب مشيئة الله كما يوصينا الكتاب المقدّس "ارعوا رعيّة الله الّتي بينكم نظارًا، لا عن اضطرار بل بالاختيار، ولا لربح قبيح بل بنشاط، ولا كمن يسود على الأنصبة، بل صائرين أمثلة للرّعيّة"، لنثبت معًا في الإيمان ولنكمل المسيرة بفرح حاملين صليبنا كلّ يوم متّبعين معلّمنا الصّالح لأنّه وعدنا "ها أنا معكم كلّ الأيّام إلى انقضاء الدّهر"."