لبنان
10 شباط 2022, 06:55

المطران عون احتفل بعيد مار مارون والذّكرى السّنويّة العاشرة لتوليته مقاليد الأبرشيّة

تيلي لوميار/ نورسات
في عيد شفيع الموارنة القدّيس مارون، احتفل راعي أبرشيّة جبيل المارونيّة المطران ميشال عون بالعيد وبالذّكرى السّنويّة العاشرة لتوليته مقاليد الأبرشيّة، في قدّاس احتفاليّ ترأّسه في كاتدرائيّة مار بطرس- جبيل، عاونه فيه النّائب الأبرشيّ العامّ المونسنيور شربل أنطون، المونسنيور رزق الله أبي نصر، القيّم الأبرشيّ الخوري شربل أبو العزّ، وأمين سرّ الأبرشيّة الخوري جوزف زيادة، وقد شاركهم كهنة الأبرشيّة بحضور رؤساء الأديار والرّهبان والرّاهبات وفعاليّات سياسيّة وبلديّة واختياريّة وعسكريّة واجتماعيّة وشعبيّة.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران عون عظة قال فيها: "للسّنة العاشرة على التّوالي أحتفل معكم بنعمة الله بعيد الأبرشيّة في عيد أبينا القدّيس مارون وبذكرى التّولية على الأبرشيّة محاطًا بإخوتي الكهنة والرّهبان والرّاهبات وبحضوركم أيّها الأحبّاء أبناء وبنات الأبرشيّة مع أعضاء اللّجان والمؤسّسات والمنظّمات والأخويّات، الّذين يعاونوننا في المجال الرّاعويّ والإداريّ والاجتماعيّ والرّسوليّ، إنّها مناسبة لأرفع معكم الشّكر إلى الرّبّ الّذي اختارني منذ عشر سنوات من دون استحقاق لأكون راعيًا لهذه الأبرشيّة الحبيبة، ولأجدّد العهد أمامكم بمتابعة المسيرة بأمانة والتزام، حاملاً صليب الرّعاية وراء معلّمي يسوع متّكلاً على صلواتكم من أجلي ومعتمدًا على دعمكم ومؤازرتكم لي لنتابع العمل معًا، إكليروسًا وعلمانيّين، بروح الإصغاء والتّمييز، وبالرّوح المجمعيّة الّتي أطلقها قداسة البابا فرنسيس، أيّ ككنيسة سينودسيّة تقوم بمسيرتها معًا مع كلّ أبنائها وبناتها بروح الشّركة والمشاركة والرّسالة.

التّحدّيات في أيّامنا كثيرة وصعبة، ولكنّنا نواجهها معًا بإيماننا بالمسيح الّذي غلب الموت بقيامته، والّذي قال لنا ستعانون في العالم ضيقًا، ولكن ثقوا فقد غلبت العالم. نواجهها بإيماننا وبوحدتنا وبتضامننا وبأعمال المحبّة مع الفقراء والمحتاجين من أبنائنا وعائلاتنا، لكي نتساعد على الصّمود والثّبات، ولكن، مع وجوب تلبية الحاجات المعيشيّة والصّحّيّة والاستشفائيّة والاجتماعيّة الملحّة، وأمام تفاقم الأزمة أكثر فأكثر، بدأنا نعي أهمّيّة التّفكير بمشاريع تضامنيّة وبالتّخطيط مع فرق عمل متخصّصة في المجال الزّراعيّ والصّحّيّ والإنمائيّ. فإلى جانب رسالتي الأساسيّة في التّعليم والتّقديس ورعاية شعب الله وخدمة المحبّة، سيكون هذا الأمر في أولويّات اهتماماتي والتزاماتي.

إنّ الإنجيل الّذي اختارته كنيستنا المارونيّة ليقرأ في عيد أبينا القدّيس مارون، يقول فيه الرّبّ يسوع: "إنّ حبّة الحنطة، إن لم تقع في الأرض وتمّت، تبقى واحدة. وإن ماتت تأتي بثمر كثير". يسوع هو حبّة الحنطة هذه الّذي قبل بأن يموت وبذل نفسه من أجلنا على الصّليب، فصار بقيامته مبدأ حياة جديدة لكثيرين، نعم إنّ ثمار الفداء الّذي حقّقه ربّنا يسوع كثيرة هي، وتترجم في حياة المؤمنين حياة جديدة بالرّوح القدس هذه الثّمار الّتي فاضت من موت يسوع وقيامته تعطي المؤمن الّذي يستقبلها أن يختبر أنّه لم يعد مستعبدًا للخطيئة، بل أصبح إنسانًا يعيش حرّيّة أبناء الله وقادرًا على المحبّة.

ويقول يسوع أيضًا: "من يحبّ نفسه يفقدها، ومن يبغضها في هذا العالم يحفظها لحياة أبدّية". فالقدّيس مارون هجر الدّنيا ومباهجها، وراح يعبد الله حتّى العشق ليربح الحياة الأبديّة. إختار أن يكون على مثال الرّبّ يسوع حبّة الحنطة الّتي ماتت عن أمجاد هذا العالم، فأعطى ثمارًا كثيرة في الكنيسة من خلال قداسة حياته الّتي جذبت العديد من الرّجال والنّساء من أبناء وبنات عصره، فصار لهم مثالاً يقتدى به ومعلّمًا للحياة الرّوحيّة. لقد سار مارون وراء الرّبّ يسوع في حياة التّخلّي عن الذّات والموت عن العالم، فعاش في العراء على قمّة جبل قورش يعبد الله في النّسك والتّقشّف والصّلاة، فأصبح لأبناء عصره مقصدًا لكلّ طالب نعمة، ومثالاً في القداسة والاتّحاد بالرّبّ يسوع، وشاهدًا للكنز الّذي وجده والّذي جعله يتوق بكلّ كيانه إلى ربح الملكوت السّماويّ.

ما هي الرّسالة الّتي يتركها لنا اليوم القدّيس مارون وقد تكنّينا باسمه، وكيف نعيش الرّوحانيّة المارونيّة في عصرنا اليوم؟".

وللمناسبة ألقى المونسنيور أنطون كلمة قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "أزمات واضطرابات كثيرة توالت على وطننا لبنان، وأصبح البلد الّذي مات من أجله خيرة شبابنا، متخبّطًا متأرجحًا كالقصبة المرضوضة الّتي تنتظر الكسر النّهائيّ، وبتنا جميعًا في سفينة الوطن على وشك الغرق، نتراشق الاتّهامات ولا نجد سبيلاً إلى الحقيقة، لطالما تغنينا بوطن الأرز، لطالما حلّقت أحلامنا على كلمات "لبنان يا قطعة سما"، و"لبنان الأخضر"، "وراجع يتعمّر لبنان"، واليوم، في عيد شفيعنا القدّيس مارون، تتردّد أيضًا على مسامعنا كلمات أهابت بدور الموارنة وكنيستهم، ومنها ما قيل على لسان الدّكتور شارل مالك: "أنّه لولا المارونيّة، لما وجد لبنان، وإذا توانى الموارنة وقع الجميع في الخيبة والحيرة والبلبلة، وإن حزموا أمرهم وأقادوا، اشتدّت العزيمة وأصبح الجميع صفًّا واحدًا متراصًّا"؛ وللأب ميشال حايك مواقف وكلمات لطالما عبّرت بدورها عن ثقافة الإيمان المارونيّ، ومنها ما كتبه عن خمسة براهين على قيامة الموارنة وعودتهم إلى ما كانوا عليه سابقًا، وإليكم حرفيّته: "أوّلاً إنّهم حاضرون في التّاريخ منذ أكثر من ستّة عشر قرنًا، ثانيًا إنّ ماضيهم المجيد يشهد لهم، ثالثًا إنّ الدّهر دولاب، رابعًا التّاريخ نطاح، وخامسًا إنّهم يؤمنون بالرّبّ يسوع المائت والقائم من بين الأموات". ولا شكّ أنّ هذا البرهان الأخير هو مصدر القوّة والنّضال.

ما أحوجنا اليوم إلى هذا الإيمان، إلى روحانيّة المؤسّس المستمدّة من جذور الإنجيل، إلى روح تدفعنا للمضيّ قدمًا بشهادتنا الحيّة أمام إخواننا في الوطن؛ بما معناه: لعب دور الضّمير الحيّ والملهم والمنبّه والمؤنّب، وما أحوجنا أيضًا إلى نبيّ يؤنّب ويوبّخ الملك عندما يحيد عن طريق الله، طريق الحقّ، كالنّبيّ إيليّا عندما جاءه الملك أحاب يقول له: "أأنت إيليّا معكّر صفو إسرائيل؟ فقال له إيليّا آنذاك: لم أعكّر أنا صفو إسرائيل، بل أنت وبيت أبيك بترككم وصايا الرّبّ وسيركم وراء البعل"، والبعل اليوم هو الفساد وحبّ المال والسّلطة. وهذا ما قام به أيضًا يوحنّا المعمدان عندما بكت هيرودس وأنبه لمّا تزوج امرأة أخيه هيروديا وقد سال دمه ولم يتراجع عن الحقيقة مفضّلاً العمل بضميره ولو على قطع رأسه. فللنّبيّ كلمة يقولها ولا يخشى أحدًا، يجاهر بالحقّ من دون أيّ محاباة أو مساومة؛ ألم يكن هذا ما علّمنا وربّانا عليه إلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح عندما طرد الباعة من الهيكل حين رآهم وقد جعلوا بيت الله مغارة للّصوص؟!! ألم يكن هو القائل أيضًا فليكن كلامكم نعم نعم أو لا لا؟

نعم نحتاج اليوم إلى نبيّ يتكلّم بكلمة الله بأمانة مع الشّعب، ويقود خطاه ببصيرته الرّوحيّة ويعظ بجسارة ضد الفساد والظّلم".

وتوجّه إلى راعي الأبرشيّة بالقول: "بفضل وضع اليد عليكم وبقوة الرّوح القدس الّتي أفيضت في قلبكم بسيامتكم الأسقفيّة منذ عشر سنوات، والّتي نحتفل اليوم بتذكارها، لا أغالي إن قلت باسم إخوتي الكهنة وكلّ عارفيكم وباسمي الشّخصيّ، إنّ فيكم روح وقوّة نبيّ من أنبياء العهد الجديد، أولئك الّذين يعلنون كلمة المسيح ويشجّعون الشّعب في الأزمات". داعيّا ايّاه بإسم "شعبنا المقهور والمحتقر والمظلوم والمستعبد لا تتوانوا عن نشر كلمة الحقّ وعن جعل سرج المؤمنين موقدة وعن شدّ أوساطهم وقت الصّعاب، لأنّنا وإيّاكم ملح هذه الأرض وهذا الوطن، لأنّه "إذا فسد الملح فأيّ شيء يملّحه؟".

وفي ختام القدّاس، تقبّل عون التّهاني بالعيد من الحاضرين في صالون الكاتدرائيّة.