الأراضي المقدّسة
04 تموز 2017, 10:19

المطران عطا الله حنا يستقبل وفدا اسلاميًّا من ماليزيا: "ليست الديانات هي التي تتصارع فيما بينها بل المصالح السياسية والاستعمارية التي فيها يُستغل الدين لاغراض لا دينية"

استقبل سيادة المطران عطا الله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثوذكس صباح اليوم وفدا اسلاميا من ماليزيا ضم عددا من اساتذة الجامعات واعلاميين ورجال دين والذين وصلوا الى المدينة المقدسة في زيارة للتعرف على معالمها الدينية والتاريخية ولقاء عدد من شخصياتها.

وقد تجول الوفد في كنيسة القيامة واستمعوا الى لمحة تاريخية عن اهمية وقدسية هذا المكان ومن ثم كانت هنالك كلمة لسيادة المطران استهلها بالترحيب بالوفد الاتي الينا من ماليزيا والمكون من 70 شخصا .
نستقبلكم في هذا المكان المقدس بكل محبة مؤكدين بأن ابواب كنيستنا كما ان قلوبنا ايضا ستبقى مفتوحة دائما لكل اولئك الذين يزورون مدينة القدس بهدف التضامن مع شعبنا والتعرف على ما تتعرض له مدينتنا عن كثب وزيارة المعالم الدينية والتاريخية في عاصمتنا الروحية والوطنية .
اننا نؤكد ما نقوله دوما بأننا نرفض التطرف والكراهية والعنف والارهاب ونعتقد بأن الله تعالى خلقنا جميعا لكي نكون دعاة خير في هذا العالم وتفان في الخدمة والعطاء من اجل الانسانية .
لقد خلقنا الله تعالى لكي ننادي بقيم المحبة والاخوة والسلام بين البشر ، لقد خلقنا الله تعالى واكرمنا بأن نكون في هذا العالم ونحن ننتمي جميعا الى اسرة بشرية واحدة خلقها الله تعالى، والله في خلقه لا يميز بين انسان وانسان ، البشر هم الذين يميزون اما الله تعالى فهو خالقنا وبارينا وهو الذي اعطانا نسمة الحياة ولذلك فإننا جميعا ننتمي الى هذه الاسرة البشرية الانسانية الواحدة التي خلقها الله .
لا نعتقد بمقولة صراع الاديان والحضارات لاننا نؤمن بأن الديانات يمكنها ان تتفاعل في خدمة الانسانية ويمكن للمؤمنين المنتسبين لهذه الديانات ان يعملوا معا وسويا من اجل تكريس قيم المحبة والاخوة والتلاقي بين الانسان واخيه الانسان ، ليست الديانات هي التي تتصارع بل المصالح السياسية التي فيها يستغل الدين لاغراض لا دينية ، في عالمنا هنالك اناس يستغلون الدين والدين منهم براء .
من يمارس العنصرية بإسم الدين ومن يمتهن الكرامة الانسانية بإسم الدين ومن يمارس الظلم والقتل والعنف بإسم الدين انما هو مسيء للدين ولرسالته في عالمنا .
الدين ليس سيفا مسلطا على رقاب الناس وليس قتلا وذبحا وعنفا بل رسالة محبة واخوة واحترام بين كافة اولئك الذين ينتمون للاسرة البشرية الواحدة .
يحزننا ويؤلمنا ان نقول بأن هنالك من يستغلون الدين لبناء اسوار تفصل الانسان عن اخيه الانسان ، هنالك من يستغلون الدين بهدف التحريض والتكفير وتكريس ثقافة العنصرية والطائفية والتحريض المذهبي ، هنالك من يلبسون ثوب الدين وهم في الواقع لا علاقة لهم بالدين .
ولذلك فإننا كمؤمنين منتمنين للديانات التوحيدية الموجودة في عالمنا يجب ان نكون على قدر كبير من الحكمة والمسؤولية والرصانة والوعي وان نرفض رفضا قاطعا واكيدا اولئك الذين يستغلون الدين لاغراض سياسية استعمارية لا علاقة لها برسالة الدين ومبادئه وقيمه .
نحن في فلسطين ما زلنا نعيش تبعات ما حل بشعبنا الفلسطيني من نكبات ونكسات ، فشعبنا ما زال يتعرض للمظالم وما زال الاحتلال قائما واسواره وحواجزه العنصرية تحيط بنا من كل حدب وصوب ، الفلسطينيون مضطهدون لانهم ينتمون لهذا الشعب المناضل من اجل الحرية والذي لم ولن يتنازل في يوم من الايام عن حقوقه وثوابته ودفاعه عن كرامته حتى تتحقق امنياته وتطلعاته الوطنية .
كثيرة هي المظالم التي تعرض لها شعبنا وما زال شعبنا حتى اليوم ينتظر يوم الحرية واستعادة الحقوق السليبة لكي يعيش بحرية وكرامة في وطنه وفي ارضه المقدسة .
اما مدينة القدس التي نلتقي فيها اليوم فهي مدينة السلام والتلاقي بين الاديان ولكن سلام القدس مغيب بفعل وبسبب ما يتعرض له شعبنا الفلسطيني ، ان السلطات الاحتلالية تسعى وبوسائلها المعهودة والغير المعهودة لبسط سيطرتها وفرض سياساتها بما في ذلك تغيير ملامح مدينة القدس وطمس معالمها العربية الفلسطينية وتهميش الحضور العربي الفلسطيني في هذه المدينة المقدسة .
قبل ايام عندما كنت في زيارة المسجد الاقصى قلت لاخوتنا المسلمين هناك بأن من يعتدي عليكم يعتدي علينا ومن يتطاول على مقدساتكم يتطاول على مقدساتنا فنحن في المدينة المقدسة كنا دوما كأبناء للشعب الفلسطيني الواحد نعيش معا في السراء والضراء نستنشق هواء مدينتنا المقدسة ونعبر معا وسويا وبشكل يومي عن عشقنا وانتماءنا وتشبثنا بمدينتنا المقدسة .
عندما اتى الخليفة عمر بن الخطاب الى القدس دخل الى كنيسة القيامة وكان هنالك لقاء تاريخي مع بطريرك المدينة المقدسة صفرونيوس ، وكانت العهدة العمرية وغيرها من المواقف الانسانية التي نفتخر بها في مدينتنا المقدسة والتي تعتبر جزءا من تاريخنا وتراثنا .
ان الشعب الفلسطيني هو شعب واحد لا يقبل القسمة على اثنين ، نحن ننتمي جميعا الى فلسطين التي توحدنا في بوتقة واحدة اسمها النضال من اجل الحرية واستعادة الحقوق السليبة.
فلسطين تجمعنا وتوحدنا وقد كانت هذه البقعة المقدسة من العالم وما زالت نموذجا متميزا في الوحدة الانسانية والوطنية والمسيحيون والمسلمون كانوا دوما مدافعين حقيقيين عن حريتهم وقضيتهم الوطنية العادلة ، نحن في القدس ننتمي الى اسرة واحدة تدافع عن هوية وتاريخ ومقدسات مدينتنا .
لن يقبل الفلسطينيون بأي خطاب طائفي عنصري اقصائي من اي نوع كان ، ان اي مواقف او كلمات تدعو الى الطائفية والكراهية والتكفير والاقصاء انما هي غريبة عن ثقافة شعبنا الفلسطيني ، واذا ما كانت هنالك اصوات نشاز نسمعها بين الفينة والاخرى فهي لا تمثل شعبنا وقيمه ومبادئه ورسالته .
نستقبلكم معبرين عن سعادتنا بزيارتكم لهذه الكنيسة المقدسة التي تعتبر في التاريخ المسيحي من اهم المقدسات واكثرها اهمية .
كنيسة القيامة بالنسبة للمسيحيين في عالمنا هي قبلتهم الاولى والوحيدة ولا يوجد في العالم المسيحي ما هو اهم واقدس من كنيسة القيامة حيث القبر المقدس بكل ما يعنيه بالنسبة الينا في ايماننا وعقيدتنا وتراثنا .
المسيحيون في هذه الديار هم ابناء هذه الارض الاصليين جنبا الى جنب مع اخوتهم المسلمين، المسيحية في هذه الارض المقدسة لم ينقطع حضورها منذ اكثر من الفي عام والمسيحيون في هذه الديار ليسوا من مخلفات حملات الفرنجة او غيرها من الحملات التي مرت ببلادنا كما يظن البعض ، فهم فلسطينيون اصيلون في انتماءهم لهذه الارض وجذورهم عميقة في تربتها وانتماءهم هو لفلسطين وللقدس بشكل خاص ، ان مرجعيتنا هي هنا في هذه الارض المقدسة وانتماءنا هو لهذه الارض المباركة التي اختارها الله لكي تكون مكان تجسد محبته نحو البشر .
المسيحيون الفلسطينيون ينتمون لفلسطين ارضا وشعبا وقضية وانتماء وتراثا ، والقضية الفلسطينية هي قضية مسيحية بامتياز لانها قضية هذه الارض المقدسة وشعبها كما انها قضية تحمل بُعدا اسلاميا وعربيا وفلسطينيا وامميا ، فالقضية الفلسطينية هي قضية المسيحيين والمسلمين وكافة احرار العالم بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية او العرقية او لون بشرتهم او لغتهم .
ندعو الى مزيد من الحوار والتلاقي والتفاهم بين كافة اتباع الديانات في عالمنا ، علينا ان نعمل معا وسويا من اجل تغيير وجه هذا العالم لكي يكون اكثر رحمة ورأفة وانحيازا للمظلومين والمنكوبين والمعذبين .
علينا ان نتعاون معا وسويا في دفاعنا عن القضية الفلسطينية لكي تصل رسالة فلسطين وشعبها المظلوم الى حيثما يجب ان تصل ، علينا ان نؤكد معا وسويا بأننا نرفض ان يُظلم اي انسان في عالمنا بسبب انتماءه الديني .
قدم سيادته للوفد وثيقة الكايروس الفلسطينية كما اجاب على عدد من الاسئلة والاستفسارات .
أما اعضاء الوفد فقد عبروا عن سعادتهم بلقاء سيادة المطران هذه الشخصية الروحية المسيحية الفلسطينية التي نقدر مواقفها وحضورها ورسالتها ، زيارتنا اليوم هي زيارة تحمل رسالة المحبة والاخوة والرغبة الصادقة في ان نعمل معا وسويا من اجل خدمة الانسانية ومن اجل الدفاع عن القضية الفلسطينية وخاصة مدينة القدس التي يستبيحها الاحتلال بسياساته وممارساته ، كما شكروا سيادة المطران على كلماته ووضوح رؤيته والرسالة الروحية والانسانية والحضارية والوطنية التي ينادي بها دوما .