لبنان
17 آب 2020, 07:50

المطران عبد السّاتر للمسؤولين: تذكّروا أنّ من يُميت شعبًا يرتكب جريمة ضد الإنسانيّة ويستحقّ أن يُحاكم أمام محكمة دوليّة

تيلي لوميار/ نورسات
عشيّة عيد انتقال العذراء مريم، احتفل راعي أبرشيّة بيروت المارونيّة المطران بولس عبد السّاتر بالقدّاس الإلهيّ لراحة نفس الشّهداء الّذين سقطوا في انفجار بيروت وعلى نيّة المحزونين والمفقودين والجرحى، وذلك من منطقة مار مخايل- النّهر، بمشاركة السّفير البابويّ في لبنان المونسنيور جوزيف سبيتاري ولفيف من الكهنة.

وفي عظته، قال المطران عبد السّاتر: "هناك من سأل: لماذا القدّاس في مكان الموت هذا بين الرّدم والدّمّ؟

جوابنا هو أنّه في هذا المكان كشف الشّرّ عن وجهه الحاقد وحاول أن تكون له الغلبة في وطننا لبنان، فقُتل الأبرياء، واختفى الأحبّاء، وتهدّم جنى العمر ومُحيت الذّاكرة، وتوقّف الزّمن.  

وفي هذا المكان اخترنا أن نحتفل بالقدّاس لنعلن أمام الجميع أنّنا بيسوع مخلّصنا وربّنا ننتصر على الموت بالقيامة، وعلى الشّرّ بالمحبّة والخير والغفران، وعلى القهر بالتّضامن والتّعاضد.

نحتفل بالقدّاس في هذا المكان لنعلن أمام الجميع إيماننا أنَّ موتانا الّذين حاول الموت أن يطويهم، هم أحياء في قلب الله، وحاضرون معنا في هذا الوقت وفي هذا المكان بالذّات. غيابكم مرّ وموتكم شقاء لا يُطاق. إنّنا نفتقدكم، ونبكيكم بدموع المحبّة الغزيرة، ولكنّنا لن نيأس ولن نرحل عن هذه الأبنية والشّوارع الّتي استُشهدتم فيها بل سنتجذّر فيها أكثر لأنّ فيها قلبكم ويدكم وصوتكم ونَفَسُكم.

هناك من سأل ويسأل: أين كان يسوع وأمّه مريم لحظة الانفجار؟ لماذا لم يخلّصا ألكسندرا وتريز ورالف وجو وأحمد وعلي وآرام، وغيرهم من الشّهداء، من الموت؟

لست أدّعي أنّي أعرف مشيئة الرّبّ في حياة كلّ إنسان. ولكنّي متأكّد من حبّ الرّبّ ووالدته مريم لكلّ إنسان، حبّ هو بالأحرى غرام، لأنّني كلّ يوم أختبر هذا الحبّ. فأنا أقول أمام الجميع إنّ الرّبّ وأمّه كانا عند مدخل مستشفى أوتيل ديو يحملان آلام الجرحى عنهم، وفي أروقة مستشفى مار جرجس يغمران الشّهداء بحنانهما وفي ساحة مستشفى الجعيتاويّ يعزّيان ويشجّعان وفي باقي المستشفيات يبكيان أولادهما المتألّمين والهائمين ووجوهم كلّها دماء.

الإنسان يُميت أخاه الإنسان ولكن الرّبّ يحييه ويجعله في قلب الله ليحيى حياة أبديّة من دون ألم ولا دموع.

وإلى المسؤولين في بلادي من كلّ الطّوائف والأحزاب: متى ستتغيَّرون؟ متى ستتخلَّون عن الكذب والسّعي خلف الكراسي والمال؟ متى ستكونون حقًّا في خدمة من أئتمنوكم على حياتهم وأحلامهم؟ هل بكيتم من استُشهد؟ هل ستكفون عن الاستنكار والتّصاريح الفارغة وتعملون بصمت، احترامًا للدّماء الّتي هُدرت، على كشف حقيقة ما جرى ومن هو الفاعل الحقيقيّ؟ هل تشعرون بغضب النّاس؟ أليس هذا الغضب هو ما جعلكم تخرجون من مقرّاتكم محاطين بجيش من الأزلام المسلّحة؟ هل تسمعون لعنات الأمّهات الثّكالى؟

يا حسرتاه! وكأنّه لم يكن الانفجار الكارثة في 4 آب. فها أنتم تعودون إلى ما كنتم عليه من قبل من اصطفاف ومحاصصة، من سجال عقيم ومماحكات لا تنفع. متى تتغيَّرون؟ متى تلين قلوبكم المتحجّرة؟ متى تتخلّون عن عقائدكم الطّائفيّة والسّياسيّة، عن قناعاتكم ووطنيّتكم الزّائفة لتروا حقيقة واقع شعبكم فتعملوا لتكون له الحياة بوفرة؟

أيّها المسؤولون في بلادي، أريد أن أعرف ومعي كلّ المنكوبين، حقيقة ما جرى. لماذا وقع الانفجار وكيف وعلى يد من؟ وهل ستحاسبون الفاعل؟

أيّها المسؤولون في بلادي عن حياة شعبها، أكنتم رجال سياسة أو تجّارًا أو موظّفي دولة أو مصرفيّين أو غيرهم، تذكّروا أنّ من يُميت شعبًا، روحيًّا أو مادّيًّا أو نفسيًّا يرتكب جريمة ضدّ الإنسانيَّة ويستحقّ أن يُحاكم أمام محكمة دوليّة.

وأنتم الّذين تسعَون اليوم إلى تغيير وجه المنطقة المنكوبة وتحريف تاريخها وقطع جذورها مستغلّين ألم النّاس وعوزهم، توقّفوا عن فعل ما هو شرير ولا أخلاقيّ ومدّوا أياديكم للمساعدة والتّضامن.

إخوتي أخواتي،

نصلّي على نيّة شهدائنا وأهلهم.

نصلّي على نيّة المفقودين ليعودوا.

نصلّي على نيّة الجرحى والمنكوبين.

نصلّي على نيّة شبابنا وشابّاتنا الّذي اندفعوا في الخدمة والتّضامن مع إخواتهم وأخواتهم بمجانيّة فوضعوا في قلوبنا الرّجاء والعزاء.

نصلّي على نيّة لبنان، ليحم الرّبّ لبنان وشعبه".