لبنان
28 كانون الأول 2020, 14:50

المطران سويف صلّى في الميلاد لأجل لبنان

تيلي لوميار/ نورسات
"تعالوا نصلّي لأجل وطننا الحبيب لبنان الّذي يختبر هذه السّنة بطريقة أكثر حسّيّة، ما عاشه يسوع من فقر وجوع وتشرّد وتهجير". هذا ما دعا إليه راعي أبرشيّة طرابلس المارونيّة المطران يوسف سويف الحاضرين في كنيسة مار مارون- طرابلس، خلال قدّاس منتصف ليلة عيد الميلاد، عاونه فيه خادم الرّعيّة المونسنيور نبيه معوّض والخوري راشد شويري والخوري أنطوان سكر، وذلك في عظة قال فيها نقلاً عن "الوكالة الوطنيّة للإعلام":

"أحيّيكم في هذا العيد وأتمنّى لكم ولجميع اللّبنانيّين ميلادًا مجيدًا وسنة مباركة، نجدّد فيها عهد الحبّ مع الله ومع بعضنا البعض. ففي مطلع خدمتي الأسقفيّة في الأبرشيّة، أؤكّد لكم جميعًا أنّكم في صلاتي وأطلب منكم أن تذكروني في صلواتكم، وأدعو الكهنة والرّهبان والرّاهبات والعلمانيّين والهيئات الرّسميّة والمجتمع المدنيّ إلى أن نعمل معًا في الورشة الرّعويّة والرّوحيّة، فلكلّ منكم موقّعه ودوره في الكنيسة. فمعًا نشكر الله ونسبّحه كما أنشدت الملائكة: المجد لله في العلى وعلى الأرض السّلام والرّجاء الصّالح لبني البشر. عندما نزور المغارة ونكتشف سرّها في حياتنا، سرّ عظيم هو أنّ الغنيّ افتقر واتّحد بفقر بشريّتنا ليغنينا بأبوّته الّتي أدخلتنا من جديد إلى الحياة الّتي فقدناها بكبريائنا وخطيئتنا. إنّه سرّ المذود تحيطه مريم ويوسف فيعيد للعائلة البشريّة المفكّكة جمال وحدتها الّتي حقّقها الإبن- الكلمة المتجسّد، فسار بنا من المغارة إلى مياه المعموديّة فالصّليب، حيث ضمّ المشتّتين إلى قلبه ووحّدنا بموته وأحيانا بقيامته. فكلّ انقسام بين البشر لا يدوم إذا ما تأمّلنا بسرّ المزود والصّليب والقبر الفارغ. أمام هذا السّرّ تعالوا نتصالح مع بعضنا البعض وننبذ الحقد ونكون جسور سلام ونبني المحبّة بالكلمة الّتي تخرج من قلوبنا وأفواهنا وبالأيادي البيضاء الّتي تساهم في صون الكرامة الإنسانيّة.

أمام سرّ المغارة، نكتشف أنّ الرّبّ القدير العظيم قد تنازل وانحنى وتضامن مع إنسانيّتنا الفقيرة والمجروحة والميتة فجدّدها. وأحيانًا سرّ المغارة هذا يعكس ثورة المحبّة الّتي تلتقي مع الثّورة على الذّات والإرادة الصّلبة والقرار الواعي بتغيير الذّهنيّة ونقاء القلب ووضوح الموقف للتّضامن مع القضيّة الإنسانيّة ومع كلّ إنسان. فكيف لنا أن نعيد الميلاد خارجة عن مبادرات محبّة مع الفقير والجائع والمعوز والمريض والسّجين والمتروك والمهمّش والمشرّد والمهجّر ومع كلّ إنسان نراه أو لا نراه وهو في عزلته منسيّ؟ فكلّ خدمة لأحد إخوتنا هؤلاء، هي مع يسوع عينه الّذي يقول لنا اليوم: كلّ ما فعلتموه مع إخوتي هؤلاء الصّغار فلي فعلتموه.

تعالوا نجدّد حياتنا بالكلمة المتجسّد، بكلمة الله الّتي كلّما قرأناها وتأمّلنا بها كالعذراء مريم، تتحقّق الشّفاءات في كياننا الإنسانيّ. أتمنّى أيّها الأحبّاء أن نعود إلى الكتاب المقدّس ونتآخي معه، فيصبح رفيق دربنا وملهم أفكارنا وتصرّفاتنا. إنّها أجمل كلمة في الدّنيا، إنّها الكلمة الّتي تعطي معنى لكلمات البشريّة ولإنسانيّتنا الّتي تبحث عن الحقّ والحبّ والسّعادة. إنّه الكلمة الّتي من خلالها أصبحنا أبناء الله، فالرّبّ تجسّد وحقّق التّبنّي فأعادنا إلى حالة الأبناء بمشروع بدأ بالميلاد، واكتمل بالموت على الصّليب واختتم بالقيامة. تعالوا نجدّد إيماننا بيسوع الّذي يشفي البشريّة من جائحة كورونا ومن عواقبها الإنسانيّة والنّفسيّة والاقتصاديّة عبر تضامننا ووعينا. أرى معكم أنّ أشياء كثيرة سوف تتغيّر في حياتنا بعد هذه المحنة الّتي تساعدنا على اكتشاف غنى الحياة الرّوحيّة، وبساطة العيش الّتي شوّهتها القواعد الاجتماعيّة المزيّفة، والعودة إلى الأرض، واحترام الطّبيعة، والحفاظ على البيئة. آمل معكم أن نعود ونكتشف عمق إنسانيّتنا الّتي تعزّز الرّوابط في ما بيننا وتكسر حواجز الخوف من الآخر وتدفعنا إلى اللّقاء والحوار والتّعاون لأجل الخير العامّ وبناء العدالة والسّلام. أمام سرّ المغارة، تعالوا نصلّي لأجل وطننا الحبيب لبنان الّذي يختبر هذه السّنة بطريقة أكثر حسّيّة، ما عاشه يسوع من فقر وجوع وتشرّد وتهجير. إنّه العيد الممزوج بالقلق والوجع ولكن بالإيمان والرّجاء في ولادة لبنان جديد مبنيّ على الأخلاق وراسخ في القيم الرّوحيّة والإنسانيّة الّتي صنعته وحدّدت هويّته وميّزت رسالته. إنّه لبنان التّعدّديّة في الوحدة وصون حقوق كلّ مواطنة ومواطن. فالمسؤوليّة الوطنيّة تتطلّب تواضعًا وانحناءة لخدمة الخير العامّ في إداء إداريّ شفّاف، عندها ينهض الوطن من مأساته الخانقة وتعاد الثّقة داخليًّا وخارجيًّا.

فلنجعل من قلوبنا مغارة يسكن فيها الطّفل المخلّص الّذي يقود خطانا نحو ميناء الأمان والسّلام ويدفعنا للعمل معًا لإنقاذ الوطن الحبيب المتألّم الّذي يتوق إلى الحياة. فلطفل المغارة- الكلمة المتجسّد، كلّ السّجود والإكرام والتّسبيح من الآن وإلى الأبد".