المطران خيرالله يناجي مريم العذراء عشيّة شهرها المبارك
"على أبواب شهر أيّار المكرّس لتكريم مريم العذراء والدة الإله، أرى أنّه من المفيد أن نعود إلى تقليدنا وتراثنا لنكتشف مكانة مريم بالقرب من ابنها يسوع في عمل التّدبير الخلاصيّ، هي الحاضرة إلى جانبه بصمت ومحبّة وطواعيّة كاملة لتقوم بدور الشّفاعة عن كلّ المؤمنين، فنجد بين مريم وبيننا، نحن أبناء مارون، أوجه شبه عديدة بحيث أصبحت مريم عنصرًا من عناصر هويّتنا الأنطاكيّة السّريانيّة المارونيّة لأنّنا مريميّون، كما يقول الأب العلّامة يواكيم مبارك.
تشبّهًا بمريم، لبّينا دعوة الله للدّخول في مغامرة الحبّ الإلهيّة الّتي تمرّ بالصّليب على رجاء القيامة. وتشبّهًا بمريم، التزمنا الرّوحانيّة النّسكيّة في البساطة والتّواضع والتّجرّد والصّمت والوقوف المستمرّ حتّى أقدام الصّليب. وتشبّهًا بمريم، انطلقنا في انفتاح رسوليّ وثقافيّ على الكنيسة الجامعة وعلى كلّ الشّعوب والثّقافات. لذا، أصبحت مريم أمّ الله رفيقة دربنا الطّويل من لبنان إلى الشّرق فإلى الغرب، فحملناها في قلوبنا ورحنا نهلّل لها ونلجأ إليها ونطلب شفاعتها في كلّ مراحل حياتنا. في مدننا وقرانا وسكنى اغترابنا بنينا لها الكنائس والمزارات. وفي بيوتنا حجزنا لها مزارًا صغيرًا تجتمع حوله عائلاتنا للصّلاة كلّ ليلة وتطلب الحماية.
مريم أمّ الله حاضرة في صلواتنا وقداديسنا بحيث لا يزال كلّ كاهن يردّد في صلاة الغفران في القسم الأوّل من القدّاس: إنّنا إذ نمدح بالتّهاليل الرّوحيّة ونعظّم الطّوباويّة مريم أمّ الله، الدّائمة بتوليّتها، نقدّمها شفيعة عنّا لابنها ثمرة أحشائها قائلين: أبعد يا ربّ، بصلوات أمّك، عن الأرض وجميع سكّانها، ضربات الغضب، لاش الأخطار والفتن، وامنع الحرب والسّبي والمجاعة والوباء. فيجيبه الشّعب مرتّلاً: صلاتك معنا يا أطهر العباد، كوني عوننا حسب المعتاد... أطلبي تضرّعي لله ابنك، لكيما بطلباتك يرحمنا. مريم أمّ الله حاضرة في زيّاحاتنا الشّعبيّة. وما زلنا ننشد أقدم الطّلبات في الزّياحات المريميّة. ومنها: نسجد لك يا بارينا، إذ قد أنعمت علينا، بالبتول النّقيّة مريم.
نطلب منك يا مريم: من الشّيطان نجّينا، من الطّاعون خلّصينا، خير السّماوات أعطينا، باركي ثمار أراضينا، إشفي المرضى الموجعين. ونضيف اليوم: إشفي من الكورونا المصابين، أعيني الموتى المؤمنين. أمّا النّشيد الشّعبيّ الأقدم: يا أمّ الله يا حنونة، فهو صرخة من القلب إلى أمّ الله الحنونة كنز الرّحمة والمعونة، وصار على كلّ لسان، حتّى لقبه البعض النّشيد الوطنيّ المارونيّ. إنّه نشيد الرّجاء الّذي يحمله كلّ مؤمن متألّم يعرف أن طلبته ستستجاب بشفاعة مريم.
تعالوا إذا في شهر أيّار، حتّى ولو بقينا محجورين في بيوتنا قسرًا ومرغمين، نصلّي إلى الله طالبين بشفاعة مريم أن ينجّينا من وباء كورونا ومن الضّائقة المعيشيّة ومن جشع وغطرسة مسؤولينا، فنعرف أنّ خلاصنا بالمسيح وحده.
فيما أنتم تحملون شعبكم وتضرعون عنه إلى الله في قدّاسكم اليوميّ، لا تنسوا أن تطلبوا شفاعة مريم، أمّ الكنيسة وأمّ الكاهن، وحمايتها الدّائمة.
هلمّوا نعود إلى تقليدنا وتراثنا المريميّ، فنجعل من بيوتنا مجدّدًا مزارات للعذراء ونجمع عائلاتنا كلّ ليلة لصلاة المسبحة والطّلبة والزّيّاح. ولا ننسى أنّنا في الأساس مريميّون، لأنّه بعد إنزالنا الأعزّاء عن الكراسي، وفرفكة أنوف المتكبّرين بأفكار قلوبهم، ليس لنا من شغل شاغل إلّا تلاوة المسبحة وإيقاد الشّموع وإحراق البخور وضفر الأكاليل لسلطانة الورديّة، كما يقول الأب يواكيم مبارك. فلنبق متّحدين ثابتين في إيماننا على رجاء العودة قريبًا إلى كنائسنا واحتفالاتنا".