الأراضي المقدّسة
27 شباط 2020, 08:07

المطران بيتسابالا في باري: "ما تختبره كنائس الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا هو درب صليب بحد ذاته"

نورسات/ الأردنّ
عُقد لقاء "المتوسّط: حدود السّلام" في مدينة باري الإيطاليّة، بين ١٩ و٢٣ شباط ٢٠٢٠، بحضور الأساقفة الكاثوليك للبلدان الواقعة على حدود البحر المتوسط. وقد حضر اللّقاء الذي دعا إليه رئيس المؤتمر الأسقفيّ الإيطاليّ الكاردينال غوالتييرو باسيتي، رئيس الأساقفة والمدبّر الرّسوليّ للبطريركيّة اللّاتينيّة بييرباتيستا بيتسابالا، على ما نشر الموقع الإلكترونيّ للبطريركيّة اللّاتينيّة.

وقد جمع هذا الحدث الذي نظّمه المؤتمر الأسقفيّ الإيطاليّ، ٥٨ أسقفًا من أساقفة البلدان الواقعة على حدود البحر المتوسط، إذ هدف إلى تعزيز مواجهة القضايا المشتركة على لائحة جدول الأعمال الرّعويّ للكنائس الواقعة على حدود المتوسّط، مع التّمتع بروح المجمعيّة الكنسيّة، إذ تشمل الإيمان والأخوّة والحرّيّة الدّينيّة والحروب والفقر. 

وأعلن الكاردينال باسيتي، منظم اللّقاء، أنّ العمدة التّاريخيّ لفلورنسا جورجو لا بيرا، ألهمه اليوم في جوٍّ من القدسيّة، قائلًا: "على المنطقة الواقعة على حدود المتوسّط أن ترجع إلى مكانتها كمركز لقاء للحضارات، ومكان للنّهوض بالمسيحيّة، بأن تكون حدودًا للسّلام. تشهد المنطقة الواقعة على شاطئ المتوسّط اليوم، أوجه عديدة من الظّلم، من حروبٍ وفقر مدقع وزيادة في أعداد اللّاجئين، إذ تحتضن هذه المنطقة مزيجًا من المشاكل"، على أمل أن تخرج باري "بإجابة كنسيّة هادئة ورعويّة". 

حضر اللّقاء المطران بييرباتيستا بيتسابالا، وحارس الأرض المقدّسة الأب فرانشيسكو باتون، بصفتهما ممثّلَين عن الأرض المقدّسة، إذ شدد الأخير على فرصة العمل يدًا بيد مع المسلمين واليهود، في ضوء وثيقة أبو ظبي التي وقّع عليها قبل عام البابا فرنسيس والشّيخ محمد أحمد الطّيّب إمام الأزهر. على هذا الأساس، أضاف حارس الأرض المقدّسة قائلًا: "ينبغي على جماعة المؤمنين المساهمة بمعايير أساسيّة قادرة على تحقيق ثقافة السلام". 

كلمة المطران بيتسابالا

إجتمع البابا فرنسيس بأساقفة بازيليكا القدّيس نيكولاس في اليوم الأخير من اللّقاء، يوم الأحد، قبل الاحتفال بالذّبيحة الإلهيّة. تلا ذلك كلمة لرئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا، لخّص فيها النّصوص البارزة للقاء في باري، مشيرًا إلى أنّ المرحلة الأولى منه مكرسّة للاستماع إلى مختلف الآراء، أمّا الثّانية فللاستماع إلى التّجارب والاقتراحات التي يتم التّوصل إليها، في حين تُخصص الأخيرة للآفاق المستقبليّة.

وصف أوّلًا الصّورة العامّة التي انبثقت بعد أربعة أيّام من النّقاش والاستماع، مشيرًا إلى أن "مصير شعوب كاملة، ولسوء الحظ، يُستعبد لمصلحة فئة صغيرة، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار العنف، وعليه إعاقة الخطط الإنمائيّة التي يبنيها الغرب ويدعمها". ولم ينكر رئيس الأساقفة في ظلّ هذه الظّروف، المسؤوليّة التّاريخيّة المشتركة للكنائس، إذ عبّر عن أسفه قائلًا: "تعرضت الكنائس في السّابق لنماذج مشابهة من العنف، كتلك التي وقعت في الفترة الاستعماريّة، ولهذا السّبب علينا أن نطلب السّماح اليوم". 

أمّا اليوم فقد اختلف الوضع، "إذ لم تعد الكنيسة تُعنى بتحقيق المناصب والدّفاع عنها، بل إنّها استعادت أساسيّات الإيمان وروح الشّهادة المسيحيّة". وينبغي على التّغيير الحاصل هذا إلهام كنائس شمال أفريقيا والشّرق الأوسط، والتي "تدفع الثمن الأكبر وتتعرض لهلاك جماعيّ، وتظل اليوم أقليّة تعاني صعوبات جمة ومختلف أشكال الاضطهاد". ففي ظلّ هذه الأوضاع الحرجة، ووقوفنا عاجزين أمام توجيه قرارات الجهات الحاكمة، يبقى الحلّ الوحيد لنا "هو بناء جماعات وعلاقات تضع الإنسان مركز عملنا وهدفه الأساسيّ، في المدارس والمستشفيات، في ظلّ مبادرات السّلام والتّضامن العديدة". فحتى لو "لم تغير هذه المبادرات العالم، إلّا أنها ستساهم في خلق أجواء من السّلام والاحترام المتبادل"، شهادة على روحنا المسيحيّة في العيش في ظلّ واقعنا العصيب". ويوصف الحوار بأنّه "شكل آخر من أشكال التّعبير عن حياتنا الكنسيّة"، إذ أنه يتجلّى في هذه المناطق بالوفاق ما بين مختلف الكنائس التي تعيش جنبًا إلى جنب، وتلتزم برسالتها الكنسيّة "لبناء جماعات للحوار ما بين الأديان، خاصّة مع المسلمين" الذين نجد أنفسنا نشاركهم مختلف أشكال التّضامن. لذلك علينا العمل على بناء الأخوّة، جاعلين منها مثالًا للتّضامن البشريّ".

وقد أنهى المطران بيتسابالا خطابه مشيرًا إلى الدّور الذي من المتوقّع أن تلعبه كنائس المنطقة الواقعة على حدود المتوسّط في المستقبل القريب، قائلًا: "في ظلّ واقع معقّد، كذلك السّائد في منطقة حوض المتوسط حيث تعتبر التّعدّديّة الخاصّيّة الأساسيّة لتلك المجتمعات، علينا الالتزام بالعمل على تخفيف التّناقضات التي حتّى لو لم نتمكن من القضاء عليها، فما زال بإمكاننا الاستفادة منها بتعلّمنا العيش في ظلّها، متحلّين بروح الأمل المسيحيّ".