لبنان
09 تشرين الثاني 2022, 10:30

المطران ابراهيم: نطلب من الرّبّ أن يجعلنا على مثال ميخائيل في المحبّة والشّفافيّة واللّاعنف

تيلي لوميار/ نورسات
هذا ما صلّى من أجله رئيس أسقفة الفزرل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم مع المؤمنين بعيد رئيس الملائكة ميخائيل، في قدّاس إلهيّ ترأّسه في كنيسة مار مخايل- زحلة، بمشاركة النّائب الأسقفيّ العامّ الأرشمندريت نقولا حكيم، كاهن الرّعيّة الأرشمندريت مطانيوس نصرالله والأبوين جاورجيوس شبوع وشربل راشد وخدمته جوقة الكنيسة.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران ابراهيم عظة قال فيها: "القراءتان اليوم من الإنجيل تحدّثانا عن كرامة الإنسان. الإنسان الّذي يقف أمام ذاته كلّ يوم ولربّما يحتقر ذاته ويجلدها وينظر نظرة دونيّة إلى ذاته ويقلّل من أهمّيّة الذّات، لماذا؟ لأنّنا تعلّمنا وربّينا أن نقدّم كلّ شيء على ذاتنا. هذه التّربية الشّرقيّة لها جمال لأنّها تعطي عند الإنسان نظرة مهمّة للآخر لكن مع الأسف تحرم الذّات من الأهمّيّة، بينما التّربية الغربيّة تركّز أكثر على الذّات، على أنّني شخص مهمّ، أنا مرجع لذاتي، وأنا بالتّأكيد لا ألغي الله، وهذا شيء جيّد لكن قد يزيد عن حدّه ويصبح نوعًا من التّعبّد للفرديّة وكأنّي أنا مركز الكون، قبلي لا أحد وبعدي لا أحد، نريد التّوازن بين التّربيتين الشّرقيّة والغربيّة في النّظرة إلى ذاتنا لكي نحصل على جواب. كيف نجد الحلّ لهذه المشكلة في حياتنا الشّخصيّة؟ علينا العودة إلى هاتين القراءتين من الإنجيل المقدّس ونرى أهمّيّة الإنسان.

سمعنا في القراءة الأولى أنّ الله أنزل الإنسان قليلاً عن الملائكة ووضع كلّ شيء تحت سلطته، أعطاه السّلطان على كلّ الخليقة، لهذه الدّرجة الإنسان مهمّ عند الرّبّ. وعندما يكون الإنسان واعيًا لأهمّيّته في عين الله ترتفع نسبة احترامه لذاته، لأنّي إذا عرفت مقدار حبّ الله لي عندها أدرك كم أنا مهمّ. لا أحد يستطيع أن يحكم عليّ حكمًا جائرًا فقط لتشويه سمعتي وتحطيمي بين النّاس وأبقى أنا تابعًا كمجرّد شخص يسمع ويتأثّر ويتدمّر كلّ يوم أكثر من الّذي قبله، وهذا ما لا يجب أن نسمح بحصوله لأنّ نظرة الله إلينا هي الّتي تحدّد أهمّيّتنا وليس نظرتنا لذاتنا فقط. الله دعانا أبناء ولم نعد عبيدًا وخدّامًا للمجد البشريّ بل للمجد الإلهيّ، الله يريدنا أسيادًا، أبناء له، وإذا كان هو الملك فقد جعلنا أبناء فأصبحنا أولياء عهد في مملكة الله أيّ أنّه في شراييننا يسري الدّم الملوكيّ الّذي يؤهّلنا للميراث الآتي. من ينبذنا يكون قد نبذ الله، فالله يساوي ذاته فينا.

سمعنا أيضًا في الإنجيل "قد رأيت الشّيطان ساقطًا من السّماء كالبرق" ولكم من بقي في السّماء؟ بقي الشّفّاف مار ميخائيل الّذي نحتفل بعيده اليوم، لم يكن لديه كبرياء ولا طمع بأن يزيح الله ويحلّ مكانه، عرف مكانته وعرف حدوده وعرف رسالته، وأنا دائمًا أنظر إليه بأنّه رئيس القوّات الملائكيّة ورئيس الشّفافيّة لأنّ لا شي استطاع أن يسلب قلبه ويبعده عن الله، بقي وفيًّا وشفّافًا ومحافظًا على دعوته ودعوة الله له. هذا هو الملاك ميخائيل الّذي يدعونا اليوم إلى فتح صفحة جديدة، ربّما تكون من الصّفحات الصّعبة، في بلدنا والتّربية الّتي نأخذها عادة في هذا الوطن الّتي هي بعيدة إلى حدّ كبير عن الشّفافيّة لدرجة أنّ البعض يقولون إنّ من يحاول أن يكون شفّافًا في هذا الوطن يصبح غريبًا. على الإنسان أن يبدأ من ذاته، الشّفافيّة ليست كما يصفوها لنا بأنّها أمر صعب، على العكس هي من أسهل الأمور. المصالحة مع الذّات والمصالحة مع الواقع الّذي فيه نعيش، أن نكون "شبعانين"، ألّا يكون في قلبنا طمع ولا في فكرنا غشّ. الشّفافيّة هي أولى صفات الملائكة والقدّيسين. إذا كنّا نريد أن نكون مسيحيّين علينا أن نكون شفّافين.

إنجيل السّحر اليوم يتحدّث عن أهمّيّة الإنسان وكيف أنّ الله يساوي نفسه بالإنسان "كلّ ما تفعلونه بأحد إخوتي هؤلاء الصّغار فبي تفعلونه". أحيانًا نفكّر بأنّ الصّغار لا يخصّونا، الصّغار ليسوا منّا، الفقراء وأصحاب الدّخل المحدود ليسوا منّا. في المسيحيّة لم يعد هناك من وجود للصّغار، أصبحنا كلّنا متساويين في الكرامة وهي الّتي تحدّد نسبة غنانا، فهناك الكثير من الفقراء لأنّهم فقراء إلى الكرامة وهناك الكثير من الأغنياء غناهم لم يشترِ لهم كرامة. علينا أن نقلب المقاييس ونضعها على قياس الإنجيل المقدّس لكي نبدأ بفهم ذاتنا وفهم الآخرين.

إنجيل اليوم يقول "أشكرك يا ربّ يا أيّها الآب ربّ السّماوات والأرض لأنّك أخفيت هذه عن الحكماء والعقلاء وكشفتها للأطفال"، هؤلاء الّذين يدّعون الثّقافة والعلم، أنا لست ضدّهم ولكن إذا كان لديهم ذرّة من الثّقافة يعرفون بأنّهم الآخرين وليسوا الأوّلين، لأنّ الله يأخذ الأوّلين ويجعلهم آخرين والآخرين يجعلهم أوّلين، هذا مبدأ إلهيّ.

إعتبارًا من سنّ الرّابعة عشرة يبدأ الشّخص باعتبار نفسه بأنّه لم يعد طفلاً، ويعتبر نفسه بأنّه يفهم أكثر من أطفال العالم كلّهم مجموعين!

يقول يسوع "لأنّك أخفيت هذه عن الحكماء والعقلاء وكشفتها للأطفال" هؤلاء أصبحوا فلاسفة حياتنا، صاروا العقلاء والحكماء بيننا. فالأطفال أو ما يرمزون إليه من النّاس الّذين حافظوا على طفولتهم بالرّغم من العمر هؤلاء هم الحكماء والعقلاء الحقيقيّين الّذين كشف الله لهم ما لم يكشفه لنا.

في آخر هذه المشاركة الرّوحيّة أقول لكم إنّ كنيستكم جميلة جدًّا وهي موجودة في أوّل حيّ أنشئ في زحلة. هذه الكنيسة التّاريخيّة تعبّر عن زحلة الأصليّة. النّاس فيها في الماضي كانوا أشخاصًا، كلّ همّهم في الحياة أن يكونوا أحرارًا ولا يحكمهم أحد لا بالقوّة ولا بالعنف ولا بالسّيف، لذلك يقال إنّ الزّحلاويّ من طبيعة أرضه لا يتطلّع أبدًا إلى الأسفل بل دائمًا إلى الأعلى لأنّه محاط بالوادي وبالجبال، يتطلّعون إلى الأعلى من إيمانهم الكبير وعشقهم للحرّيّة ولهذه المنطقة الجغرافيّة الرّائعة الّتي يعيشون فيها.  

قلت وأكرّر مرارًا بأنّ زحلة ظلمت عندما أسموها عروس البقاع، وأقول ما يجب أن يقال فيها إنّها عروس لبنان، وإذا قالوا عروس لبنان يبقى هناك بعض الإجحاف بحقّها. زحلة يجب أن يقال عنها إنّها عروس الشّرق، لأنّه في الشّرق كلّه لا يوجد منطقة تشبهها، أو تضاهيها جمالاً.

وإذا أردنا مقارنتها بالأهرام أو بترا أو بعلبك أو المدن التّاريخيّة نقول إنّ هذه المدن لولا يد الإنسان لا قيمة لها، إذًا هي مدن صنع البشر، بينما زحلة هي صناعة إلهيّة. زحلة بموقعها الجغرافيّ المميّز الفريد من نوعه وبطقسها وجمال طبيعتها وبأهلها لا مثيل لها.

نشكر الرّبّ على أنّنا خلقنا في هذه المدينة، نشكره على أهلها الطّيّبين، على كرمهم ومحبّتهم.

ميخائيل رئيس الملائكة الّذي لم يستعمل يومًا سيفًا بالرّغم من أنّه رئيس الجنود الملائكيّة ولم يستعمل سلاحًا. قوّة مار ميخائيل هي المحبّة والشّفافيّة واللّاعنف، نطلب من الرّبّ أن يجعلنا على مثال ميخائيل رئيس الملائكة. آمين."

وفي نهاية القدّاس كانت كلمة شكر من كاهن الرّعيّة الأرشمندريت مطانيوس نصرالله، وبعده تبادل الجميع التّهاني في صالون الكنيسة.