لبنان
26 نيسان 2022, 05:00

المطران ابراهيم من المنصورة: نحن بلد الحضارة بالرّغم من كلّ المصائب الّتي تصيبه

تيلي لوميار/ نورسات
في الأحد الجديد والمعروف بأحد القدّيس توما، احتفل رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك إبراهيم مخايل ابراهيم بالقدّاس الإلهيّ في كنيسة القدّيس جاورجيوس- المنصورة- البقاع الغربيّ، والّتي نظّمت استقبالاً له على طريق الكنيسة، حيث سار أمامه حملة الأعلام والشّبيبة والجوقة وسط التّراتيل ونثر الأرزّ والورود.

بعد الإنجيل المقدّس، كانت عظة للمطران ابراهيم جاء فيها :"المسيح قام... حقًّا قام.  

عندما نردّد هذه الكلمات بصوت عالٍ نتذكّر السّيّد المسيح عندما كان يجتمع أمامه الآلاف من النّاس ويخطب فيهم. لم يكن يوجد في ذلك الوقت مكبّرات صوت أو ميكروفونات، وهذا يعني أنّ يسوع كان صوته قويًّا. قد ينزعج البعص اليوم من الصّوت العالي، لكن هذا الصّوت العالي مهمّ جدًّا في ايصال الكلمة والحقيقة لكي تطال الجميع فتشملهم البشرى الحسنة.

أنا اليوم سعيد جدًّا أن أكون في هذه البلدة المنصورة الّتي هي اسم على مسمّى، المنصورة من الله والمنصورة من اهلها وكلّ من يدخل إليها يصبح منصورًا بنصرة الله الّذي إذا ناصرنا أصبحنا أقوياء كما نرتّل في زمن الصّوم "إنّ الله معنا فاعلموا أيّها الأمم وانهزموا لأنّ الله معنا". الله ناصرنا، الله قوّتنا ومخلّصنا لذلك لا شيء يقوى علينا ولا حتّى الأزمات والمشاكل والهموم، الفقر والضّياع، اليأس والإحباط، كلّ هذه الأشياء لا تستطيع أن تكسرنا لأنّنا أبناء المنصورة الّتي نأمل أن تبقى عامرة بأولادها وأبنائها، بهذه الوجوه والقلوب الطّيّبة الحاضرة معنا اليوم، حيث استقبلني شبابها وشيبها وأطفالها وكبارها هؤلاء هم غنى الكنيسة وكنزها الّذي لا يثمّن بثمن. في أوقات كثيرة أعيننا تتوجّه نحو الأماكن الغنيّة من العالم من مدن وغيرها، دائمًا نظرنا نحو الخارج ولدينا جهل للكنز الّذي نتنعّم به الّذي هو لبنان وهذا البقاع الغنيّ بأهله وتاريخه. عندما كانت توجد هنا الحضارة اختار الرّومان بناء ثاني أكبر معبد رومانيّ خارج روما في الإمبراطوريّة، في بعلبك، ونشروا الحضارة كغيرهم من الّذين عرفوا أكثر منّا قيمة بلادنا. لا تعتقدوا أنّ الغزوات غبيّة لكن على العكس هي ذكيّة. عرف الغزاة أين تقع أجمل وأغنى بقاع العالم وذهبوا لاحتلالها لأنّها غنيّة ومتحضّرة. في الوقت الّذي كانت لدينا حضارة لم تكن كبريات مدن العالم موجودة بعد. اليوم يقولون عن أوروبا إنّها القارّة العجوز ولا يستطيعون أن يشبّهونا بها لأنّ رعايانا وكنائسنا وبيوتنا تعجّ بالشّباب، نحن بلد بالرّغم من كلّ المصائب الّتي تصيبه ومعظمها من الخارج، هو بلد الحضارة، بلد الكتاب المقدّس ويرد ذكره فيه أكثر من سبعين مرّة، وأنا أعتبر سهل البقاع أرض مقدّسة كما كلّ لبنان. الأراضي المقدّسة ليست حصرًا أراضي فلسطين، هذه المنطقة كلّها من الشّرق كانت أراضٍ مقدّسة وجال فيها السّيّد المسيح وكان يحبّ ترابها والسّير فيها."

وعن القدّيس جاورجيوس قال: "وأنا معكم اليوم في كنيسة القدّيس جاورجيوس لا بدّ أن نتحدّث عن صاحب العيد الشّهيد العظيم المظفّر الّذي قدّم شبابه بعمر 23 سنة من أجل إيمانه بالمسيح. وهنا أتوجّه إلى شبابنا الحاضر معنا لأقول ليس هناك عمر للقداسة، الكثيرون من الشّباب ممكن أن يكونوا قدّيسين أكثر من الكبار، وكلّما انحدرنا في العمر كلّما زادت القداسة لأنّ يسوع قال "إن لم تعودوا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت السّماوات" والعلم اللّاهوتيّ هو علم انحداريّ نحو الطّفولة والتّواضع وليس علم ارتفاعيّ نحو عدد السّنين والخبرة والحكمة الّتي نعتبرها حكرًا على المسنّين. يسوع كرّس حقيقة أخرى حول معرفة الحقائق الإلهيّة، كرّس معرفة الأطفال لله، وهكذا القدّيس الشّهيد جاورجيوس بقي الطّفل المؤمن بيسوع المسيح ولم يخف على الإطلاق من أيّ مسؤول في الأمبراطوريّة الّتي كانت تقتل المسيحيّين. نحن اليوم مع الأسف نخالف شهادة المسيحيّين في ذلك العصر ونخالف طريقة حياتهم لأنّنا أحيانًا كثيرة نعبد الزّعيم والسّياسيّ ورئيس العشيرة وهذه العبادة لا تجوز إلّا لله وحده. إذا تخلّصنا من عبادة الزّعيم في بلدنا لبنان وعبدنا الله وحده وكرّمنا لبنان وحده هذا البلد الّذي لا يضاهيه أيّ بلد بجماله في العالم نكون في الطّريق الصّحيح. علينا أن ننظر إلى لبنان بمنظار التّاريخ والعراقة والحضارة وليس بمنظار الأزمة الاقتصاديّة الّتي يمرّ بها اليوم وعندها نفتخر بأنّنا لبنانيّون.

اليوم في هذا العيد المبارك نقتفي آثار القدّيسين، هذه هي القداسة الّتي علينا العودة للاستحواذ عليها ونكتسبها بالقداسة والخدمة، خدمة الكنيسة والدّفاع عنها من كلّ ما تتعرّض له."

ووجّه ابراهيم تحيّة خاصّة إلى راعي أبرشيّة المخلّص في كندا المطران ميلاد الجاويش ابن المنصورة، فقال:" اليوم وبإسمكم جميعًا أوجّه تحيّة كبيرة إلى سيادة المطران ميلاد الجاويش لأنّ هذا الأسقف هو خادم وكان لديه الجرأة أن يقول أمام هذا المذبح أنّه فلّاح ابن فلّاح وهذا غنى لا يستطيع أحد أن يسرقه منّا، هذا هو الفرح المزروع فينا وهذه هي الكرامة الّتي أعطيت لنا مجّانًا.  

سيّدنا ميلاد كان بمثابة ابن لي، كان تلميذي في الإكليريكيّة في بكفيّا، وكان أفضل التّلامذة على الإطلاق ومن كلّ النّواحي، مثاليّ في ذكائه وأخلاقه وهدوئه وتركيزه وشخصيّته المميّزة.

مهما بعد عنّا يبقى سيّدنا ميلاد ابن هذه البلدة العريقة المنصورة من الله، ويبقى سيّدنا ميلاد أينما كان منصورًا من الله وسفيرًا لهذه البلدة الرّائعة. أحيّي والدته وأهله الحاضرين معنا، وكلّ أبناء هذه البلدة.

لا تعتبروا أنفسكم أنّكم من الأطراف في الأبرشيّة، أنتم قلب الأبرشيّة النّابض والأسقف موجود لخدمتكم ولي الشّرف أن أكون إلى جانبكم في هذه الظّروف الصّعبة وفي كلّ الظّروف".

وفي ختام القدّاس، كانت كلمة بإسم شبيبة الرّعيّة أطلعت خلالها تيريزيا عبّود ابراهيم وعلى تطلّعات الشّباب للمستقبل طالبة بركته ورعايته.

بعد القدّاس، انتقل المطران ابراهيم إلى قاعة الكنيسة حيث كان في استقباله إمام المنصورة الشّيخ يحيا بعلبكي الّذي هنّأه وتمنّى له التّوفيق، كما صافح أبناء البلدة وشكرهم على محبّتهم.

وختام الزّيارة كان في منزل أهل المطران ميلاد الجاويش بحضور رئيس البلديّة داني الجاويش والأب طوني رزق، واطمأنّ المطران ابراهيم إلى الأوضاع وبحث أمورًا تهمّ البلدة مع رئيس بلديّتها.