لبنان
13 كانون الثاني 2025, 13:30

المطران إبراهيم: نرجو أن يكون انتخاب الرّئيس بداية لزمن العمل الصّادق من أجل بناء وطن مستقرّ وآمن

تيلي لوميار/ نورسات
في الأحد الثّاني من عيد الظّهور الإلهيّ، ترأّس رئيس أساقفة أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران إبراهيم إبراهيم القدّاس الإلهيّ في كنيسة مار يوسف- حوش الأمراء، كانت له فيه عظة انطلق فيها من الآية الإنجيليّة: "اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ." (إش 9: 2)، وقال:

هذا النّصّ النّبويّ ليس مجرّد كلمات نقرأها ونمضي، بل هو دعوة إلهيّة للتّأمّل في سرّ حضور الله وسط الظّلمات، وهو إعلان للرّجاء والرّجوع إلى النّور الإلهيّ. دعونا نقف أمام هذه الآية كما نقف أمام نافذة تطلّ على قلب الله، نافذة تكشف لنا عمق محبّته ورحمته.

في البداية، يدعونا النّصّ إلى الاعتراف بالواقع الّذي نعيشه: الظّلمة. الظّلمة الّتي يتحدّث عنها النّبيّ إشعياء ليست مجرّد غياب الضّوء الفيزيائيّ، بل هي رمز لكلّ ما يُثقِلُ كاهلَ الإنسانِ ويعيقُه عن العيش في ملء النّعمة الإلهيّة. إنّها ظلمة الخطيئة، وظلمة الألم، وظلمة الحَيرة الّتي تغمر النّفس البشريّة عندما تبتعد عن الله، وظلمة الحروب والاضطرابات الّتي تعصف بالشّعوب وتتركها تائهة بلا هدى.

لكن وسط هذا الظّلام، يظهر لنا وعد الله: "أبصروا نورًا عظيمًا." هذا النّور ليس مجرّد أمل عابر، بل هو نور المسيح الّذي تجسّد ليضيء العالم بأسره. إنّه النّور الّذي جاء ليبدّد عتمة القلوب ويجدّد حياة البشريّة. الله لم يترك شعبه في الظّلمة، بل دخل بنفسه إلى أعماق هذه الظّلمات ليحمل لنا الخلاص.

أرضُ ظلال الموت هو تعبير قوي يستخدمه النّبيّ ليصف حال البشريّة الّتي تشعر أحيانًا وكأنّها محاصرة بالموت من كلّ جانب. ألا يعكس هذا واقعنا اليوم؟ ألا نشعر أحيانًا وكأنّنا نعيش في عالم تسوده ظلال الخوف والاضطرابات، حيث الأمان يبدو بعيد المنال؟ لكن اشعياء النّبيّ لا يتوقّف عند وصف الظّلام والموت، بل ينقلنا إلى الرّجاء: "أشرق عليهم نور."

النّور هنا ليس مجرّد ضوء خارجيّ، بل هو حضور الله نفسُه. حضورٌ قادر أن يحوّل الحزن إلى فرح، واليأس إلى رجاء، والموت إلى حياة. إنّه نور المسيح الّذي يقول: "أنا نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظّلمة بل يكون له نور الحياة" (يو 8: 12).

أيّها الأحبّاء،

هذه الآية تعكس واقعًا عاشه شعب إسرائيل في زمن إشعياء، كما تعكس واقعًا نعيشه نحن اليوم في أوطاننا وفي قلوبنا. حينما ننظر إلى حال العالم، نجد أنفسنا أحيانًا كمن يسير في وادٍ مظلم. الحروب تشتعل، والأزمات الاقتصاديّة تخنق الشّعوب، والقيم الإنسانيّة تتآكل. في لبنان، عشنا سنوات من الظّلمة، حيث كان الفراغ السّياسيّ والحروب والأزمات الاقتصاديّة كأنّها ظلال موت تخيّم علينا.

لكن رجاءنا في هذه اللّحظة، ونحن نحتفل ببدء سنة جديدة وانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، هو أن يكون هذا بدايةَ نور جديد. نورٍ يبشّر بالخروج من أزمنة الظّلمة والانتقال إلى زمن السّلام والاستقرار.

النّور الّذي يبشّر به إشعياء ليس نورًا خارجيًّا فقط، بل هو نور يشرق في داخل قلوبنا. إنّه دعوة لأن نكون شعبًا يسلك في النّور، أن نحمل هذا النّور إلى الآخرين في حياتنا اليوميّة. فالله لا يريدنا فقط أن نبصر النّور، بل أن نصبح نحن أنفسنا نورًا للعالم، كما قال يسوع: "أنتم نور العالم" (مت 5: 14).

لنكن صادقين مع أنفسنا: الظّلمة ليست فقط ما يحيط بنا، بل هي أحيانًا ما نحمله في قلوبنا من انقسامات، من عدم غفران، من فقدان للرّجاء. النّور يبدأ من الدّاخل، حينما نفتح قلوبنا للمسيح وندعوه أن يشرق فيها.

أيّها الأحبّاء،

لبنان، بلدُنا الحبيب، مرّ بسنوات طويلة من الظّلمات، حيث غابت الرّؤية الواضحة وضاقت الآمال، ووجد الشّعب نفسه مرهقًا بالفراغ السّياسيّ، والانقسامات، والضّائقة الاقتصاديّة والحرب الأخيرة المدمّرة. لكنّنا اليوم نقف على عتبة مرحلة جديدة مع انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة بعد فراغ طويل. هذا الحدث الّذي نرجو أن يكون بداية لزمن النّور، زمن العمل الصّادق من أجل بناء وطن مستقرّ وآمن.

السّنة الجديدة الّتي نعيشها ليست مجرّد تغيير في التّواريخ، بل هي فرصة لفتح صفحة جديدة في حياتنا كأفراد وكشعب. هي دعوة لكي نكون شعب النّور، أن نحمل الإيمان والرّجاء في قلوبنا، ونعمل جاهدين لننقل هذا النّور إلى الآخرين، لأنّ الظّلمة لا يمكن أن تقهر النّور مهما كانت كثافتها."

هذا رفع إبراهيم الصّلاة على نيّة راحة نفس والد القيّم العامّ للرّهبانيّة الباسيليّة المخلّصيّة الأب جيلبير ورده، ناصيف ورده، سائلًا الله أن يمنح عائلته التّعزية والسّلام.

وأنهى متضرّعًا أن تكون السّنة الجديدة سنة خير ونور على هذه الرّعيّة وعلى الرّهبانيّة الباسيليّة المخلّصيّة وعلى لبنان.