الأراضي المقدّسة
16 تشرين الأول 2024, 11:40

المسيحيّون في غزّة: وحدة المصير من البشارة إلى التحدّيات الحديثة (3)

تيلي لوميار/ نورسات
كتب سند ساحليّة عن مسيحيّي غزّة. نتشارك ما كتب في أجزاءٍ أربعة على موقع تيلي لوميار ونورسات الرسميّ.

 

يواجه المسيحيّون في فلسطين، في العصر الحديث، تحدّيات كبيرةً، بما في ذلك الصراعات المستمرّة والضغوط الاقتصاديّة والاجتماعيّة. بعد النكبة الفلسطينيّة الأولى سنة 1948، ثمّ الاحتلال الإسرائيليّ للضفّة الغربيّة والقدس وغزّة عام 1967، انخفضت أعدادهم إلى ما دون الـ35%.

اليوم، تشير التقديرات إلى أنّ عدد المسيحيّين في الضفّة الغربيّة والقدس وغزّة لا يتجاوز الـ 50 ألفًا، يتوزّعون على القدس، وبيت لحم، وبيت جالا، وبيت ساحور، ورام الله، وعلى بلدات وقرىً مثل بيرزيت، والطيبة، وجفنا والزبابدة.

في منتصف ستّينيّات القرن الماضي، راوح عدد المسيحيّين في غزة بين ستّة آلاف وسبعة، ثمّ، منذ أن بدأ الحصار الإسرائيليّ على غزّة في عام 2007، أجبر الكثير منهم على الهجرة، واقترب عددهم  من 3,000 شخص، وتقلّص إلى ألفٍ ومئتين تقريبًا قبل أكتوبر 2023، ليمسي اليوم، 600 فقط.

على الرغم من هذه التحدّيات كلّها، لا تزال هناك جماعةٌ مسيحيّةٌ صغيرةٌ ولكنّها نشطةٌ تسعى جاهدةً إلى الحفاظ على حضورها وتراثها وثقافتها في غزّة. تعمل بجدّ للحفاظ على خصوصيّتها ضمن الإطار الأوسع للثقافة والتراث الفلسطينيّ الجامع. من خلال مشاركتهم في الحياة اليوميّة والمناسبات الثقافيّة والدينيّة، يساهم المسيحيّون في غزّة في الحفاظ على التنوّع الذي طالما تميّزت به فلسطين، مؤكّدين أهميّة الوحدة والعيش المشترك والتناغم بين مكوّنات المجتمع الفلسطينيّ.

وفي هذا السياق، لا بدّ من الإشارة إلى الدور الحيويّ الذي تلعبه البطريركيّة اللاتينيّة في القدس في دعم صمود الجماعة المسيحيّة في غزّة في خلال الحرب. تقدّم البطريركيّة مساعدات إنسانيّةً وإغاثيّةً لمواجهة الظروف الصعبة التي يمرّ بها سكّان غزّة بشكل عامّ، ما يساهم في تعزيز الأمل والسلام والكرامة الإنسانيّة في المجتمع، ويزيد من قدرتها على مواجهة التحدّيات.

مع استمرار الحرب الإسرائيليّة على غزّة التي ما زالت تخلّف آثارًا مدمّرةً على مختلف نواحي الحياة في القطاع، يعاني المسيحيّون الفلسطينيّون، شأنهم شأن باقي أبناء شعبهم من تبعات هذه الحرب على وطنهم.

صحيح أنّ عدد المسيحيّين في فلسطين يتدنّى متّجهًا حتّى نحو زوالهم، لكنّ مستقبلهم هو مستقبل المشرق عمومًا وفلسطين خصوصًا، كما قال البطريرك ميشيل صبّاح، البطريرك السابق للاتين في القدس، في حديث سابق لـ "نبض الحياة".

وقد رأى البطريرك صبّاح أنّ المسيحيّين ليسوا مميّزين عن غيرهم، وأنّ "الألم واحدٌ، ولا يوجد ألمٌ مسلمٌ وألمٌ مسيحيٌّ، ولا توجد تضحيةٌ مسيحيّةٌ وتضحيةٌ مسلمةٌ؛ توجد تضحيةٌ فلسطينيّةٌ مسيحيّةٌ ومسلمةٌ… ومستقبلنا هو مستقبل فلسطين كلّها".  

إنّ الحرب المستمرّة والقصف العشوائيّ يضعان السكّان في حالة خوف وتوتّر دائم، ممّا يجعلهم يشعرون بعدم الأمان. وقد يكون المسيحيّون مستهدفين بشكل خاصّ أحيانًا بسبب هويّتهم الدينيّة، بالإضافة إلى سعي بعض الجهات الصهيونيّة والمتطرّفة إلى تحويل الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ إلى صراع دينيّ.