المسيحيّون في غزّة: وحدة المصير من البشارة إلى التحدّيات الحديثة (1)
كتب سند ساحليّة:
"تعود جذور المسيحيّة في غزّة، كما هو الحال في فلسطين عمومًا، إلى عصورها الأولى، حيث انطلقت البشارة المسيحيّة من مهدها في فلسطين إلى الأمم جميعها. يُعتقد أنّ المسيحيّة وصلت إلى غزّة في القرن الأوّل الميلاديّ، وكانت واحدةً من المدن التي زارها الرسل الأوائل.
في الفترة البيزنطيّة، أصبحت غزّة مركزًا بارزًا للمسيحيّة، وفيها تمّ بناء كنائس وأديرة عديدة. لعبت دورًا فريدًا واكتست أهميّةً خاصّة في تطوّر الإيمان وتاريخ الحركة الرهبانيّة المسيحيّة. في القرن الرابع الميلاديّ، صار القدّيس هيلاريون الكبير من أوائل الرهبان الذين أسّسوا هذا النمط من الحياة في غزّة وفلسطين. تأثّر هيلاريون بالقدّيس أنطونيوس الكبير، الذي يُعتبر مؤسّس الرهبانيّة المسيحيّة في مصر، وبدأ حياة الزهد والتقشّف في غزّة، ممّا ساهم في نشر الرهبانيّة في المنطقة.
تأسّست الكنيسة الأولى في غزّة حوالى عام 250 ميلاديّ، وشهدت نموًّا وتوسّعًا كبيرًا في القرن الرابع بفضل القدّيس برفيريوس. ولا تزال الكنيسة التي تحمل اسمه اليوم، كنيسة القدّيس برفيريوس للروم الأرثوذكس، تحتفظ بقبره.
تعرّضت الكنيسة للقصف من قبل سلاح الجوّ الإسرائيليّ في 19 تشرين الأوّل/أكتوبر 2023 إبّان معركة طوفان الأقصى. كان مجمّع الكنيسة يؤوي مئات النازحين الفلسطينيّين وقت الغارة الجويّة، بعد أن تحوّل ملجأً للعديد من السكّان المسيحيّين والمسلمين في غزّة في خلال الحرب. وقد أدّى القصف إلى استشهاد 18 شخصًا من المسيحيّين...
ومع دخول المسلمين فلسطينَ في القرن السابع الميلاديّ، استمرّ المسيحيّون في العيش في غزّة، لكنّ أعدادهم بدأت بالتراجع، وعلى مرّ العصور، شهدت غزّة تغيّرات سياسيّةً واجتماعيّةً عديدةً أثّرت على هذا الوجود.