المسيحيّون في العراق يَفْتَرِسُهُم القلق، والهجرة مستمرّة
قال الأب البطريرك مار روفائيل ساكو: "إنّها أحداث موجعة لا تزال راسخة في الأذهان في ليلة6-7 آب / أوغسطس 2014، خرج نحو 120.000 ألف مسيحيّ في حالة من الرعب، من بلدات سهل نينوى بلباسهم، تاركين كلَّ شيء يملكونه، للنهب والسلب، من قبل عناصر التنظيم، وعدد من الجيران!"
تابع البطريرك ساكو: " لجأ معظمهم إلى مدن أقليم كردستان الآمنة، واستقبلتهم الكنائس الكلدانيّة التي تبقى مصدر قوّة للمسيحيّين، في عينكاوا / إربيل، ومدن وقرى دهوك وزاخو والسليمانيّة. وعلى مدى ثلاث سنوات قامت الكنائس بتنوّع مسمّياتها، بدعم من الجمعيّات الخيريّة، بتوفير السكن والطعام ومواصلة الدراسة لمن هم في سنّ الدراسة".
وأردف قال: "وعلى الرغم من تحرير مناطقهم عام 2017، وقيام الكنائس والجمعيّات الخيريّة بتأهيل بيوتهم ومدارسهم وكنائسهم ودعمهم، لم يرجع سوى 40% منهم إلى مناطقهم، أمّا الباقون فهاجروا إلى بلدان الشتات، أو استقرّوا في إقليم كردستان الذي استقبلهم، وذلك بسبب غياب الثقة بمستقبل مستقرّ وآمن في أماكنهم الأصليّة، بل حتّى أنّ بعض الكنائس نقلت مقرّها إلى عينكاوا، وشيدّت لها كنائس خاصّة في الإقليم".
وقال البطريرك أيضًا:" هذه المأساة الجماعيّة بحقّ المسيحيّين والأقليّات الأخرى لا تزال عالقة في أذهانهم. وقد عمقها ما يتعرضون له بعد التهجير من انتهاكات تفزعهم وتدفعهم إلى الهجرة، وتهدّد استمراريّة وجودهم في بلدهم الأمّ، أذكر منها: هيمنة الميليشيّات على مناطقهم، والإقصاء الوظيفيّ بسبب منطق المحاصصة، وعدم دفع رواتب موظّفي إقليم كردستان بانتظام، وقانون الأحوال الشخصيّة لا سيّما أسلمة القاصرين، والاستحواذ على مقدّراتهم وأملاكهم من جهات سياسيّة مُتنمِّرة".
ثمّ قدّم البطريرك ساكو بعض الإحصائيّات:
• نحو1275 مسيحيّ قُتلوا في حوادث عنف متعدّدة في عموم العراق في الفترة بين عام 2003 – 2023.
• اختُطف عدد من رجال الدين في الموصل وفي بغداد واستُشهِدَ عدد منهم، المطران بولس فرج رحو، رئيس أساقفة الموصل للكلدان والآباء: رغيد كني وبولس اسكندر، ويوسف عادل، والأبوان ثائر عبدال ووسيم صبيح في مذبحة سيّدة النجاة( 2010).
فُجِّرت 85 كنيسة ودير في بغداد والموصل والبصرة من قِبَل المتطرّفين ثمّ داعش.
. الاستحواذ على 23 ألف بيت وعقار لهم وللأقليّات.
• هجرة أكثر من مليون مسيحيّ إلى الخارج قلّصت عددهم بشكل كبير.
ثمّ استعرض البطريرك روفائيل ساكو بعض الحلول الدائمة:
1يُنتظر من الدولة الاعتراف بخصوصيّة سكّان بلدات سهل نينوى المكسورين، واحترام هويّتهم ودعمهم، وسحب الميليشيات من مناطقهم وتأمينهم....
2 الفكر الإلغائيّ ليس لصالح الإسلام. أديولوجيا داعش ومثيلاتها، يلغي كلّ ما يختلف معهم في الحياة والدين. وهم يستخدمون العنف والقتل وحرق الكرامات للقضاء على الاختلاف، ولا يفهمون أنّ العالم تغيّر، وأنّ التنوّع الدينيّ والمذهبيّ والثقافيّ وحريّة التعبيّر غَدَت قيمًا معترفًا بها عالميًّا. يجب تجريم وإدانة من يحرّض على الكراهية والعنف بالطرق المختلفة ومنها التواصل الاجتماعيّ. وهنا نشدّد على دور القيادات الدينيّة المؤثّرة في اشاعة القيم الإنسانيّة والوطنيّة المشتركة.
3. إنّ ما يُعيد الأمل إلى المواطنين أيّا كانت إنتماءاتهم هو أن تعمل الحكومة والأحزاب، على وضع خارطة طريق لإصلاح الأمور وبناء دولة ديمقراطيّة حقيقيّة مدنيّة، مستقلّة وقويّة، تتجاوز التوتّرات الطائفية، وتحتضن المواطنين بأطيافهم، ومكوّناتهم الدينيّة والقوميّة المختلفة على حدٍّ سواء، مستندة إلى قاعدة دستوريّة عادلة. وتقوم على اعطاء الأولوية للتربية وتثقيف مواطنيها وتنشئتهم على الولاء المطلق للوطن.
هذه البيئة الملائمة ستشجّع الكفاءات والنخب على العودة إلى البلاد، وتجلب استثمارات وتخلق فرص عمل، وتساهم في إعمار البلد وازدهاره، وتضع العراق في مصاف الدول المتحضّرة.