لبنان
16 تشرين الثاني 2023, 10:30

المتروبوليت سلوان يوجّه رسالة رعائيّة إلى أبرشيّته مع بدء صوم الميلاد

تيلي لوميار/ نورسات
مع بدء صوم الميلاد، وجّه راعي أبرشيّة جبيل والبترون وما يليهما للرّوم الأرثوذكس (جبل لبنان) سلوان موسي رسالة رعائيّة إلى أبنائه تحت عنوان: يوسف ومعيّة يسوع وأمّه في أيّامنا "قمْ وخذ الصبيّ وأمّه" (متى 2: 13 و20)، جاء فيها:

"ها صومنا قد ابتدأ محفّزًا استعدادنا لاستقبال المولود من العذراء مريم في بيت لحم. إنّه استعداد لنرافق فيه الطّفل وأمّه، على غرار يوسف، خطيب مريم، وخدمته للتّدبير الخلاصيّ. لا شكّ أنّ خدمة يوسف هذه عرفت ثلاث محطّات: ما سبق الولادة، ثمّ الأحداث المرتبطة بالولادة نفسها، وأخيرًا الأحداث الّتي تلت هذه الولادة.  

لا شكّ أنّ سحابة قاتمة ظلّلت المحطّة الثّالثة من هذه الخدمة، على ضوء انكشاف نوايا هيرودس لقتل الصّبيّ، فأمر الملاكُ يوسفَ بأن يأخذ يسوع وأمّه ويهرب بهما إلى مصر، وثمّ أمره بعد حين بأن يعود بهما إلى إسرائيل. بين فترة الذّهاب والعودة، بطش هيرودس بأطفال بيت لحم من عمر سنتَين وما دون.  

ما إن وُلد لنا صبيّ جديد، وهو الإله الّذي قبل الدّهور، حتّى انقضّت عليه قوى الشّرّ لتقضي عليه. ببروز الحامل الحياة في ذاته، انكشفت حقيقة قوى الموت الكامنة في الإنسان والّتي تستعبده حتّى تهلكه فيهلك معه قريبه ويجهز على كلّ ما يمكن أن يشكّل له خلاصًا منها.  

نعم، الحياة الجديدة برزت والإنسان الجديد وُلد في بيت لحم. النّور ظهر والظّلام لم يدركْه. قوى الموت إلى انحسار واضمحلال وتلاشي، وفساد الطّبيعة الإنسانيّة إلى تجديد وقيامة، والإنسان السّاقط ينهض ولباسه ورق التّين يُستبدل بمجد ابن الله.  

إنْ التفتْنا إلى عالمنا، لاسيّما المعاصر لنا، نلمس لمس اليد معنى ما سبق قوله. فالأحداث الجارية، هنا وثمّة، تصدمنا بما تحمله إلينا من بشاعة الإنسان، من جهة، ومن تشويهه حقيقة نفسه، من جهة أخرى. حلقات الموت تتوالى كثمرة لخطيئة الإنسان. ولا ننسى أنّنا نحن شركاء فيها، كلّ واحد بدرجة مختلفة، فليس أحد بلا خطيئة.  

رُبَّ قائل: ألا يستدعي منّا الظّلام الدّامس المحيق بالإنسانيّة أن نطلب النّور الإلهيّ؟ ألا يدفعنا إدراكنا للدّرك الّذي بلغته الطّبيعة البشريّة أن نستقبل في قلوبنا المولود المجدِّد طبيعتَنا؟ ألا يدعونا فقدان حرص الأخ على أخيه إلى أن نستعيد خدمة يوسف ليسوع وأمّه؟ الإجابة على هذه الأسئلة تساعدنا على سبر بشارة الإنجيل وما تقدّمه لنا وصايا الله من نور وهدي وحكمة وقوّة لنذود بها عن الإنسان المشوَّه بانحرافاته في استخدامه لحرّيّته وطاقاته ومواهبه، بحيث يلاقي الإنسان الجديد، يسوع المسيح، بالإيمان والإكرام والتّمجيد والشّكران، ويلاقي كلّ الذي خُلقوا على صورته بالاحترام النّاجم عن هذه الحقيقة، وبالمحبّة الّذي يدعوه إيمانه إليها، وبالأخوّة الّتي تبقيه ضنينًا على مصير قريبه.  

إنّ مثال يوسف في خدمة يسوع وأمّه، لاسيّما في وقت الظّلام الدّامس الحاصل بأفعال هيرودس، إنّما يستنهض كثيرين سواه، على غراره، ليذودوا بدورهم عن قريبهم الّذي يواجه القوى الّتي تمعن في استعباده، أو تزيّن لنفسها تحقيره بشتّى الوسائل، أو لا تتوانى عن تطويع كلّ فكر أو مورد أو شخص لمآربها ومصالحها الأنانيّة. فهل من حاجة، على سبيل المثال، إلى معاينة ما تصنعه الحروب، على اختلاف أنواعها وأماكنها، لندرك هذه الحقيقة؟

ألا باركْ يا ربّ مساعي مَن هم، على غرار يوسف، يسعون إلى تحقيق قصدك الإلهيّ وتدبيرك من أجلنا.  

ألا أنرْ عيون أقدامنا في السّير إليك في مذود بيت لحم، وإلى قلوب الّذي تضعهم عنايتك في طريقنا لنخدمهم.

ألا أرشدْ قلوبنا لتتّسع إليك وإلى كلّ مَن أقصيناهم عنه، فنتوب ونغفر فترعانا بنعمتك.

ألا أعطِ يا ربّ مَن يذود عن كلّ "أمّ وابنها" في فاقة أو حرب أو استغلال أو خطر، ويبذل ما له، وحتّى حياته.

صومًا ميلاديًّا مباركًا أرجوه لكلّ السّائرين مع يوسف في معيّة يسوع وأمّه!".