لبنان
17 أيلول 2018, 08:42

المتروبوليت بسترس: بالصّليب تتميّز المسيحيّة عن سائر الدّيانات

أحيت كنيسة الصّليب المقدّس في جعيتا عيد ارتفاع الصّليب بقدّاس إلهيّ ترأّسه متروبوليت بيروت وجبيل وتوابعهما للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران كيرللس سليم بسترس، عاونه فيه خادم الرّعيّة الأب القاضي الياس جورج صليبا وكهنة وشمامسة في الرّهبانيّة المخلّصيّة، بحضور فعاليّات المنطقة.

في عظته، تطرّق بسترس إلى معاني العيد وأهمّيّتة في المسيحيّة، فقال بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "تعلّم الأمّ أولادها منذ طفولتهم رسم إشارة الصّليب على جبينهم وصدرهم، وهذه الإشارة يرسمها المسيحيّ قبل كلّ عمل يقوم به، فالصّليب يعطي معنى لحياته ولكلّ أعماله، وهو أنّه منذ معموديّته، قد لبس المسيح، والتزم بأن يعمل كلّ أعماله باسم المسيح، أيّ على مثال المسيح وروح المسيح، الّذي بالصّليب افتدى العالم، ونهج لنا طريقًا جديدًا، هو طريق المحبّة وبذل الذّات في سبيل الآخرين، فهذه هي وصيّة يسوع لتلاميذه: "إنّي أعطيكم وصيّة جديدة، أحبّوا بعضكم بعضًا. ولكن كما أحببتكم أنا، تحبّون أنتم أيضًا بعضكم بعضًا. فإذا أحببتم بعضكم بعضًا عرف الجميع أنّكم تلاميذي، ليس لأحد حبّ أعظم من أن يبذل نفسه عن أحبّائه" (يوحنّا).
إنّ أصل كلّ الخطايا هو الأنانيّة والتّنكّر لله وللآخرين، كما أنّ موجز كلّ الوصايا هو محبّة الله ومحبّة القريب، يقول القدّيس أغسطينوس: ثمّة حبّان لا ثالث لهما: حبّ الله حتّى إنكار الذّات، أو حبّ الذّات حتّى إنكار الله. وهذا ما يعنيه يسوع بقوله: إن أراد أحد أن يتبعني فلينكر نفسه وليحمل صليبه كلّ يوم ويتبعني (لوقا). أيّ أن ينكر ذاته الأنانيّة، ويحمل معي صليب المحبّة. لذلك يقول بولس الرّسول: معاذ الله أن أفتخر إلّا بصليب ربّنا يسوع المسيح، الّذي به صلب العالم لي وأنا صلبت للعالم. ويعني بالعالم عالم الخطيئة بكلّ أنواعها. ثمّ يضيف: فلا يعنني أحد في ما بعد، لأنّي حامل في جسدي سمات الرّبّ يسوع (غلاطية). وهذه السّمات هي كلّ ما يتعرّض له المسيحيّ في حياته من آلام، وما يقوم به من أعمال محبّة.
فالحياة المسيحيّة هي برمّتها حياة شهادة. والشّهادة على نوعين؛ قبول الموت شهادة للإيمان بالمسيح، والحياة اليوميّة بحسب روح المسيح وتعاليمه. والدّيانة المسيحيّة لم تنتشر بالسّيف بل بالشّهادة: شهادة الدّمّ الّتي بدأ بها أسطيفانوس أوّل الشّهداء، وتابعها الرّسل الاثنا عشر وسائر الشّهداء المسيحيّين على مدى التّاريخ؛ وشهادة المحبّة اليوميّة، الّتي كان الوثنيّون في القرون الأولى يقولون بشأنها عن المسيحيّين: أنظروا كيف يحبّ بعضهم بعضًا. وهذا ما أكّده يسوع بقوله: إنّ حبّة الحنطة الّتي تقع في الأرض تبقى وحدها إذا لم تمت. أمّا إذا ماتت فإنّها تأتي بثمر كثير. فمن أحبّ حياته أضاعها، ومن أبغض حياته في هذا العالم حفظها للحياة الأبديّة (يوحنّا).
"وأنا، متى ارتفعت عن الأرض، اجتذبت إليّ الجميعّ، قال هذا ليدلّ على أيّة ميتة سيموتها. فالمسيح مات عن جميع النّاس، مزيلاً العداوة بين اليهود وسائر الأمم، بحسب قول بولس الرّسول: إنّه هو سلامنا، هو الّذي جعل من الشّعبين واحدًا، إذ نقض الحائط الحاجز بينهما، أيّ العداوة، وأزال في جسده النّاموس مع وصاياه وأحكامه، ليكون في نفسه من الاثنين إنسانًا واحدًا جديدًا، بإحلال السّلام بينهما ويصالحهما مع الله، كليهما في جسد واحد بالصّليب، الّذي به قتل العداوة.
بالصّليب تتميّزالمسيحيّة عن سائر الدّيانات، هذا ما يؤكّده بولس الرّسول بقوله إنّ المسيح أرسله ليبشر بالإنجيل، ولكن لا بحكمة الكلام، لئلّا يبطل صليب المسيح. فإنّ كلام الصّليب عند الهالكين جهالة، أمّا عندنا نحن المخلّصين، فقدرة الله. وفيما اليهود يسألون آيات واليونانيّون يطلبون حكمة، نكرز، نحن بمسيح مصلوب، عثرة لليهود، وجهالة للأمم، أّمّا للمدعوّين، يهودًا ويونانيّين، فهو مسيح، قدرة الله وحكمة الله. لأنّ ما هو جهالة عند الله أحكم من النّاس، وما هو ضعف عند الله أقوى من النّاس (كورنتس) فالصّليب ليس علامة ضعف، بل هو علامة محبّة الله، الّتي تفوق كلّ إدراك بشريّ.
يسوع بتقدمة ذاته ذبيحة على الصّليب، أبطل كلّ ذبائح العهد القديم، التّي كانت تقدّم لمغفرة الخطايا، وهذا ما عبّر عنه قول يوحنّا المعمدان عن يسوع: هوذا حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم (يوحنّا) والصّليب لا ينفصل عن القيامة، فيسوع خلّصنا بتقدمة ذاته على الصّليب، وقدّسنا وبرّرنا بقيامته من بين الأموات، بحسب قول بولس الرّسول: إنّ الله قد أقام، من بين الأموات، يسوع ربّنا، الّذي أسلم لأجل زلّاتنا، وأقيم لأجل تبريرنا".
إنّ كثيرين يتكلّمون عن المجتمع المسيحيّ، ويريد الجميع الحفاظ على الحضور المسيحيّ في العالم، ولاسيّما في المشرق العربيّ، لكن لا مجتمع مسيحيّ من دون صليب المسيح، ولا يمكن الحفاظ على الحضور المسيحيّ، إلّا من خلال شهادة المسيحيّين لصليب المسيح من خلال تخلّيهم عن أنانيّتهم ومحبّتهم لبعضهم بعضًا، فأين نحن في لبنان من هذا المجتمع المسيحيّ؟".