متفرّقات
31 آب 2020, 13:45

المئوية الأولى لطائر الفينيق: كل أزمة فرصة بقلم حسين الحسيني وهنري زغيب

الوكالة الوطنيّة للإعلام
مئة عام انطوت على إعلان دولة لبنان الكبير، ولا يزال لبنان يولد كل يوم. كطائر الفينيق ينبعث، من رماده، من ركامه، من أحلام أطفاله وذكريات كباره وخبرات مخضرميه.

كل يوم يولد، وكل نهاية عنده بداية. أزماته تكبر معه، لكن في كل أزمة فرصة، ومشاكله مزمنة، لكن لكل مشكلة علاجا. يتراءى للبعض أن الوطن يعاني داء الشيخوخة في ذكرى المئوية، ويغيب عنهم أن الشيوخ وحدهم يُسألون ويُستشارون في الملمات.

على عتبة المئوية الأولى، غابت الاحتفالات في سنة كان يفترض أن تكون حافلة وضاجة، بعدما أحكمت كورونا قبضتها، فشدّت على لبنان والكرة الأرضية برمتها، وبعدما تكاثرت الأزمات عندنا وتناسلت، حتى صارت الأزمة لا تموت إلا بولادة أختها. ومع ذلك، تبقى الذكرى قائمة لمن يؤمنون بوطن قابل للحياة، وقادر في كل لحظة على نفض الركام عنه والانعتاق من شرنقة الإحباط نحو أمل يجب ألا يخبو.

"الوكالة الوطنية للاعلام" أفردت مساحة في ذكرى المئوية الأولى لإعلان لبنان الكبير، سياسية وفكرية، بقلم كل من الرئيس حسين الحسيني، ربيب الأيام اللبنانية، حلوها ومرها، والشاعر هنري زغيب، نحات لبنان الحلو وبنّاء الحلم في وطن جميل. فماذا قالا في الذكرى؟

 

الحسيني: الإخلاص للوطن

كتب الرئيس حسين الحسيني:

كانت فرصة من مئة عام، وقد نهضنا مرة بعد مرة، لكننا كنا لا نكاد ننهض حتى نقع.

أمران:

الأول لماذا؟

ولا مجال للإنكار، فنحن نعلم أن الإخلاص بالولاء للوطن لا يكون إلا بالمساواة بين المواطنين الأحرار وأن المساواة بين المواطنين الأحرار لا تكون إلا بالإخلاص للوطن.

الثاني، لا مهلة للإجابة عن السؤال، أي لا مماطلة. فالفرص الآن لم تعد بالأعوام.

 

زغيب: حتى نستحقه "كبيرا"

كتب الشاعر هنري زغيب:

في منطق الدولة أن تخدم الوطن فتكون راعية كيانه وشعبه في رغد العيش ومتطلبات الحياة.

الوطن هو شعبه النابض على أرضه الأم، وفي دول العالم حيثما يحل ويظل مدينا لوطنه الآب وفاء وولاء.

لذا، حين تقصر الدولة عن دورها، أو تفشل فيه، تسقط هي، ولا يسقط الوطن.

هوذا دورها، الدولة: أن تكون خادمة كيان الوطن وأبناءه، لا أن تجعل الوطن في خدمتها.

رجال الدولة موقتون في فترة محددة، عابرون يحصرهم زمان ومكان، يؤدون فريضتهم ويرحلون.

الوطن باق قبلهم، معهم، بعدهم، لأنه خالد في الزمان والمكان.

حين جبران، من منآه النيويوركي، رأى ما يجري في بلاده من تخبط، وصرخ غاضبا: "لكم لبنانكم ولي لبناني" (مجلة "السائح" - 8 تشرين الثاني 1920)، كان يستقيل من لبنان الدولة لا من لبنان الوطن. رأى بلاده مع "دولة" أول أيلول 1920 انتقلت من أربعة قرون الانتداب العثماني إلى مطلع قرن من الانتداب الفرنسي"، فهجر "الدولة" إلى "الوطن" الذي قال فيه بكل خشوع: "لو لم يكن لبنان وطني لاخترت لبنان وطني".

"دولة" لبنان الكبير، منذ قيامها في أيلول 1920 حتى بلوغها أيلول 2020، هل خدمت "وطن" لبنان الكبير على أرضه وفي العالم، وحافظت عليه شعبا يعتز بدولته على أرضه وحيثما حل في العالم؟

هل "استقر" الكيان اللبناني هانئا بعدما "استقرت" حدوده بإقرار الدول؟

كأنما قدره، هذا اللبنان، أن يكون حيثما هو من الجغرافيا والتاريخ، في نقطة من هذا الشرق يرنو إليها الأبعدون والأقربون، حسدا من حسْنه "اليوسفي"، أو طمعا بكنوزه الفريدة أرضا ومياها وخيرات، حتى كأنه مصلوب على جلجلة هذا الشرق ولا يأْتي يومه الثالث.

حين لفظ الــ"غورو" قراره رقم 336 صبيحة الأربعاء أول أيلول 1920 على درج قصر الصنوبر، هل جميع من تحلقوا حوله، في تلك الصورة الشهيرة، كانوا من رأْي واحد في إعلان "الدولة" يومذاك؟ وهل تلك السفينة منذئذ أخذت تسير بقيادة قبطان واحد ذي اتجاه واحد إلى وجهة واحدة؟

مع أن البطريرك الحويك، في الوفود الثلاثة إلى باريس منذ مؤْتمر الصلح (1919)، كان دوما يتكلم باسم اللبنانيين بجميع طوائفهم، مع أنه رفض بحزم لبنان الصغير محددا بجبل لبنان وأصر على استعادة الأقضية الأربعة التي سلخها منه العثمانيون، مع أنه، حين قال له أحدهم إن في معظم الأقضية الأربعة مسلمين، أجاب بغضب حازم: "جميعهم لبنانيون"، مع كل ذلك بقي من لا يزالون يرفضون كيان لبنان الحاضر ويرونه "خطأ تاريخيا" أو يربطونه بكيانات أخرى قريبة أو بعيدة.

ما خلاصة قرن كامل، عشية المئوية الثانية؟

إنه الإيمان بلبنان اللبناني، لا بشو?ـينية انعزالية مريضة بل تـمسكا واثقا بكيانه، ومنه فتْحا أجنحته إلى العالم شرقا وغربا دون اتباع ولا استزلام.

هكذا، عندئذ، يستحقنا وطننا، وهكذا نستحق لبنان.