المؤتمر العام لمناقشة وثيقة "رؤية جديدة للبنان الغد، دولة مدنيّة لامركزيّة حياديّة"
بعد النّشيد الوطنيّ اللّبنانيّ استهلّ الرّاعي كلمته بتوجيه تحيّة وشكر لجميع الحاضرين كما شكر لقاء الهويّة السّيادة التي عملت على الوثيقة، وقال: "هذه الوثيقة إيجابيّة وتحمل قسمين، القسم الثّابت والقسم الذي يشكّل مسائل، القسم الثّابت هو أنّ لبنان دولة مدنيّة فمنذ العام 1920 فصل لبنان الدّين عن الدّولة في جملة تقول إنّ الانتماء إلى لبنان يتمّ عبر المواطنة لا عبر الدّين، وإذا أخذنا الدّستور فلا يوجد أيّ شيء يجمع الدّين والسّياسة. أمّا الثابتة الثّانية فهي أنّ لبنان تعدّديّ وهذا جماله فهو مؤلف من مكوّنات عدّة ثقافيّة ودينيّة ضمن وحدة الوطن، وكي نعيش هذه التّعدديّة في الوحدة وُجد ما يُعرف بالميثاق الوطنيّ والذي جدّده اتّفاق الطّائف ونظّمه الدّستور. الثّابتة الثّالثة هي من صميم طبيعة لبنان على الرّغم من أنّها قد تخلق حالة جدل، وهي لبنان الحياديّ لأنّه لا يمكن أنّ لبنان التّعدّديّة والدّيمقراطيّة إذا لم يكن حياديًّا، فهو منذ انطلاقته عام 1943 كان التّركيز على التّحييد والحياد والنّأي بالنّفس، ولو كان البعض اليوم لا يقبلها فأنا أقول إنّ هذا من صميم الهويّة اللّبنانيّة، وهذا ما أسميته القسم الثّابت، أمّا القسم الجديد هو إدخال عناصر تتجاوز الدّستور كما هو اليوم وتتجاوز اتّفاق الطّائف، فنحن نقول دائمًا دعونا ننفّذ اتّفاق الطّائف نصًّا وروحًا، ثم يمكننا السّير إلى الأمام. نحن اليوم أمام طروحات مستقبليّة ولكنّها لا يمكن أن تحلّ مكان اتّفاق الطّائف أو مكان الدّستور، وهذا ما سناقشه اليوم من كلّ جوانبه، وأكرّر التّرحيب بالجميع، كما أشكر الوزير سلامة على ترتيب هذا اللّقاء.
ثم كانت كلمة الوزير السّابق سلامة الذي قال: "غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، سماحة شيخ عقل طائفة الموحّدين الدّروز الغائب الحاضر في قلب اللّقاء بشخص الشّيخ سامي عبد الخالق، سماحة العلّامة الشّيخ علي فضل لله ممثّلًا بسماحة الشّيخ محمد حيدر احمد، أصحاب المعالي والسّعادة، أيّها الحضور الكريم.
لا بدّ لي أوّلًا يا صاحب الغبطة، من أن أخصّكم بالشّكر على استضافتكم لهذا المؤتمر، وعلى رعايتكم له انطلاقًا من تاريخ هذا الصّرح الوطنيّ الجامع للعائلة اللّبنانيّة على اختلاف مكوّناتها،
كما إني أتقدّم من الحضور الموقّر، بالشّكر والامتنان لتلبيتكم هذه الدّعوة لعلّها تساهم في إخراج الوطن من نفق الصّراعات المتشعّبة التي لا تنتهي فصولًا،
حضوركم اليوم أكّد المؤكّد، أنّكم أصحاب إرادة جامحة لوقف الانحدار العاموديّ لقطار الدّولة، وأصحاب حرص كبير على إيجاد الحلول المستدامة لوطن يصارع الموت ويواجه خطر الاضمحلال.
كما يهمّني في سياق التّرحيب بكم، الإشارة إلى تزامن هذا المؤتمر مع وجود رئيس لجنة الحكماء في لقاء الهويّة والسّيادة، الدكتور محمد السّماك، في حاضرة الفاتيكان، حيث قدّم في سياق زيارته، هذه الوثيقة إلى قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس لإطلاعه على مضمونها.
أيّها السّادة، يا نوّاب الأمّة،
لبنان الجريح يناديكم لإنقاذه واخراجه من قلب العاصفة قبل فوات الأوان، مسؤوليّتكم كبيرة في استنباط العلاج، وقيام الدّولة على أسس وقواعد صلبة، لا تزعزع متانتها أزمة داخليّة، أو عاصفة خارجيّة، أنتم أصحاب الشّأن في إقرار، إمّا موت الدّولة، وإما تعافيها وولادتها من جديد.
وعليه، نضع بين أياديكم رؤية جديدة للبنان الغد، عمل لقاء الهويّة والسّيادة على صياغتها وتطويرها، لعلها تساهم في معالجة أزمات لبنان المستعصية، القديمة منها والمستجدّة، وتداوي هواجس اللّبنانيّين المتأتية من تنوّع المجتمع اللّبنانيّ من جهة، ومن أزمات لبنان الاقتصاديّة والاجتماعيّة الضّاغطة من جهة ثانية.
أيّها السادة،
إنّ هذه الوثيقة منبثقة من روح اتّفاق الطّائف الذي حاولوا تنفيذه بمنطق الغلبة، إلّا أنّه تبيّن لهم لاحقًا أنّ لبنان الدّولة والكيان هو الوحيد الذي خرج من معركتهم مغلوبًا، مفكّكًا ومنهك القوى، فكانوا أبرز ضحاياه، بينما أعداء لبنان وحدهم شربوا نخب الانتصار، فهل من يتعظ ويستجيب؟ نعم أيّها السّادة، أنتم استجبتم. من هنا أنتم مدعوّون اليوم، لمناقشة هذه الرّؤية بعمق وتبصّر، لعلّها تكون مركب الخلاص.
أمّا الذين تغيّبوا، حرصًا منهم على حماية دستور مزوّر منع قيام الدّولة، فاستثمروا به وملأوا الفراغ، أم لذمية سياسيّة لم تحفظ يومًا كرامة وطن، أم لنضج سياسيّ لا يزال رضيعًا عند البعض، فلهم نقول إنّنا في لقاء الهويّة والسّيادة، نعتبر الارتهان للخارج أيًّا تكن الجهة المرتهن لها، هو تعدّ صارخ على السّيادة وبمثابة خيانة للوطن، وأنّ حكم التّاريخ لا بدّ آت والتّاريخ لا يرحم.
شكرًا للحاضرين والمجد والحياة للبنان."
ثم كانت مداخلات لعدد من المشاركين .
الشيخ محمد حيدر أحمد حذّر من الانتقال من الطّائفية إلى المذهبيّة أيّ إلى المرحلة الأخطر مشدّدًا على رفضه لاعتبار لبنان بلدًا تعدّديًّا وإنّما بلد ذات تلاوين متعدّدة، رافضًا الحديث عن حقوق المسيحيّين أو المسلمين وإنّما ضرورة التّشديد على حقوق اللّبنانيّين التي تضمن حقوق كلّ المكوّنات.
النّائب سيزار ابي خليل شدّد من جهته على ضرورة الشّراكة بين أبناء الوطن، منوّهًا بما أنجزته النّسبيّة في القانون الانتخابيّ، رافضًا التّخلّي عن دوائر الانتشار، مطالبًا بتوسيع صلاحيّات مجلس الشيوخ.
النّائب سليم الصّايغ اعتبر أنّ أهمّ ما في هذه الوثيقة وجودها ووضعها للمناقشة وهي تتطلّب مؤتمرًا وطنيًّا لما تتضمنّه من نقاط .
ولفت إلى أنّ الميثاق الوطنيّ ليس بين مسيحيّين ومسلمين وإنّما بين نظرتين للبنان، إضافة إلى نقطتي الشّراكة والحياد الذي لا يجب أن يكون ظرفيًّا وإنّما أن يكون من ضمن الميثاق، وشدّد على تحرّي المواطن من طغيان الفقر والعوز فيأخذ حقوقه من الدّولة مباشرة بدون الحاجة إلى حزب أو وساطة.
النّائب أنطوان حبشي سأل عن المانع من تطبيق اللّامركزيّة وهي موجودة في صلب الدّستور، مطالبًا بضرورة احترام الاختلاف مع إعادة قراءة المشكلة بعيدًا عن ربطها بإدارة شؤون المواطن، إذ يمكن أن نبقى فترة طويلة من دون حكومة ولكن ما علاقة الدّواء والنّفايات ولقمة العيش؟
النّائب الياس جرادي أكّد أنّ المشاركة اليوم تنبع من إيماننا بالحوار الديموقراطيّ وصولًا إلى الدّولة التي نحلم بها لأن لبنان بلد عصي على الموت والتّغيير آت لا محالة معربًا عن أمله بأن يصبح لبنان بلدًا منحازًا إلى الإنسانيّة.
النّائب نعمة افرام لفت إلى أنّ مشروع وطن الإنسان الذي يرأس مجلسه التّنفيذيّ يتلاقى مع الكثير من النّقاط المطروحة في رؤية لقاء الهويّة والسّيادة، حيث أنّ مشروع وطن يعمل منذ سنتين على النّقاط المطروحة في هذا اللّقاء اليوم لذا علينا أن ننطلق من السّؤال أين نحن اليوم وإلى أين ذاهبون حتّى يتحقّق التّغيير؟
الإجابة بكلّ بساطة أضاف افرام تكمن في ضرورة الانطلاق باتّجاه المواطنة من العقد الوطنيّ معتمدين على مؤشّر الثّقة .
واضاف: في عمق البحث وجدنا أنّ النّقطة الأساس هي العقد الاجتماعيّ لبناء دولة حقيقة.
شدد افرام على ضرورة تثبيت المناصفة في الإدارة لتسهيل العبور إلى المواطنة، لافتًا إلى أنّ النّسبية في الدّوائر الصّغيرة مهمّة لاسيّما إذا ازلنا القيد الطائفيّ، مشدّدًا على عدم تخصيص مواقع لمذهب او لطائفة (رئاسة الجمهوريّة وغيرها) أمر رائع مع اعتماد المناورة تجنبًا للتّعداد والصّراعات الخفيّة مع كلّ انتخابات، مطالبًا بانتخاب رئيس للجمهوريّة على أساس القاعدة التّأهيليّة من الشّعب على أن يكون التّصويت النّهائيّ لمجلس النّواب، خاتمًا بالمطالبة بأن يكون الدّخول إلى المجلس النّيابيّ على أساس ٦٤ نائبًا و٦٤ شيخًا.
وفي الختام اتّفق المجتمعون على استمرار التّواصل في سياق متابعة النّقاش من خلال حوارات جانبيّة على أمل انعقاد مؤتمر ثاني يصار فيه إلى تحديد الخطوات المستقبليّة.