دينيّة
04 أيلول 2012, 21:00

المؤتمر السنوي التاسع عشر للمدارس الكاثوليكية:

في رعاية وحضور رئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، افتتحت الأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكية مؤتمرها السنوي التاسع عشر في ثانوية مار الياس للراهبات الأنطونيات – غزير، بعنوان \"التلميذ ضامن القيم\".

أولا: حفل الإفتتاح

إلى البطريرك الراعي حضر حفل الإفتتاح وزير التربية والتعليم العالي حسان دياب، والأرشمندريت نقولا حكيم ممثلاً البطريرك غريغوريوس الثالث لحام، ورئيس اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية المطران كميل زيدان، والمطارنة جورج أبو جودة وأنطوان نبيل عنداري وميشال عون ومنير خير الله، والأباتي طنوس نعمة، والأباتي بطرس طربيه، ونائبة رئيس اللجنة الأسقفية الأم دانييلا حرّوق، وعدد من الرئيسات العامات للرهبانيات، والأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار، والأمين العام السابق للمدارس الكاثوليكية الأب مروان تابت، وممثل السفارة الفرنسية كريستوف شايو، وعدد من موظفي القطاع التربوي في السفارة الفرنسية، والنائبان روبير غانم ونضال طعمة، والدكتور أدونيس العكرة ممثلا العماد ميشال عون، والدكتور جان علم ممثلا الدكتور سمير جعجع، ومدير عام وزارة التربية فادي يرق، وعدد من كبار موظفي الوزارة، ورئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء ليلى فياض، وشارل حداد ممثلاً رئيس بلدية غزير القنصل ابراهيم حداد، والأمين العام للمدارس الكاثوليكية في فرنسا إريك دو لا بار، ونقيب المعلمين نعمة محفوض، ورئيس كاريتاس لبنان الأب سيمون فضّول، ورئيس اتحاد لجان الأهل جوزف بطيش، والأخت جوديت هارون رئيسة المدرسة المضيفة، وفاعليات سياسية، وروحية، وتربوية، وبلدية، وإدارية، وأمنية، وثقافية، وإعلامية، وعدد من ممثلي إتحاد المؤسسات التربوية في لبنان.
النشيد الوطني إفتتاحاً، فكلمة تقديم للأب سمعان جميل تلتها صلاة البدء التي تضمّنت ابتهالات للروح القدس لإنجاح المؤتمر، فترانيم للمرنمة جومانا مدوّر ومنها ترنيمة خاصة بزيارة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر إلى لبنان بعنوان "أعطيكم سلامي بعيد الصليب". وألقى الأب عازار كلمة لفت فيها إلى أن المؤتمر يعالج ما يعيشه عالمنا "من أزمة ضمير، وهي أزمة خطيرة واجب علينا جميعاً إزاءها أن نتجند للدفاع عن القيم". وأشار إلى أن في كل المؤتمرات السابقة "كان التلميذ هو المحور الذي نعمل من أجله لنسهّل كل مل يلزم من حسن تنشئته. ومع هذا فقد رأينا هذه السنة، أن هذا التلميذ يستحق مؤتمراً خاصاً به، فاخترنا له موضوعاً دقيقاً هو: التلميذ ضامن القيم. وأملنا أن نقدّم لتلامذتنا ما يساعدهم ليلتزموا منظومة القيم المشتركة وعيشها بقناعة ونقلها والإعلان عنها بجرأة وفرح وشفافية".
وأوضح أن "المؤتمر مبني على سبعة ركائز لمنظومة القيم الروحية والأخلاقية والأكاديمية والجمالية والجسدية والإجتماعية والوطنية". مشدداً على أن "المؤسسة التربوية هي المكان الأفضل للتنشئة على القيم، وفي عصر التكنولوجيا والعلومة نحرص على أن تعزز التربية إنسانية تلامذتنا وضميرهم وانسانيتنا وضميرنا، لأنها تهدف إلى بناء المجتمع الشفاف والأخوي، فالتربية على القيم تساعدنا لنقف سدّاً منيعاً بوجه الإنغلاق والتقوقع والأصولية والتعصّب، والتفتيش فقط عن المصلحة الشخصيّة والأنانيّة، التي يقول عنها الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني أنها خطيئة العالم الكبرى". وأكّد "اننا قادرون على تخطي الخوف لنبني معاً المجتمع الأفضل ولبنان الرسالة الذي يليق بالإنسان. وقادرون بالشفافية أن نخرج من المآزق التربوية الكثيرة لكي نبدع حلولاً ترتكز على قيم المصداقية والشهادة للحقيقة والتضامن مع جميع الناس، لنسهّل للتلميذ مسؤوليته ودوره في أن يكون ضامن للقيم، وفي أن يرى في كنيسته الأم والمعلّمة والخبيرة بالإنسان والداعية إلى حماية كرامته وحقوقه، وليرى في وطنه لبنان، مقلع الحضارة والنبل والأخوّة والعيش المشترك والحوار بين الثقافات والأديان".
وارتكزت مداخلة المطران زيدان على نصوص للبابا بندكتوس السادس عشر بابا روما تتناول موضوع القيم وما تعيشه البشريّة من أزمات على هذا المستوى داعياً المدرسة عموماً "والمدرسة الكاثوليكية خصوصاً لتبني إنساناً راشداً، تام النمو، يلتزم بعهوده وبالقيم الأصيلة الثابتة، ويسهم بعطاءاته في ترسيخ هذه القيم، وبمواجهة الأزمات التي يعيشها مجتمعه وعالم اليوم". ووصف زيدان الأزمة، استناداً إلى ما ذكره البابا بـ"أزمة بنيوية لا تفصيلية وهي على مستوى العقل الذي يحكم مسيرة العالم اليوم. فالعقل أصبح وضعياً وسائلياً ملتصقاً بالتطور. إنه من جهة مرهون بالنسبية، مما يغيّب مسألة الحقيقة، ومن جهة أخرى إنه يلهث وراء المنفعة الذاتية والمتعة والإستهلاك والسيطرة، مما يعرّض القيم لانهيار كبير، لا بل للإضمحلال". وتساءل أمام هذا الواقع "على أي اساس نعيش في واقع اليوم؟ وكيف نحدّد الأسس الأخلاقية والقوى الرافعة للفعل البشري التي من دونها لا تستطيع أن تتقدم الحياة والمجتمعات؟ وعلى أي أسس يقوم الفعل السياسي والإقتصادي...؟". واستطرد موضحاً "من الواضح أن موضوع الأسس في ضوء توصيف الأزمة بثقافية وأنتروبولوجية يطرح مسألة الحقيقة واتصالها بالعقل والإيمان. فلا مجال للخروج من الأزمة من دون العودة إلى الحقيقة التي وحدها تلهم القيم السليمة. وبعيداً عن الحقيقة سيظل العالم رهينة قيم نسبية خاضعة لمبدأ التوافق الأكثري الذي يمليه نظام الحياة العامة اليوم في الديموقراطيات الحديثة".
وختم مختصراً أزمات عالم اليوم كالآتي: "هي قبل كل شيء، أزمة العقل وأزمة الإيمان، وبالتالي أزمة المعنى في حياة الإنسان والشعوب. لقد وقع الإنسان فريسة حيل الوجدان التي تشدّه إلى التغاضي عن مبادئ وجوده إنساناً، وعن قدراته. ولا مجال للخروج من حالته إلا بتكامل العقل والإيمان بحسب القيم. والأزمة تحتاج إلى قيم لتعرف ذاتها أنها أزمة". ودعا ممثلي المؤسسات التربوية إلى جعل تلامذتهم "ضامني قيم، إجعلوهم راجحي العقل وعميقي الإيمان، ليضيؤوا شموعا في ظلام الأزمات، ويبددوا بعض غيوم اليأس عن مجتمعنا وعالمنا".
في كلمته شدّد البطريرك الراعي على أن "كل العمليّة التربويّة وما تختزن من قيم، تنصبّ كلّها على التلميذ، فإنه بحق ضامن القيم. فلا يغيبنّ ذلك عن بال المسؤولين عن التربية وهم: العائلة والرعية، والمدرسة بأسرتها التربوية، والمجتمع الأهلي، والمدني، ووسائل الاعلام، وتقنياتها والدولة. وعندما نقول أن التلميذ ضامن القيم، نعني أن العائلة والمجتمع والدولة تكون غداً ما يكون عليه من قيم تلامذة اليوم". وأضاف "إن المعلّم هو المحور الأساسي لإنجاح العملية التربوية، لكونه ليس فقط ملقّن معلومات ولا مدرب مهارات، بل هو أولاً مربّ، يجسّد في شخصه القيم التي ينبغي أن يربي تلامذته عليها. ما يقتضي منه أن يكون صاحب مهارة وكفاءة وذا شخصية مثالية على المستوى الروحي والأخلاقي والإنساني".
وأوضح أن القيم التي ينبغي أن يتربى عليها التلميذ هي "القيم الروحية والأخلاقية، والقيم العلمية والجمالية، والقيم الاجتماعية والبيئية، والقيم الانسانية والوطنية. هذه القيم هي بمثابة الروح الذي يعطي شكلاً ومعنى وقيمة للجودة العلمية والنوعية الفكرية اللتين تعتني المدرسة بتوفيرهما لتلامذتها بالدرجة الأولى. وكون القيم تتحدّر كلها من الينابيع الروحية، فإننا نطالب إدارات مدارسنا إعطاء الأهمية القصوى للتربية الروحية والارشاد. وتعزيز ساعات التعليم المسيحي، وتأمين القداس الأسبوعي والاعترافات لجميع الصفوف، والعمل على شدّ روابط انتماء التلامذة إلى رعاياهم".
وتمنّى أن "يتكلّل المؤتمر بقرار إصدار "شرعة التربية على القيم" تتناول تحديد القيم، وتوزيع الأدوار في التربية على المسؤولين عن العملية التربوية. من المهم لتحقيق هذا الهدف، أن تقوم بين جميع الأطراف علاقات مودّة وتعاون واحترام. ولكي يتم اعتماد هذه الشرعة في المدارس الرسمية أيضاً، وتبنيها من قبل أسرها التربوية، ينبغي التنسيق في صياغتها مع وزارة التربية الوطنية ونقابة المعلمين وإتحادات لجان الأهل".
وأعلن دعمه لمطالب "الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، المختصّة بمتوجبات الدولة تجاه المدارس المجانية، وبعدالة التشريعات المتعلّقة برواتب المعلّمين، بحيث تتجنب الزيادات العشوائية وتكفّ عن فرض مفعول رجعي لقوانين الزيادات، لكونه ظلماً، إذ يتنافى مع طبيعة القوانين التي تعطي بالأحرى مهلة مستقبلية لتطبيقها. كل ذلك رحمة بالأهل الذين يقعون الضحية فيما يقومون بكل واجباتهم تجاه الدولة، ورفعاً للعبء الذي يرهق المدرسة، ويمنعها من التطوّر وتوفير فرص عمل جديدة للمعلمين وأصحاب الكفاءات الادارية والعلمية والتقنية". وشدد على أنه "لا يحق للسلطة اتخاذ قرارات وسن قوانين بالرضوخ لضغوطات إجتماعية، أو من أجل حسابات سياسية. بل ينبغي توخي العدالة في تأمين الحقوق، مع اعتبار إمكانيات الإلتزام من دون فرض ضرائب جديدة واستدانات، ومن دون ارهاق الأهل، وشل حركة التطور والنمو في المدارس التي إن ظلت على ديناميتها، ساهمت في  المزيد من خدمة الاساتذة والموظفين والتلامذة والخير العام والوطن".
وأوصى "بتطبيق البطاقة التربوية، والقوانين التي أقرّت تأمين التعليم المجاني والإلزامي، أقلّه في المرحلة الابتدائية". كما أيّد "مطالب مجلسي الرؤساء العامين والرئيسات العامات للرهبانيات اللبنانية وخصوصاً المطالبة بالغاء المفعول الرجعي المقرّر، ومبدأ المفعول الرجعي بحدّ ذاته، وبإلغاء فرض ضريبة على المدارس الخاصة، والمطالبة باشراك المسؤولين عن المؤسسات التربوية الخاصة ولجان أولياء التلامذة ونقابة المعلمين وخبراء في القوانين والاقتصاد في كل تشريع يعني التعليم الخاص، بغية الوصول على حلول ترضي الجميع، وتعطي كل ذي حقّ حقه، من دون اللجوء إلى إضرابات وسجالات".
ووقّع عازار ودو لابار اتفاق تعاون بين الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية في لبنان وفرنسا. ولفت دو لابار في مداخلة قبل التوقيع إلى أن "المدرسة الكاثوليكية في فرنسا ولبنان تواجه التحديات والمشكلات الجوهرية عينها، وسوف نتعاون معاً من أجل تذليلها، وتزويد تلامذتنا بالقيم اللازمة حتى يعيشونها في حياتهم التربوية وضمن مجتمعهم اليوم وفي المستقبل".
وتخلّل حفل الإفتتاح عرض لروبورتاج يتناول هواجس الأهل ومطالبهم، وقد أبدوا خلاله نظرتهم إلى هذه القيم وكيف تقدمها لهم مدارسهم. كما أقيم على هامش المؤتمر معرض شارك فيه عدد من تلامذة المدارس بإشراف معلميهم ومديريهم، عرضوا فيه مشاريع تتناول هذه القيم وانتظاراتهم وتطلعاتهم. 
 
الجلسة الأولى
تولى الأب جوزف حرب إدارة الجلسة الأولى، التي استهلّها عميد جامعة القديس يوسف الأب سليم دكّاش بمداخلة شددت على كيفية تربية التلميذ ليكون ضامناً للقيم الروحيّة. وبعد استعراض مجموعة من الملاحظات والتوقف عند العوائق الأساسية التي تقف أمام القيم الروحية وأسلوب التربية على هذه القيم، أطلق دكاش مجموعة من التوصيات وأبرزها يشدّد على: "أهمية اكتساب التلميذ التربية على القيم الروحيّة في عمر مبكر ومن قبل هيئة تربويّة لها خبرتها في هذا المجال وتعيش هي أيضًا القِيَم الروحيّة. ومن المهم ألاّ نفصل بين الروح والجسد وبين القِيَم الروحيّة والحياة اليوميّة بماديّتها وتشعبّاتها ومتطلبّاتها. القِيَم الروحيّة تتجسّد في المادّة بل إنّها تولد من المادّة. يعني أنّ الولادة الروحيّة لا تنفصل عن كيان الإنسان بمجمله العاطفيّ والحركيّ والفكريّ والأخلاقيّ والعلميّ وإلاّ يصبح الجسد جسدًا أيّ أنه معرّضٌ للخطيئة".
وطالب بتعليم التلامذة "إعادة قراءة حياتهم، قراءة قراراتهم وحركاتهم، والتمييز الروحي أيّ أن يميّزوا بين ما هو هامّ وضروريّ، بين ما هو خير وشرّ، بين ما هو موافق للوصايا ومتعارض معها ... في إطار الصلاة اليومية". وشدد على أنه يجب على التلميذ خلال النشاط الإجتماعي أن "يكتشف الآخر ويحبّه أيّ أن يبني علاقة روحيّة فيعاني ويتألّم معه ويعطي للعمل الاجتماعيّ معناه المسيحيّ".
وتحدّث عميد الجامعة الأنطونية في بعبدا الأب جرمانوس جرمانوس عن دور المدرسة الكاثوليكية في ثقل القيم الأخلاقية: التربية "الحياة في المسيح" مشيراً إلى أن "القيم الاخلاقية هي حافظة مسيرة الأنسنة في المجتمعات. وإن عيش القيم الأخلاقية المسيحية هي التمثّل بيسوع المسيح، هو الذي وحدّ الله بالانسان". وأوضح أن "دور المدارس الكاثوليكية إلى جانب الأهل والمجتمع والإعلام والكنيسة هو التربية على العيش في المسيح، لأن الحياة الأخلاقية المسيحية تنبع من الحياة الإيمانية: في العلاقة مع الله". وأوصى المدارس بـ "تعزيز النشاطات الروحية والتربية على عيش الايمان في المدارس ومع الأهل. ومنح مفاتيح تمييزيّة للطالب ليتمكن من محاربة ما ينقل إليه من خلال المجتمع كمبادئ مناقضة للقيم الأخلاقية المؤسسة. إلى جانب تفسير القيم الأخلاقية وترسيخها في ضمير التلميذ لتنمية القدرة التمييزية لديه على عمل الخير لنفسه، وللآخرين، وللمجتمع وللإنسانية والإبتعاد عما يهدم إنسانيته وشخصه والمجتمع".
 
الجلسة الثانية
تسلّم الأب روبير دكّاش إدارة الجلسة الثانية التي تحدّث فيها بداية الأب سيمون فضّول. واقترح فضّول على المدرسة الكاثوليكية في مداخلته التي حملت عنوان "التربية على القيم والعمل المجتمعي" أن "تطوّر برنامج تنشئة إجتماعيّة نظريّة وعمليّة بالإشتراك مع الهيئات الرسمية والمنظمات غير الحكومية". ومن أبرز النقاط التي يقوم عليها التطوير: "توفير حلقات توعية تتناول قضايا الإنسان والمجتمع، وتبنّي قضايا تتّصل بحياة التلامذة والحياة المدرسيّة وتدفع بالقيادات التربوية والمربّين والأهل والخرّيجين إلى العمل من أجل تقدّمها والمساهمة في حلّها. بالإضافة إلى تعزيز تطوّع التلامذة إن في المدرسة ذاتها أو في المجتمع المُحيط أو مع جمعية أو مؤسسة وتوفير محفّزات تشجّع على التطوّع، عبر تعريفهم بعدد من الجمعيات والمؤسسات العاملة في المجتمع، خصوصاً المحليّة منها، وتبنّي العمل معها على قضيّة محدّدة يختارها التلامذة بعد التعرّف على عمل هذه الجمعيات".
وحملت المداخلة الثانية عنوان "وقفِه عَ خطّ الجمال" مع الفنان والشاعر رودي رحمة الذي توقّف بمحطات شعرية  مشهدية عند سفر التكوين الذي يجسّد الخلق والخطيئة الأصلية.