العراق
22 شباط 2018, 06:45

الكلمة الكاملة لممثّل البطريرك يونان في استقبال الرّئيس عون في كاتدرائيّة سيّدة النّجاة- العراق

أثناء زيارة رئيس الجمهوريّة اللّبنانيّة العماد ميشال عون لكاتدرائيّة سيّدة النّجاة ومقرّ مطرانيّة بغداد السّريانيّة الكاثوليكيّة، ألقى رئيس أساقفة بغداد والنّائب البطريركيّ على البصرة والخليج العربيّ وأمين سرّ السينودس المقدس المطران مار أفرام يوسف عبّا كلمة، بتكليف من البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، نشرها موقع البطريركيّة كاملة وقال فيها:

 

"يطيب لي أن أرحّب بكم يا صاحب الفخامة وبصَحبكم أجمل ترحيب في هذا المكان المقدّس، وطئتم أهلاً وحللتم سهلاً... وقد جئتم لتتباركوا من هذه الكاتدرائيّة الّتي تعمّدت بدماء الشّهداء المضرّجة من حناياها والّتي تفوح مع شذا البخور الّذي يُعبَّق فيها كلما رُفعت صلاة وقُرِّب قدّاس.

نعم، إنّها كاتدرائية سيّدة النّجاة، مقرّ رئاسة أبرشيّة بغداد للسّريان الكاثوليك، هذه الكاتدرائيّة الرّائعة الّتي ارتدت حلّةً قشيبةً بهيّة، بعد ترميمها إثر الجريمة الإرهابيّة النّكراء والمجزرة الشّنيعة الّتي ألمّت بها خلال القدّاس الإلهيّ ليلة عيد جميع القدّيسين في الحادي والثّلاثين من شهر تشرين الأوّل / أكتوبر من العام 2010، حيث عاثت الوحوش الكاسرة من الإرهابيّين فسادًا فيها، فانقضّت على الكهنة والمؤمنين وصبّت عليهم جام غضبها وتعصّبها الأعمى، فاستشهد سبعةٌ وأربعون شخصًا، من بينهم كاهنان شابّان، فضلاً عن الجرحى والمصابين.

وقد أضحت دماء هؤلاء الشّهداء الأبرار بذاراً للإيمان بالرّبّ يسوع، ونحن الآن بصدد متابعة دعوى تطويبهم لدى مجمع دعاوى القدّيسين في الفاتيكان.

نعم، يا صاحب الفخامة، جئتم اليوم تزورون هذه الكاتدرائيّة بما تحتضنه من إيمان أصيل ووطنيّة حقّة، جئتم بما تمثّلون من مقام رفيع يعتزّ به ليس فقط اللّبنانيّون إنّما جميع مسيحيّي الشّرق الّذين يرون فيكم الحامي والضّامن لوجودهم والمعبّر عن تجذّرهم في أرض الآباء والأجداد، تلك الأرض الطّيّبة الّتي تعفّرت فيها أرفِتَتُهم ورووها بعرق الجبين والّتي لها عليهم فضل الكرامة والهويّة والانتماء.

نعم يا صاحب الفخامة، تزورون هذه الكنيسة السّريانيّة الكاثوليكيّة الشّاهدة والشّهيدة، الشّاهدة لإيمان آبائها الميامين بالرّبّ يسوع المسيح الفادي والمخلّص، والشّهيدة في سبيل هذا الإيمان وهي تبذل الغالي والنّفيس دفاعًا عنه وأمانةً له، حتّى أنها تسترخص الدّمّ والحياة من أجل هذا الإيمان.

يشرّفنا أن نرحّب بكم أيُّما ترحيب، باسم أبينا وراعي رعاة كنيستنا السّريانيّة الكاثوليكيّة، صاحب الغبطة مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان بطريرك السّريان الكاثوليك الأنطاكيّ ورئيس الكنيسة السّريانيّة الكاثوليكيّة في العالم، الّذي بفرح وافتخار كلّفنا أن نستقبلكم باسمه، وغبطتُه كما جميع أبناء كنيستنا السّريانيّة في لبنان وفي العراق والعالم يكنّون لشخصكم الكريم كلّ تقدير وإكرام ومحبّة، ويُكبِرون بكم التّضحيات الجسام الّتي بذلتم ولا تزالون تبذلون ذودًا عن حياض وطنكم لبنان الغالي، حيث مقرّ كرسينا البطريركيّ ورئاسة كنيستنا، وحفاظًا على سيادته وحرّيّة أبنائه وبناته.

صاحب الفخامة، إنّ زيارتكم هذه تُحاكي معانِقةً الزّيارات الرّاعويّة العديدة الّتي قام بها غبطةُ أبينا البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان إلى أبرشيّتنا في بغداد وإلى هذه الكاتدرائيّة بالذّات، ونذكر منها على وجه الخصوص الزّيارة الّتي قام بها غبطتُه ومعه أخوه صاحب الغبطة والنّيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة عام 2011، إذ أقاما معًا القدّاس في هذه الكاتدرائيّة بمناسبة الذّكرى السّنويّة الأولى لمذبحة سيّدة النّجاة.

وهنا، لا يسعني في هذا المقام إلّا أنّ أتوجّه إليكم بخالص الشّكر والامتنان لما تقومون به مع جميع معاونيكم الأكارم وشعب لبنان الشّقيق من احتضان ورعاية للمهجَّرين العراقيّين القادمين إليكم قسرًا بعد أن اقتُلِعوا من أرضهم في الموصل وسهل نينوى. ونحن نثمّن ما يتكبّده وطنُكم العزيز من صعوبات وتحدّيات تُثقل كاهلَه من جرّاء أزمة التّهجير القسريّ هذه، إلّا أنّكم آليتُم على نفسكم الاهتمام بالمهجَّرين بروح أبويّة ولطف وكرم وترحاب.

وكيف لي أن أنسى استقبالَكم لنا في قصر بعبدا بلبنان، أبينا البطريرك يونان ومعه أصحاب السّيادة المطارنة آباء السّينودس المقدّس لكنيستنا السّريانيّة الكاثوليكيّة الأنطاكيّة، وأنا من بينِهم، عِقبَ انتهاء أعمال دورة السّينودس العادية للعامّ الماضي في تشرين الأوّل 2017، وهي الدّورة الأولى له بعد انتخابكم رئيسًا، حيث لمسنا فيكم القائد الفذّ والمدافع عن قضايا لبنان والمنطقة، وبخاصّة موقفكم الأبويّ الشّجاع تجاه المهجَّرين العراقيّين وتوجيهكم التّعليمات لخدمتهم وتسهيل أمورِهم، سيّما أولئك الّذين تسمح أوضاعُهم بالعودة إلى أرضهم.

أكرّرُ التّرحيب بكم يا صاحب الفخامة، باسمي وباسم المطران ألبرتو أورتيغا السّفير البابويّ في العراق ومعاونه الأب خوسيه، ومار سويريوس حاوا رئيس أساقفة بغداد والبصرة للسّريان الأرثوذكس، والمطران غطّاس هزيم للرّوم الأرثوذكس، وكذلك معالي الدّكتورة آن أوسي وزيرة الإعمار والإسكان، والأستاذ رعد كجه جي رئيس ديوان أوقاف المسيحيّين والأيزيديّين والصّابئة المندائيين، وباسم إخوتي أصحاب السّيادة رؤساء الكنائس الشّقيقة في بغداد نرحّب بفخامتكم، مؤكّدين أمامكم أنّنا نحن المسيحيّين مكوِّنٌ أصيلٌ ومؤسِّسٌ في صلب نشأة بلاد الرّافدين، عراقِنا الحبيب، والمسيحيّون مكوِّنٌ متجذّرٌ في تاريخ هذا الوطن العريق الّذي ولئن يئنّ اليوم تحت وطأة النّزاعات والحروب، إلّا أنّه وبتضافُر جهود المسؤولين فيه مع أبنائه المخلصين، سينتفض من رميم المحنة ويعود إلى سابق عهده، وطنًا مزدهرًا وأبيًّا وشامخًا.

نعم، إنّنا أبناء العراق ونَفديه بمُهَجِنا ونسترخص الرّوحَ في سبيله، ونحن المسيحيّين سنبقى فيه مهما عتى الغزاةُ والطّامعون وكلُّ من يريد اقتلاعَنا من أرض آبائنا وأجدادنا الطّيّبة هذه.

أجدّد شكري لكم يا صاحب الفخامة على زيارتكم التّاريخيّة هذه، مع أعضاء الوفد المرافق لكم، سائلاً الله أن يمدّكم بالأيَد والعون، ويؤازرَكم ويسدّدَ خُطاكم في قيادة لبنان الحبيب، الوطن– الرّسالة بحسب تعبير البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، فتسيروا بسفينته نحو برّ الأمان والازدهار، مثنيًا على التّعاون القائم بينكم وبين فخامة رئيس جمهوريّتنا العراقيّة فؤاد معصوم ودولة رئيس حكومتنا حيدر العبادي وجميع معاونيهم، ومتمنّيًا تعزيز التّعاون المشترك بين لبنان والعراق في شتّى المجالات، لما فيه خير البلدين الشّقيقين وتقدّمهما، مع الدّعاء بالسّلام والأمان لبلدان المنطقة بأسرها.

أهلاً وسهلاً بكم... فخامة الرّئيس...".