القيامة: أين غلبتُكِ يا جحيم؟
"المسيح قام من بين الأموات دائسًا الموتَ بموته، والذين في القبور وهبهم الحياة". نحتفل اليوم بقيامة المسيح من بين الأموات، نحتفل بانتصار المسيحِ على الموت، الذي هو انتصارُنا، انتصارُ طبيعَتِنا البشريّة الضعيفة على أشرس وأقوى عدوّ لها، ألا وهو الموت.
المسيح هو مقدِّمةُ القائمين من الموت، بمعنى هو أوّل الناهضين من الموت ونحن نتبعه، هو قام ونحن سنقوم به، عندما يُبَوِّق في اليوم الأخير. بهذا المعنى أَبْطَلَ المسيحُ سلطةَ الموتِ وهَيبَتَه على الناس. الكلُّ سوف يقومون؛ الذين عملوا الصالحات سيقومون إلى حياة أبديّة والذين عملوا السيئات سيقومون إلى دينونة.
يقول الذهبي الفم: موتُ المسيح وقيامته تعنيان أنَّ الخطيئة التي تُسَبِّبُ الموتَ للبَشَرِ قد حَمَلَها المسيحُ وسمَّرها بجسده على الصليب لكي تَنْحَلّ، أي لكي يُبْطِل مفعولَها، وبقيامته من الموت حَطَّم الموتَ، فزالت اللعنةُ عن البشر. إذا لم يكن المسيح قد قام فهذا يعني أنّنا لا نزال تحت اللعنة وتحت سلطان الموت وتحت العبوديّة للخطيئة.
ها نور القيامة يسطع في القبر ويراه القدّيس بطرس فينذهل، وها هو يسطع في القلوب فينيرُها بعد أن تملّكها الظلام. ونحن إذ نحيا بنور قيامة الربّ نُدرِكُ أنَّ الموتَ هو طريقُنا نحو القيامة لنكون مع المسيح.
يقول الذهبي الفم: "غاية الإنجيل تبدأ بأنَّ الإلهَ يَصيرُ إنسانًا ويُصلَب ويقوم". ثم يَسأل الذهبي الفم، لماذا جاء المسيح وأخذ جسدًا إنْ لم يكن مُزمعًا أنْ يُقيم الجسد؟ لأنّه ليس محتاجًا إلى جسد، وإنّما فعل ذلك لأجلنا. أي لكي يُعطي طبيعتنا الغلَبَة على الموت.
صار المسيح ذبيحةً لكي يَموت فداءً عن البشريّة. إذا لم يكن المسيح قد مات ثم قام، كما يقول الرسول بولس في رسالته الأولى إلى الكورنثيين، فمعناها أنَّ خطيئتنا لا تزال علينا ولم ننحلّ منها، إذْ لم يفتدينا أحدٌ منها، وتاليًا نحن لا نزال مائتين، وليس لنا رجاء: أي الأفق مسدود.
لكن رجاءنا بالمسيح لا يقتصر على هذه الحياة فقط، بل هو يمتدّ إلى الآتية. قيامة المسيح تعني لنا أنّنا لا نأتي إلى دينونة، وأنّنا نَعْبُرُ بالموتِ إلى حياة لا تنتهي. فشكرًا للربّ الذي أحبّنا وبذل نفسه عنّا لكي يعطينا حياته.
ولهذا نطرب ونرقص لأنَّ ما تنبّأ عنه إشعياء النبي (45: 2) قد حقَّقَهُ المسيح، أي حطّم أبواب الجحيم وكسّر مفاصل تلك الأبواب ومغاليقها فزالت، أي لم تَعُدْ قادرةً أن تأسُرَ أحَدًا. وتاليًا تَحَرَّرْنا. وهذا ما وَعَدَ به الربُّ على لسان النبي هوشع (13: 14) قائلاً: "مِن يد الهاوية أفديهم، من الموت أُخلِّصُهم. فأين اقتدارُك يا موت؟ وأين غلبتُكِ يا جحيم؟" لقد قام المسيح وبادَ الموتُ، قام المسيح وانتهت الجحيم، قام المسيح ونلنا الحياة. فله المجد إلى الأبد، آمين.