القدّيس غريغوريوس بالاماس.. إنتصار الأرثوذكسيّة الثّاني
"في الأحد الثّاني من الصّوم الكبير، يتكرّر ويتعمّق انتصار الأرثوذكسيّة هذا فيما يتعلّق بالاحتفال بذكرى أحد أعظم أعمدة الأرثوذكسيّة- القدّيس غريغوريوس بالاماس، رئيس أساقفة تسالونيكي، الذي ببلاغته المليئة بالنّعمة ومثال حياته الشّخصيّة الهدوئيّة واجه المعلّمين الكذبة الذين تجرّأوا على رفض أهمّ شيء في الأرثوذكسيّة، عمل الصّلاة والصّوم، وأنار روح الإنسان بالنّور المليء بالنّعمة وجعله مشاركًا في المجد الإلهيّ. حارب عقلانيّة القرن الرّابع عشر وحمى الإيمان الأرثوذكسيّ من خطر الإلحاد ووحدة الوجود. هذا الأحد هو استمرار وامتداد للأحد الأوّل من الصّوم أيّ أحد الأرثوذكسيّة. لذلك فإنّ ذكرى القدّيس غريغوريوس هي في الظّاهر "أحد الأرثوذكسيّة" الثّاني. يُعرف القدّيس غريغوريوس بأنّه هو من كشف بدعة برلعام الرّاهب الكالابريانيّ، الذي رفض التّعليم الأرثوذكسيّ عن النّور المبارك، الذي ينير الشّخص الدّاخليّ أحيانًا بشكل واضح والذي لم يعترف بإمكانيّة تحقيق هذا النّور الدّاخليّ من خلال الصّلاة والصّوم والجهود الفرديّة الأخرى. في المجمع الذي عقد في القسطنطينيّة عام 1341 بشأن هذه البدعة، أُدين برلعام وتلميذه أكيندينوس وشركاؤهم الآخرون بسبب هذا التّعليم الكاذب. إدّعى برلعام أنّ طاقة اللّه، أيّ نعمته التي نخلص بها، مخلوقة. فإنّ هذا يعني أنّنا لا نستطيع الدّخول في علاقة شخصيّة مباشرة مع اللّه وأنّنا لسنا متّحدين به بل مع نوع من الكيان المخلوق. فإنّ هذا الادّعاء يعادل ما ادّعاه الآريوسيّون. يقول القدّيس بالاماس: إنّ خلاصنا حقيقة وجوديّة، أيّ أنّها حقيقة تحيط بكلّ وجودنا وتتحقّق من خلال اتّحادنا الشّخصيّ المباشر باللّه وشراكتنا معه.
برلعام، الذي علّم أنّ الرّبّ يسوع المسيح، في تجلّيه العظيم على جبل تابور، لم يشرق بنور إلهيّ، بل بنور أرضيّ بسيط. شجب القدّيس غريغوريوس هذا الهرطوقيّ وأكّد عقيدة الأصل الإلهيّ لنور تابور. إنّ نور التّجلّي الهيّ غير مخلوق يؤلّه جسد المسيح. وملكوت اللّه هو التّجلّي الإلهيّ لدى بالاماس والآباء. التّجلّي هو ملكوت اللّه وظهور مجده. هو النّور الإلهيّ الذي غمر جسد يسوع في الجبل هو يغمره منذ البشارة. هو نفسه سيغمرنا في الآخرة. نضحي روحًا وجسدًا نورًا في الرّبّ آنذاك يصبح اللّه فينا الكلّ في الكلّ. إنّ التّمييز بين جوهر اللّه ونعمه يشمل كلّ الأشياء التي يستطيع اللّه أن يشاركها مع الآخرين وتلك التي لا يستطيع أن يشاركها مع الآخرين. إنّ جوهر اللّه غير قابل للوصول إليه ولا تعرفه الخليقة، بما في ذلك البشر. ومع ذلك، يمكن للمرء أن يدخل في علاقة وتواصل مع اللّه من خلال نعمه غير المخلوقة، والنّعمة التي يقدّمها بسخاء. بالنّسبة لبالاماس، فإنّ اللّه معروف كما نعرف الشّمس. فنحن نرى ضوء الشّمس ونستشعر حرارتها. ورغم أنّنا قد لا نستطيع الوقوف على سطح الشّمس بدون أن نذوب، أو أن ننضمّ إلى جوهرها بدون أن نتفكّك، فإنّنا نستطيع مع ذلك أن نختبر طاقتها. وهكذا أشرق وجه النّبيّ موسى على جبل سيناء. القدّيس غريغوريوس الهدوئيّ يركّز على الصّلاة القلبيّة المعروفة باسم "صلاة يسوع" (يا يسوع المسيح ارحمني أنا عبدك الخاطئ). إنّ تعلّم طريقة الصّلاة القلبيّة تمنحنا الفرصة لتذوّق نور اللّه غير المخلوق، كما تمنحنا الخيرات الرّوحيّة، حيث نلامس حدود الحضور الإلهيّ، حيث تعمل الصّلاة من أجل الاتّحاد مع الله. هذه الصّلاة تجعل العقل يلتقي في القلب. إنّ القلب في التّقليد النّسكيّ والهدوئيّ هو مركز الأخلاق والرّوح، والعرش ومكان نعمة اللّه. وهناك يلتقي الإنسان باللّه ويلتقي الله بالإنسان. كان الغربيّون مشبعين بروح العقلانيّة ولم يتمكّنوا من فهم ماهيّة النّعمة الإلهيّة وكيف تعمل نعمة اللّه في الإنسان. لقد حاولوا تفسير ماهيّة نعمة اللّه بشكل عقلانيّ. ثمّ علمّ القدّيس غريغوريوس بالاماس اللّاهوت الصّحيح الأرثوذكسيّ، أنّ نعمة اللّه هي طاقة اللّه، وهي غير مخلوقة، وهي تقدّس الإنسان وتنيره بل وتجعله عندما يتّحد مع اللّه إلهًا بالنّعمة. عندما لا يحصل الإنسان على نعمة الله، يكون فارغًا وغير مكتمل وحياته مليئة بالقلق واليأس. ولكن عندما يحصل الإنسان على نعمة اللّه، يكون لديه سلام اللّه فيه، ويكون لديه فرح اللّه فيه، ويجد المعنى الحقيقيّ لحياته، ويكون لديه نور في حياته. لذلك نحن مدينون بكلّ هذا للقدّيس غريغوريوس بالاماس. لذلك تعتبره كنيستنا من أعظم معلميها وآبائها الرّوحيّين".