العنداري: لتكن لدينا الشّجاعة والجدّيّة والمصداقيّة في إرادة التّواصل
إستهلّ المؤتمر بكلمة المطران العنداري قال فيها: "تحتفل الكنيسة، كلّ سنة، باليوم العالميّ لوسائل الإعلام، في الأحد الأوّل بعد خميس الصّعود، منذ المجمع الفاتيكانيّ الثّاني. ودأب الأحبار الأعظمون، في الكرسيّ الرّسوليّ، على إصدار رسالة سنويّة بالمناسبة، يوم الرّابع والعشرين من شهر كانون الثّاني، تذكار القدّيس فرنسيس السّالسيّ François De Sales شفيع الصّحافيّين والصّحافيّات".
أضاف: "هدف كلّ من قداسة الأحبار، التّوجيه والتّوعية وتسليط الضّوء على أهمّيّة وسائل التّواصل الإجتماعيّ، ورسالتها، في إيقاظ الضّمائر ومواجهة نشر الأحداث في العالم، بروح أخلاقيّة، مسيحيّة، موضوعيّة، وبنّاءة في معالجة تحدّيات السّاعة."
وتابع: "في هذا الإطار، تستكمل رسالة قداسة البابا فرنسيس الّتي أصدرها هذه السّنة، بمناسبة اليوم العالميّ السّابع والخمسين لوسائل الإعلام، الرّسائل السّابقة".
وقال: "في سياق مرحلة تاريخيّة مطبوعة بالاستقطابات والمعارضات والنّزاعات في العالم، الّتي تسمّم القلوب والعلاقات، نحن بحاجة إلى إعلام لا يؤجّج الحقد والاستفزاز، ولا يولّد الغضب ويغذّي العدوانيّة والمصادمة، بل إلى تواصل يساعد على ضرورة تنقية القلب، والتّفكير بهدوء وفهم الواقع ويقود إلى الحوار والسّلام".
أضاف: "تأمّلنا في السّنوات الماضية في الأفعال: "هلمّ وانظر" سنة 2021، "والإصغاء بأذن القلب" سنة 2022. ويدعو قداسة البابا هذه السّنة إلى "التّكلّم من القلب". القلب الّذي دفعنا إلى الذّهاب ومعاينة الواقع، والإصغاء بأذن القلب، هو القلب الّذي يحرّكنا لكي نتواصل بشكل منفتح وندخل في ديناميّة القبول والحوار والمشاركة. فإذا نظرنا وأصغينا إلى الآخر بقلب نقيّ، يمكننا أن نتكلّم بحسب الحقّ بالمحبّة."
وأردف: "يجب ألّا نخشى إعلان الحقيقة، حتّى لو كانت مزعجة في بعض الأحيان، ولكن لا يجب إعلانها بدون محبّة أو من دون قلب. لأنّ برنامج المسيحيّ، كما كتب البابا الرّاحل بندكتوس السّادس عشر، هو قلب يرى، قلب يكشف بنبضاته حقيقة كياننا، وهذا أمر يحملنا على أن نصغي، ونكون في تناغم على الموجة نفسها، ويكون اللّقاء ممكنًا، ونقبل نقاط الضّعف المتبادلة باحترام بدل أن نحكم بناء على الإشاعات، فنزرع الفتنة والانقسامات. فالإنسان الصّالح من قلبه الصّالح يخرج الصّلاح، والإنسان الشّرّير من كنز قلبه الشّرّير يخرج الشّرّ، فإنه من فيض القلب يتكلّم اللّسان" (لوقا 6: 44)".
وتابع: "في بعض الأحيان، يفتح الكلام اللّطيف ثغرة حتّى في أكثر القلوب قساوة. يقول سفر الأمثال: "أللّسان اللّيّن يكسر العظام" (امثال 25: 15). فالتّكلّم من القلب ضروريّ اليوم أكثر من أيّ وقت مضى من أجل تعزيز ثقافة السّلام حيث توجد النّزاعات والحروب. ومن أجل فتح مسارات تسمح بالحوار والمصالحة حيث تتفشّى الكراهيّة والعداوة. من الملحّ أن ننشر إعلامًا وتواصلاً غير عدائيّ. ومن الضّروريّ أن نتغلّب على عادة تشويه سمعة الخصم بسرعة. أجل، يجب أن نرفض كلّ شكل من أشكال الدّعاية الّتي تتلاعب بالحقيقة وتشوّهها لأغراض إيديولوجيّة. علينا، على عكس ذلك، أن نعزّز، على جميع المستويات، تواصلاً يساعد على خلق الظّروف من أجل حلّ النّزاعات بين الشّعوب".
وقال: "يشكّل القدّيس فرنسيس السّالسيّ François De Sales، معلّم الكنيسة وشفيع الصّحافيّين الكاثوليك، خير الأمثلة المنيرة الّتي لا تزال تجتذبنا اليوم في "التّكلّم من القلب". قال فيه قداسة البابا فرنسيس مؤخّرًا، في رسالة رسوليّة حول الذّكرى المئويّة الرّابعة لوفاته: "كلّ شيء يعود إلى الحبّ". من عبارات هذا القدّيس الشّهيرة "ألقلب يخاطب القلب". بإختصار، يمكننا القول مع سفر يشوع بن سيراخ: "ألفم العذب يكثر الأصدقاء واللّسان اللّطيف يكثر المؤانسات (سيراخ 6: 5)" .
وتوجّه العنداري إلى الإعلاميّين والإعلاميّات وإلى النّاشطين والنّاشطات على وسائل التّواصل الاجتماعيّ قائلاً: "لن يسود سلام بين النّاس، إن لم يسد أوّلاً في القلب. كم نحن في حاجة إلى أن تكون حياتنا ولغتنا في التّواصل لغة القلب. نشهد للحقّ بالمحبّة. لو كانت عندنا لغة القلب، لما كنّا رأينا ونرى ما يجري في أيّامنا من انتفاء لمخافة الله في قلوب الكثيرين، فاستباحوا ما لا يستباح من تفرقة".
أضاف: "لقد جعل الإعلام ووسائل التّواصل الجديدة من العالم، كما هو معلوم، قرية كبيرة. فما من أمر يحدث إلّا كان له تاثيره على العالم أجمع. لذلك إنّ لغة القلب وثقافة السّلام يقتضي لها جهدًا فرديًّا وجماعيًّا لتظهير شفافيّة القلب وأخلاقيّة النّزاهة وتوطيد قواعد المحبّة والحقّ والسّلام".
وشدّد على أنّ "وجهًا من وجوه الصّدق في التّعاطي الإعلاميّ، والتّخاطب بلغة القلب، يقتضي الوفاء لقيم الحقيقة والأخوّة الإنسانيّة، وسبل مواجهة التّناقض الفاضح في تفلّت التّعليقات اللّامسؤولة والتّجريح لتجنّب النّزاعات. ولا شكّ أنّكم تعرفون أنّ ما نعيشه في الواقع اللّبنانيّ من إنقسامات وخلافات يتجلّى في التّخلّف والظّلم والأزمات المتلاحقة والتّقهقر في التّضامن بين الأفرقاء والأجيال".
وإختتم: "فلتكن لدينا الشّجاعة والجدّيّة والمصداقيّة في إرادة التّواصل لنشرّع أبواب قلوبنا لإعلام يعتمد لغة القلب في قول الحقيقة، لنشعر في وطننا أنّنا مواطنون، متضامنون، متواصلون على أهداف خيرة لبناء مجتمعنا، وتعزيز أخوتنا، حرّاس بعضنا لبعض، بعيدًا عن صراع الأخوّة الأعداء. وليكن فينا من الأفكار والأخلاق ما في المسيح يسوع دون سواه."
ثمّ تحدّث حرفوش فقال: "بعد رسالته السّنة الماضية عن الإصغاء بأذن القلب، يضع أمامنا قداسة البابا هذه السّنة في يوم الإعلام العالميّ السّابع والخمسين عنوان التّكلّم من القلب. ولعلّ قداسته قصد بذلك أنّ الكلام لا يمكن أن يأتي إلا بعد الإصغاء، على أن يكون القلب هو المحرّك في كليهما."
أضاف: "صحيح أنّ العقل هو مصدر كلّ فعل والآمر لكلّ حركة، إلّا أنّ القلب يبقى محور لغتنا وأحاديثنا وأدبيّاتنا. يكفي أن نحبّ جيّدًا لكي نتكلّم جيّدًا. من هنا نبدأ وهنا ننتهي. ونحن في المركز الكاثوليكيّ للإعلام، نسأل أنفسنا: أين إعلامنا من القلب؟ وأين أقلامنا وألسنتنا من القلب؟ هل نتواصل من القلب، فنصغي ونفهم الهواجس ونتفهّمها قبل إصدار حكمنا؟ هل نتجرّد من ذواتنا وأنانيّتنا ونضع نفسنا مكان الآخر لنتحدّث بقلبه هو لا بقلبنا؟".
وقال: "لعلّ الأجواء المتوتّرة في أيّامنا تدفع الإعلام إلى الجنوح نحو العنف الكلاميّ والتّسرّع في إطلاق الأحكام، لكن العودة إلى القلب واجبة وحتميّة لإعادة وصل ما انقطع. اللّسان اللّيّن يكسر العظام، يقول سفر الأمثال. وهذا اللّسان هو وليد القلب الّذي ينزع فتائل التّفجّر والحروب ويزرع مكانها بذور السّلام".
وشدّد حرفوش على أنّ "التّكلّم من القلب يبعد إعلامنا عن خطاب الكراهيّة ويبني له بيتًا على صخر، من تسامح وانفتاح ومحبّة. في زمن التّواصل الاجتماعيّ والنّشر بسرعة البرق، نرى أنّ الإعلام في حاجة إلى تواصل يضرم القلوب سلامًا، عوض ذاك التّواصل المؤدّي إلى انفصال وتفكّك وتشنّج وحروب. كثير من السّلام وقليل من الكلام. هذا هو المطلوب. نعم، نحتاج إلى كلام قليل صادر من القلب لنبتعد عن تشويه صورة الآخرين والإساءة إليهم، حتّى قبل أن نصغي وقبل أن نرى ما في قلوبهم".
وإختتم: "ربّ قائل إنّ ما نتقدّم به الآن أقرب إلى الطّوباويّة والمثاليّة في عالم مشحون بالبغض والحقد، لكنّنا نقول ببساطة: دعونا نحاول، والله يرانا، والبقيّة تأتي".
وإختتم المؤتمر بكلمة لأبو كسم الّذي قال: "إختار قداسة البابا فرنسيس عنوانًا لرسالته الخاصّة بيوم الإعلام العالميّ السّابع والخمسين "التّكلّم من القلب"، فالقلب هو المحرّك الّذي يدفعنا لنذهب ونرى ونصغي ونتواصل مع الآخر، بفرح وانفتاح. فالتّواصل من القلب يمكّننا من التّخاطب بحسب الحقّ في المحبّة، وأن نعلن الحقيقة حتّى ولو كانت في بعض الأحيان مزعجة، شرط أن نعلنها بقلب برئ، بمعنى أن يشعر من يعلنها بنبض قلب الآخر في قلبه، عندها يمكننا أن نتقبّل ضعف بعضنا البعض، باحترام، رافضين كلّ أشكال الفتنة والانقسامات".
أضاف: "في هذه الرّسالة يقول قداسة البابا إنّ القلب النّقيّ يساعدنا على الرّؤية أبعد من المظاهر، كما ويجنّبنا التّضليل الإعلاميّ الّذي يزوّر الحقيقة ويشوّهها، وفي هذا السّياق يشير إلى مشهد معبّر لمسيرة التّواصل من القلب، هو مشهد يسوع مع تلميذي عمّاوس، تكلّم معهما من القلب وهو القائم من الموت، وبالرّغم من الإحباط واليأس المتملّك فيهما، أدخل الفرح إلى قلبيهما بفضل تواصله المحبّب واللّطيف النّابع من القلب".
وتابع: "من هذا المنطلق، نحن مدعوّون للبحث عن الحقيقة وإعلانها بمحبّة وقلب صاف، فلا ينبغي أن تخرج من أفواهنا أيّ كلمة خبيثة، إذ أنّ الكلمة الطّيّبة وحدها تقود إلى البنيان. وفي هذا السّياق يؤكّد قداسته على أنّ التّواصل من القلب يجنّب وسائل الإعلام الحقد والغضب وعدم المواجهة، ويقود إلى التّفكير بهدوء، ومقاربة الواقع بروح هادئة وناقدة ومحترمة، فالقساوة تسمّم القلوب واللّطافة دواء مضادّ لها".
وقال: "يضيف البابا، يكفي أن نحبّ جيّدًا "لنتكلّم جيّدًا"، فالحبّ هو الطّريق الصّحيح للتّواصل، وعلى الإعلاميّين أن يقاربوا الحقيقة بلطف وحنان، مبتعدين عن التّعابير الملفتة للنّظر، وعن كلّ أشكال العدائيّة. ومن ناحية أخرى، يشدّد قداسته على أنّ الكنيسة اليوم بحاجة إلى تواصل يحرّك القلوب ويبلسم الجراح، تواصلاً "يحرّكه الرّوح القدس ليجعل منه تواصلاً "لطيفًا" ونبويًّا" في الوقت عينه، تكون أساساته مرتكزة على التّواضع في الإصغاء، والجرأة في الكلام، ولا يفصل أبدًا" الحقيقة عن المحبّة. ويضيف، من الضّروريّ أن نتغلّب على عادة تشويه سمعة الخصم بسرعة، من خلال إسناد القاب مهينة له، فالإعلاميّ الحقيقيّ هو الإعلاميّ المبدع الّذي يسعى إلى إيجاد أرضيّة مشتركة مع الآخرين".
وإختتم أبو كسم: "يشير قداسته في ختام الرّسالة إلى الحرب الّتي تدور في أكثر من منطقة في العالم، مطالبًا الإعلاميّين لأن يكونوا مستعدّين دائمًا للحوار وبناء ثقافة السّلام من خلال خطاب تواصليّ يرفض كلّ أشكال الخطاب العدائيّ، وكلّ أشكال الدّعاية الّتي تتلاعب بالحقيقة وتشوّهها لأغراض إيديوليجيّة، مؤكّدًا أنّ "ثقافة السّلام تفتح مسارات تسمح بالحوار والمصالحة".
وأعلن أبو كسم برنامج النّشاطات المرافقة لليوم العالميّ للإعلام حيث يقام قدّاس احتفاليّ في كنيسة مار قرياقوس- رشميا- عاليه العاشرة والنّصف من قبل ظهر الأحد في 21 أيّار الحالي.
وكذلك الاحتفال بهذا اليوم في الأبرشيّات والرّعايا وسوف يتمّ ترجمة رسالة قداسة البابا وطبعها في كتيّب لتوزيعها في الرّعايا.
كذلك سيكون العرض الأوّل للوثائقيّ: "على درب الرّجاء"، الّذي أعدّه المركز الكاثوليكيّ بعد مرور 25عامًا على زيارة القدّيس يوحنّا بولس الثّاني إلى لبنان، الثّامنة من مساء الثّلاثاء في 23 أيّار الحالي في الصّرح البطريركيّ في بكركي برعاية البطريرك مار بشاره بطرس الرّاعي.