لبنان
23 أيلول 2020, 05:55

العنداري في قدّاس على نيّة الإعلاميّين المصابين في الانفجار: ليكن إعلامنا محافظًا على وديعة لبنان

تيلي لوميار/ نورسات
صلّى رئيس اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام ورئيس مجلس إدارة تيلي لوميار/ نورسات المطران أنطوان نبيل العنداري مساءً في كنيسة مار مخايل النّهر، على نيّة المؤسّسات الإعلاميّة الّتي تضرّرت في انفجار مرفأ بيروت والإعلاميّين والمصوّرين المصابين، فترأّس قدّاسًا شارك فيه المطارنة: بولس عبد السّاتر، ميشال عون، منير خيرالله، جورج بقعوني، حنّا رحمه، جورج أسادوريان، الياس رحّال، ودانيال كوريه، إضافة إلى ممثّل متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس المطران الياس عودة الأب نكتاريوس خيرالله، ورئيس رابطة كاريتاس لبنان الأب ميشال عبّود، ومدير عامّ تيلي لوميار جاك كلّاسي، ومدير المركز الكاثوليكيّ للإعلام الخوري عبدو أبو كسم، وأعضاء اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، وعدد من الرّئيسات العامّات والآباء، وحشد من الإعلاميّين والمصوّرين الّذين أصيبوا في الانفجار.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران العنداري كلمة قال فيها: "نلتقي في هذه الكنيسة بالذّات الشّاهدة على هيكليّتها ومحتوياتها والأحياء والشّوارع المحيطة بها، مؤسّسات إعلاميّة متضرّرة وإعلاميّات وإعلاميّين نالهم ما نالهم من الإصابات في تأدية الرّسالة الإعلاميّة، حاملين في أجسادهم سمات جراح الشّهادة البليغة وحملات منع إيصال حقيقة وقائع ونتائج الزّلزال- الكارثة الّذي حلّ في العاصمة بيروت. إنّنا بإسم اللّجنة الاسقفيّة لوسائل الإعلام والمركز الكاثوليكيّ للإعلام التّابع لها، نقدّم هذه الذّبيحة الإلهيّة على نيّتكم جميعًا ونيّة مؤسّساتكم، سائلين الله تعالى أن يمنّ على الجميع بكامل التّعافي ودوام السّلامة العامّة.

ما أبلغ الجراح وما آلم الذّكرى، وما أقسى الإنسان على أخيه الإنسان، هي جراح ما كان امتداد الأيّام، إلّا ليزيد من الشّعور بعمقها، وما أصابت بيروت وحسب، بل أصابت وطنًا بجميع أبنائه، وطنًا عانى ما لم يعان مثله وطن في العالم، وقد دمّرت مرافقه وشلّت سيادته وإرادته، وصبغت أرضه دماء أبنائه، سفكتها وتسفكها أيد كان عليها أن تتجنّبها، أن تضمّد وتتكاتف لتبلسم الجراح الجسديّة والنّفسيّة ولترمّم وتبني وتشيع الأمل في النّفوس والأرجاء وتزرع الطّمأنينة في الأجواء.

وما أقسى الإنسان، إن كان فيه ذرّة من الإنسانيّة، وقد غدا لا يدين إلّا بدين الفساد والكراهيّة والعنف وثقافة الموت، بعيدًا عن كرامة الإنسان المستمدّة من كرامة الله. وهذا ما بات يقضّ على النّاس مضاجعهم، ويرهق أعصابهم ونفوسهم، ويجعلهم في حيرة من أمرهم وفي ضياع. لقد علّمنا السّيّد المسيح بقوله: تعرفون والحقّ يحرّركم، وأورد لنا الكتاب المقدّس في ممارسة العدل: لا تنقل خبرًا كاذبًا ولا تضع يدك مع الشّرّير لشهادة زور (خر 23:1). وحذّر الرّبّ من الخداع والتّمويه بقوله: فليكن كلامك نعم، نعم، ولا، لا، فماذا زاد على ذلك كان من الشّرير. أجل، إنّ طمس المعالم والتّمويه في حجّة تلحيم من هنا ومفرقعات من هناك هو تزييف للحقيقة وتشويش للحياة الاجتماعيّة ومجلبة للخراب على ما هدّد به السّيّد المسيح الفرّيسيّين يوم قال لهم: هوذا بيتكم سيترك لكم خرابًا (متّى 23:38).

قيل عن كنفوشيوس إنّه سئل يومًا: أيّ أوّل عمل تأتيه فيما لو ولّيت على النّاس؟ قال أحدّد معاني الألفاظ وأؤدّب كلّ من أساء استعمالها. ذلك أنّ التّفاهم بين النّاس رهن بما يقصدون إليه من معاني الألفاظ. فإذا اعتلّ معنى الكلام ساءت العلاقات وانتفت الثّقة وتعذّر التّفاهم واختلّ النّظام، فتنشأ الخلافات وتنشب النّزاعات وتحلّ البلبلة، وهذا ما نراه يحدث اليوم بسبب الكذب والتّضليل، وما أبشع الرّذيلة عندما تقتعد مقاعد الفضيلة.

أن تقول لبنان يعني أن تقول الإيمان بالحرّيّة والكلام عليها والتّلويح براياتها، ولا يمكن فصل الحرّيّة عن 3: القانون، الحرّيّة والأخلاق. هذه الشّروط لا بدّ من أن تواكبها مكافحة الشّائعات والأخبار المدسوسة والتّطبيق الموضوعيّ، بعيدًا عن ميوعة العدالة وكمّ الأفواه والأقلام بطريقة اعتباطيّة. أمّا مقياس الأخلاق فيظلّ الضّمير أساسًا وعينًا ساهرة على الوجدان، فالضّمير هو غير القانون الّذي يفرض بالقوّة بحراب السّلطة، ولا يرتهن لأحد إلّا للخالق، إنّه ينبع من داخل يتململ، ينتفض، وهو أقدس ما في الإنسان وأبشع النّعوت الّتي تقال على إنسان إنّه بلا ضمير. ونحن كما نرفض الاعتداء على الحرّيّة والحقيقة، كذلك نرفض الاستغلال. إنّ الصّمت عن الحقيقة هو تواطؤ وتزييف، ومن أقوال قداسة البابا فرنسيس: إنّ الفساد لا يحارب بالصّمت، إنّ الصّمت عن فاجعة بيروت وأهلها ومؤسّساتها خيانة، واستسلام خانع ومذلّة.

عندما تحين السّاعة وقد أتت، يختار الإنسان اتّجاهًا، ومن القضايا يأخذ موقفًا. إيمان بالله، إيمان بالإنسان، إيمان بالوطن، إيمان بالحرّيّة، وإيمان بالحقيقة. ليسفر كلّ منّا في هذا الوطن اللّبنانيّ عن وجهه، وليحسر القناع، ليبدو على حقيقته، ليكون ولاؤنا لهذا الوطن الجميل، لا نتهرّب من مسؤوليّة ولا نعبث به، مبتعدين عن المحاور، ملتزمين الحياد الإيجابيّ والنّاشط، متجاوزين التّجاذبات من أجل الإسراع في تأليف حكومة الاختصاصيّين المستقلّة العتيدة رحمة باللّبنانيّين، بعيدين عن كلّ ما يشنّج السّاحة اللّبنانيّة من سجالات وتشهير تؤذي الوحدة الوطنيّة، من أجل استعادة رسالتنا بين الشّرق والغرب.

وليكن إعلامنا مثلما نتمنّاه جميعًا إعلامًا نموذجًا للحقيقة، تعبيرًا عن الحرّيّة المسؤولة، متأصّلاً في الأخلاق السّليمة، ومحافظًا على وديعة لبنان. إيماننا ورهاننا أنّ بيروت لن تموت، وسيبقى الإعلام فيها منبر الحرّيّة، وأنّ لبنان سيقوم. اللّهم بارك واحم الإعلاميّين في رسالتهم، اشف المصابين من بينهم، بلسم الجراح، وقِنا شرّ الفاسدين والمتاجرين ببضاعة إبليس- آمين".

وكان خلال القدّاس كلمة لأبو كسم قال فيها: "أقمنا اليوم هذا الاحتفال من دون رسميّات، فأنتم أنبل النّاس وأشرفهم. يشاركنا اليوم في هذه الكنيسة كلّ زملائنا الإعلاميّين الّذين جرحوا من كلّ الطّوائف، من مسلمين ومسيحيّين. إنّهم يشاركون مع بعضهم فرحهم كون الله أنعم عليهم ونجّاهم من هذا الانفجار. إنّي أشكر كلّ من شاركوا معنا، فهناك مؤسّسات كثيرة تضرّرت من هذا الانفجار ومن أكثرها النّهار واستوديو تلفزيون تيلي لوميار، استوديو المحبّة والسّلام الّذي يحمل الفرح لكلّ النّاس. ومن هنا، إنّي أحيّي أعضاء مجلس إدارة هذه المؤسّسة وكلّ المؤسّسات الإعلاميّة المشاركة معنا".

وفي الختام، قدّمت أيقونة العذراء مريم سيّدة العطايا وتمثال يسوع المنتصر على الموت للإعلاميّين الجرحى الّذين جرى تكريمهم للمناسبة.