أوروبا
01 آذار 2018, 06:00

السّفارة اللّبنانيّة في فيينا تقيم استقبالاً على شرف رؤساء الطّوائف

بعد اختتام أعمال المؤتمر السّنويّ الّذي نظّمه مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز العالميّ للحوار بين أتباع الدّيانات والثّقافات الّذي عُقد في العاصمة النّمساويّة فيينا، ما بين 26 و27 شباط الجاري تحت عنوان "الحوار بين أتباع الاديان من أجل السّلام: تعزيز التّعايش السّلميّ والمواطنة المشتركة"، أقامت السّفارة اللّبنانيّة حفل استقبال على شرف الوفد اللّبنانيّ الّذي ضمّ عددًا من رؤساء الطّوائف وممثّلين عنهم في مقرّ إقامة السّفير اللّبنانيّ في فيينا، وقد شارك فيه حشد كبير من أبناء الجالية اللّبنانيّة.

 

تخلّل اللّقاء كلمة ترحيبيّة لسفير لبنان ابراهيم عسّاف وصف فيها زيارة البطريرك مار بشارة بطرس الرّاعي بالتّاريخيّة كونها الأولى لبطريرك مارونيّ إلى النّمسا، مستشهدًا بأقوال وردت في مداخلات رؤساء الطّوائف اللّبنانيّة خلال المؤتمر وأكّدت على حياتيّة ونموذجيّة العيش معًا في لبنان.

وأضاف: "إنّ الوفد اللّبنانيّ الّذي شارك في مؤتمر فيينا هو من أكبر الوفود، وكيف لا! فحوار الأديان عندنا ليس مجرّد مجموعة مبادىء بل هو حالة معاشة كلّ يوم. والحوار في عالمنا أصبح حاجة لا مفرّ منها، وهو مبادلة العنف بالغفران، وليس وسيلة لفرض أوجه الشّبه إنّما لتكريس أوجه الاختلاف باحترام. والحوار لا يعني الانصهار والذّوبان بل تكريس وقبول الاختلاف والفرادة".

وتابع السّفير عسّاف: "موضوع الحوار في لبنان شيء مختلف وفريد، فنحن لسنا فقط مجموعة أقلّيّات تعيش في وطن بل إنّ ما يجمعنا هو إرادة العيش سويًّا والتّشارك في الحكم وتقاسم السّلطة على قاعدة المناصفة. وفي هذا المجال يقول المفكّر ميشال شيحا إنّ اللّغة المشتركة ووحدة الإيمان لا تصنعان أمّة بل الرّغبة والإرادة بالعيش سويًّا".

ثم كانت كلمة شكر للبطريرك الرّاعي جاء فيها: "إنّني أحيّي سفير لبنان وعقيلته وأشكرهما، ومن هذا البيت اللّبنانيّ نحيّي فخامة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون والسّلطات الدّستوريّة اللّبنانيّة وكلّ الشّعب اللّبنانيّ، والجالية اللّبنانيّة هنا مع الجاليات العربيّة الأخرى. كما نحيّي السّلطات النّمساويّة الّتي استقبلت جالياتنا.

أودّ أن أحيّي أيضًا الأمين العامّ لمركز الملك عبدالله للحوار وأسرة المركز وقد تميّزت أعمال مؤتمر حوار الدّيانات من أجل السّلام وتعزيز العيش المشترك السّلميّ والمواطنة المشتركة بالغنى وتبادل الآراء البنّاءة، وشعرنا أنّ هناك عاصفة روحيّة تهبّ في عالمنا لتقرّب الشّعوب إلى بعضها."

وأضاف غبطته: "عندما نقول "حوار بين الدّيانات" فهذا لا يعني بين رجال الدّين إنّما بين أبناء كلّ هذه الدّيانات، بدءًا من السّياسيّين، فالمشكلة ليست من الشّعب بل من السّياسيّين عندما يسيّسون الدّين ويفرّقون الشّعب. ولكن للشّعب دور كبير في المحافظة على قيمه، وكثير من سفراء الدّول والأجانب الّذين يزورون لبنان يلاحظون أنّ في لبنان مجتمع مدنيّ يختلف عن المجتمع السّياسيّ. فالمجتمع المدنيّ مجتمع منفتح ومحبّ ولا يفرّق بين الأديان فيما المجتمع السّياسيّ مختلف تمامًا. ولذلك نحن نأمل أن نتوحّد في مجتمع لبنانيّ واحد غنيّ بكلّ مكوّناته الإسلاميّة والمسيحيّة وغنيّ بكلّ قياداته وبكلّ شعبه."

وختم الكاردينال الرّاعي: "لو لم تكن هذه الرّوح الجديدة، الرّاغبة في السّلام والحوار والأخوّة، فاعلة في هذا العالم لما رأينا مثل هذا المركز الّذي أسّسته المملكة العربيّة السّعوديّة مع النّمسا وإسبانيا والفاتيكان. ونتمنّى لبلداننا الشّرق أوسطيّة نهاية الحرب والاستقرار والسّلام العادل والشّامل والدّائم لكي يعود إليها أهلها، على تنوّع أديانهم، وهم يحقّ لهم العيش بكرامة والحفاظ على ثقافتهم وحضاراتهم من أجل مواصلة تاريخهم ورسالتهم على أرضهم، وهكذا نقف بوجه كلّ المخطّطات الهدّامة الّتي تقتل ثقافتنا وحضارتنا."

بعد ذلك ظالقى مفتي الجمهوريّة الشّيخ عبد اللّطيف دريان كلمة شكر قال فيها: "عندما كنت أسمع كلمة صاحب الغبطة شعرت بأنّه تحدّث باسم لبنان والأديان والثّقافات المتعدّدة، وأنّنا جميعًا أسرة واحدة.

أضاف: الحوار في لبنان هو اختيارنا بأن نتحاور في ما بيننا كأديان أنزلت من عند الله للمحافظة على كرامة وحقوق وحرّيّة الإنسان، ونعتبر أنّ العيش المشترك نعمة كبيرة يعيشها اللّبنانيّون ومن جهتنا كرؤساء طوائف نعبّر من خلال القمم الرّوحيّة الّتي تجمعنا باستمرار عن وحدتنا كلبنانيّين، فصحيح هناك مسلمون ومسيحيّون، ولكن بالنّهاية نحن أبناء وطن نحبّه كثيرًا اسمه "لبنان"، وحماية وطننا أمانة في أعناقنا جميعًا، ونحن أوّل من شرحنا وأنشأنا وأطلقنا مفهوم العيش المشترك في الشّرق الأوسط، لا بل في العالم.

وتابع قائلاً: من ناحيتي سأبقى يدًا بيد مع صاحب الغبطة، ومع سائر المرجعياّت الإسلاميّة والمسيحيّة لكي نحافظ على عيشنا المشترك لنقول للعالم كلّه إنّنا نعيش تجربة فريدة ولا يمكن أن يكون الاختلاف الدّينيّ سببًا لتفرّقنا كمواطنين لبنانيّين، علينا أن نحمي وطننا برموش أعيننا، ولن نسمح لأحد بأن يعبث بالأمن والاستقرار في لبنان طالما أنّ هناك جيش لبنانيّ نثق فيه كلّ الثّقة، ولدينا أجهزة أمنيّة فعّالة في كشف الخلايا الإرهابيّة، نحن مع الدّولة الوطنيّة العادلة القادرة القويّة الّتي تحمي هذا التّنوّع الإيمانيّ والرّوحيّ، دولة الحقّ والحقوق والمساواة والواجبات، هكذا نريد الدّولة، لا نريد دولة المزارع، بل نريد لبنان الدّولة الوطنيّة القويّة الّتي تحتضن كلّ اللّبنانيّين على اختلاف أديانهم وطوائفهم ومذاهبهم، وعلى اختلاف انتماءاتهم السّياسيّة.

وختم المفتي دريان بشكر السّفير عسّاف وزوجته على هذا الحفل في البيت اللّبنانيّ في جمهوريّة النّمسا، داعيًا أبناء الجالية اللّبنانيّة في فيينا أن يحافظوا على التّماسك والتّآلف والمحبّة.

وكان البطريرك الرّاعي قد التقى بعد ظهر أمس رئيس مجلس النّوّاب النّمساويّ فولفغانغ سوبوتكا وكانت مناسبة لعرض الأوضاع في المنطقة ودور النّمسا في المساهمة بإرساء السّلام فيها إلى جانب دعم لبنان في قضاياه ومساعدته على تحمّل أعباء النّزوح إليه.

كذلك التقى غبطته رئيس أساقفة فيينا الكاردينال كريستوف شونبورن وعرض معه قضايا كنسيّة وراعويّة تتعلّق بالمؤمنين الشّرقيّين في النمّسا إضافة إلى موضوع مساعدة اللّاجئين إلى فيينا. من جهته أثنى الكاردينال شونبورن على جهود البطريرك الرّاعي في موضوع الحوار والانفتاح بين الأديان واصفًا زيارته إلى المملكة العربيّة السّعوديّة بالتّاريخيّة والمميّزة والّتي فتحت صفحة جديدة ولافتة في هذا الإطار.