متفرّقات
16 كانون الأول 2024, 10:00

السودان: الأمل القويّ لأمّة منسيّة

تيلي لوميار/ نورسات
أدّت الحرب الأهليّة المستمرّة منذ 20 شهرًا إلى سقوط السودان في أزمة إنسانيّة مدمّرة مع انتشار العنف والمجاعة والنزوح، لكنّ شعبه لا يزال يتمسّك بالأمل، ويحثّ على العمل الدوليّ من أجل السلام والمساعدات، كما أوردت "فاتيكان نيوز".

 

عند التحدّث إلى عمّال الإغاثة عن الحرب والأزمة المستمرّة في السودان، يبدو أنّ هناك سؤالًا غالبًا ما يطرح، ولكن لا أحد يجيب عليه أبدًا. هو مسالة ملحّة لا يبدو أنّ أي شخص قادر على تبريرها: لماذا نعطي الأولويّة لبعض النزاعات على غيرها؟ لماذا تستمرّ بعض الصراعات في الاحتدام على الهامش، بينما تتحوّل أنظارنا إلى مكان آخر؟

وبينما ندرك المكاسب الاقتصاديّة المتنوّعة والحقيرة أخلاقيًّا التي تحقّقها الحرب وتجارة الأسلحة، ينبغي ألّا نقف صامتين أمام المعاناة التي يختبرها الشعب. صمتنا لا يُغتفر.

إذا كانت الأرواح جميعها متساوية، فلماذا لا يتمّ بذل المزيد من الجهود لحماية أرواح الناس في السودان؟ عندما نقرأ أنْ منذ اندلاع الحرب في نيسان/أبريل 2023، قتل أكثر من 61,000 شخص في الدولة الواقعة في شمال شرق إفريقيا ونزح 12 مليون آخرين، من الصعب فهم سبب عدم تصدّر هذه الأخبار عناوين الصحف. بالإضافة إلى ذلك، وفقًا للأمم المتّحدة، يواجه ستّة وعشرون مليون سودانيّ الجوع الحادّ، وهو رقم مذهل يتحدّث عن أسوأ أزمة جوع في العالم.

إنتشرت الحرب في أنحاء البلاد كلّها، ولكن بعد مرور 20 شهرًا على الصراع بين قوّات الدعم السريع شبه العسكريّة والقوّات المسلّحة السودانيّة، أعرب المراقبون عن قلقهم بشكل خاصّ على شعب ولاية دارفور الغربيّة في السودان، حيث ازداد القصف الجويّ والقصف على المواقع المدنيّة. وفقًا لتيلي ساديا، رئيس الوكالة الكاثوليكيّة للتنمية الخارجيّة CAFOD، في السودان، "إنه وضع معقّد"، ويتحمّل المدنيّون العبء الأكبر من هذا الصراع الذي لا هوادة فيه.

يروي ساديا، في مقابلة مع "فاتيكان نيوز"، رعب القتال المتواصل الذي تسبّب في نزوحٍ واسع النطاق، ويشير إلى أنّ محاولات الوساطة في السلام قد فشلت كلّها، وإلى أنّ أكثر من عام مضى من دون مفاوضات ولا تزال الأرواح تزهق والممتلكات تدمَّر كما البنى التحتيّة..."إنّها دورة من القتال والنزوح والجوع والمعاناة".

الخسائر البشريّة مذهلة حقًّا، وتتحمّل النساء والأطفال أسوأ ما في الأمر. "فقد الأطفال والديهم وتعليمهم ومستقبلهم، وأصيبوا بصدمة بسبب العنف"...

كما أطلقت الأزمة العنان لموجة شرسة من العدوان على النساء، اللواتي غالبًا ما يقعْن ضحيّة للعنف الجنسيّ القائم على النوع الاجتماعيّ والمرتبط بالنزاع، بعد انفصالهنّ عن أسَرهنّ وهنّ يكافحْن من أجل إعالة أطفالهنّ. "الأعراف الثقافيّة في السودان تجعل من الصعب على الضحايا الإبلاغ عمّا يتعرّضن له"، يحذّر ساديا واصفًا وصمة العار التي تحيط بمثل هذه الهجمات. ومع ذلك، يقول إنّ بعض النساء يتقدّمن ويبلّغن بهذه الحالات فتقدّم المنظّمات على الأرض الدعم النفسيّ والاجتماعيّ لمساعدة الناجيات المصابات بصدمات نفسيّة...

الوضع كئيب وقاتم للغاية. هناك نقص في الوصول إلى الرعاية الصحّيّة وانهيار تام في النشاط الزراعيّ. المجاعة تلوح في الأفق بشكل كبير، وأمسى المرض، بشكل متزايد السبب الرئيس في السودان، لا سيّما بعد أن أضعف الجوع الناس.  

يقول ساديا: "...توقّفت الأنشطة الزراعيّة...يعيش الناس على الصدقات، لكنّها لا تكفي لتلبية الاحتياجات اليوميّة"،  

ويشير إلى إعلان المجاعة في زمزم، وهو مخيّم في شمال دارفور، على الرغم من اعتراض الحكومة على هذا الادّعاء...

في خضمّ اليأس والدمار الشديديْن، يبدو أنّ شعب السودان لم يفقد الأمل. ويؤكّد ساديا وجود "قوّة شرسة" تخرج من السودانيّين، الذين يواصلون دعم بعضهم البعض وتقاسم الموارد...ويؤكّد أنّ "السودانيّين لم يفقدوا الأمل تمامًا، لكنّهم بحاجة إلى دعم دوليّ لتلبية احتياجاتهم الفوريّة وإعادة البناء".  

يمكن للمساعدات الإنسانيّة أن تخلق شريان حياة لمن هم في حالة يأس...يساعد الدعم الذي تقدّمه CAFOD، جنبًا إلى جنب مع منظّمات الإغاثة الأخرى على الأرض، لشعب السودان على استعادة الشعور بالكرامة والهدف، بين السكّان المتضرّرين، ويقول ساديا إنّ المساعدات لا تتعلّق فقط بالبقاء على قيد الحياة بل باستعادة الروح والإمساك بالمستقبل.  

لذا يقول ساديا لشعب السودان: "نحن نقف معكم في جهودنا الإنسانيّة والروحية"..."إلى أن تحلّ الأزمة"، وللمجتمع الدوليّ الذي يرسل الأسلحة وليس الغذاء يقول: "حان الوقت للعمل"، ويذكّرنا بأن ّمشكلة السودان هي مشكلة عالميّة وأنّ "ضغط المجتمع الدوليّ يمكن أن يجلب الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات من أجل وقف حقيقيّ لإطلاق النار والتوصّل إلى حلّ". يجب أن نتحرّك الآن قبل أن يزداد الوضع سوءّا، كما يقول.

في هذا كلّه، يظلّ صوت الكنيسة ثابتًا. إنّ دعوة البابا فرنسيس المستمرّة لنزع السلاح تعطي الأمل في أن "تصل رسالته إلى المؤمنين والضمير وتشجّعهم على الانخراط في جهود السلام. إنّها علامة على الالتزام والأمل لأولئك الذين يعانون بسبب العنف".

مع استمرار الأزمة في السودان، إلى جانب العديد من الأزمات الأخرى حول العالم، نتساءل متى بِتنا غير مبالين بآلام الآخرين. متى بدأنا في تطبيع إطلاق النار وإلقاء القنابل. متى أمسى مقبولًا أن يقاتل الأطفال في الحروب وأن تتضوّر الأمّهات جوعًا؟

لا يمكن التغاضي عن محنة السودان.  

يذكّرنا أمل السودانيّين بأنّ هناك أناسًا، على الرغم من ذلك كلّه، لا يزالون يؤمنون بالسلام.

لمن يرغب في مساعدة شعب السودان ينقر على Sudan Crisis Appeal CAFOD.