الفاتيكان
24 تشرين الثاني 2018, 06:02

الرّاعي يحتفل بالقدّاس الإلهيّ على ضريح القدّيس بطرس في اليوم الرّابع من زيارة الأعتاب الرّسوليّة

إحتفل البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرّاعي بالذّبيحة الإلهيّة على ضريح القدّيس بطرس، في اليوم الرّابع من زيارة الأعتاب الرّسوليّة؛ وقد أعلن في مستهلّها أنّها تأتي "لتجديد إيماننا الشّخصيّ كرعاة للكنيسة المارونيّة، ولكي نجدّد أيضًا الإيمان باسم أبنائنا وبناتنا أينما وجدوا، في الشّرق أو في عالم الانتشار. اذ، نرفع الذّبيحة الإلهيّة على نيّة كنيستنا، وبنوع خاصّ على نيّة قداسة البابا فرنسيس، ونصلّي على نيّة لبنان في يوم عيد استقلاله." وقد عاونه في القدّاس أساقفة مجمّع الكنيسة المارونيّة المقدّس ولفيف من كهنة المعهد الحبريّ المارونيّ، والرّهبان من مختلف الرّهبانيّات المارونيّة في روما. وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى الرّاعي عظةً، جاء فيها:

"أعطانا الله نعمة أن نكون من الله. نحن من الله بالمعموديّة والميرون، ونحن من الله بنعمة الكهنوت وبنعمة الأسقفيّة؛ فأصبح من واجبنا الاستماع إلى كلام الله. هذه الكلمة التي يوجّهها إلينا اليوم الرّبّ يسوع  في الإنجيل من كان من الله يسمع كلام الله. إنطلاقًا من هويّتنا إنّنا من الله نحن اليوم أمام ضريح مار بطرس الذي آمن بالكلمة وسمعها، ويوم الصّعوبة قال: "إلى من نذهب يا ربّ وكلام الحياة الأبديّة هو عندك". هذا هو جمال حياتنا. كلمة الله تهدينا كلّ يوم، في الظّلمة هي نور، وفي الضّعف هي قوّة، وفي الحزن هي الفرح، إنّها مرافقة لنا في كافّة ظروف حياتنا. يكفي أن نسمعها كما يريد الرّبّ يسوع كالأرض المهيّأة لاستقبال الزّرع بقلوب نقيّة وضمائر صافية وعقول منفتحة لكلام الله. عندما نتحدّث عن كلام الله، نحن نتحدّث عن شخص يسوع المسيح الكلمة وعندما نسمع كلام الله نحن نتّحد بالرّبّ يسوع . ونقبل فينا الرّبّ يسوع؛ لذلك تبقى حياتنا الأساسيّة اليوميّة هي السّعي الدّائم لكي نتماهى مع الرّبّ يسوع الكلمة التي تملأ عقولنا وقلوبنا. وعندما نقبل كلمة الله في حياتنا ونشعر بتماهي وجودنا مع الكلمة التي هي يسوع المسيح، نجد مصدر رسالتنا الكهنوتيّة والأسقفيّة ورسالتنا المسيحيّة.

نحن نحمل وظائفنا الكهنوتيّة المثلّثة التي تنطلق كلها من الكلمة التي تعاش أوّلاً، ثمّ تعلن بالكرازة والتّعليم والإرشاد كي يولد الإيمان فينا ويولد في النّفوس؛ وهذا الهمّ الأساسيّ في حياتنا الكهنوتيّة والأسقفيّة أن نحمل كلام الله الذي يولد الإيمان، الإيمان من السّماء وكيف نسمع من دون مبشّر وهل من مبشّر من دون مرسل؟

وظيفتنا الكهنوتيّة الثّانية هي أنّ الكلمة التي قبلناها هي كلمة نحتفل بها في اللّيتورجية من أجل تقديس النّفوس هي نفسها الكلمة والذّبيحة وجسد الرّبّ ودمه، الذي يقدّسنا ويقدّس نفوسنا ونفوس المؤمنين. ورسالتنا الثّالثة الصّادرة من الكلمة هي خدمة الرّعاية خدمة التّدبير الكلمة التي تصبح حقيقة وعدالة وسلام نبني به الجماعة المسيحيّة.

نشكر اليوم الرّبّ على كلامه في الإنجيل الموجّه لنا شخصيًّا، لكي ندرك من جديد أنّنا من الله وأنّنا مدعوّون أن نسمع دوما كلام الله شهادة حياة كرازة وتعليم وتقديس للأسرار وبناء الجماعة المسيحيّة المؤمنة.

نحن نلتمس بشفاعة القدّيسين بطرس وبولس ومار مارون نعمة قبول كلمة الله فينا، ونعمة الإدراك الدّائم أنّنا من الله؛ ولأنّنا من الله مدعوّوين لسماع الكلمة وإعلانها والاحتفال بها وبناء الجماعة عليها، آمين."

وفي ختام القدّاس، جدّد الآباء إيمانهم على ضريح القدّيس بطرس، بمناسبة زيارة الأعتاب الرّسوليّة، وقد تضمّن إعلان الإيمان بالله الآب والإبن والرّوح القدس والاعتراف بالمجامع المسكونيّة السّبعة الأولى، وبسائر المجامع المسكونيّة التي عقدتها تباعًا الكنيسة المقدّسة الجامعة الرّسوليّة، وبالكتب المقدّسة الموحاة في العهدين القديم والجديد، وبأنّ السّيّد المسيح جعل بطرس خليفةً له على رأس كنيسته، وأنّ بطرس جعل كرسيه أوّلاً في أنطاكية، ثم نقله إلى روما. والاعتراف أيضًا بخلفاء بطرس الذين تعاقبوا على رئاسة الكنيسة و"بخاصّة قداسة البابا فرنسيس ثبّت الله رئاسته"، وبأنّ "البطاركة الموارنة تعاقبوا على كرسيّ بطرس الأنطاكي خلفًا عن سلف إلى أبينا البطريرك مار بشارة بطرس عضده الله، وأدام رئاسته علينا"، والتّعهد أمام الله وامام ضريح القدّيس بطرس هامة الرّسل وأمام الملائكة والقديسين بالخضوع لهما واطاعتهما هما وخلفاؤهما طاعة بنويّة، والسّعي الى القيام بالخدمة بأمانة لتقديس النّفوس.

بعد القدّاس، توجّه الآباء الى مجمّع عقيدة الإيمان حيث كان لقاء مع رئيسه الكردينال لويس فرنسيسكو لاداريا؛ ومن هناك انتقل الآباء الى المجلس الحبريّ لوحدة الإيمان المسيحيّ، حيث عقد لقاء مع أمين عام المجلس المطران بريان فاريل، وبعد كلمة للبطريرك الرّاعي، كانت كلمة للمطران فاريل الذي نوّه بعمل الكنيسة المارونيّة مع الكنائس الشّرقيّة كافّة عبر عمليّة الحوار المتبادل وعقد القمم الرّوحيّة حول القضايا المشتركة.     

وبعد الظّهر، زار البطريرك مع الأساقفة، محكمة التّوقيع الرّسوليّ العليا؛ حيث التقوا رئيس المحكمة الكردينال دومينيك مومبارتي. وبعد كلمة تعريف لغبطته، ألقى الكردينال مومبارتي كلمةً شرح فيها تاريخ المحكمة ودورها وصلاحيّاتها القانونيّة والإداريّة وعملها المشترك مع الكنيسة المارونيّة ومحاكمها.

ثم انتقل غبطته والأساقفة إلى محكمة الروتا الرّومانيّة؛ حيث التقوا عميد المحكمة المونسنيور بيو فيتو بينتو الذي رحّب بالحضور منوّهًا بالبطريرك الرّاعي الذي يحمل لقب محامي روتالي بتعيين خاصّ من البابا فرنسيس؛ معتبراً أنّ هذا المنصب هو شرف كبير لمحكمتنا، ثم أشار إلى العلاقة الوطيدة التي تربط الكرسيّ الرّسوليّ بالكنيسة المارونيّة، ومنها علاقة محكمة الروتا بالكنيسة المارونيّة. من جهة أخرى أشار المونسنيور بينتو إلى الأهميّة الكبيرة التي يوليها البابا فرنسيس للقوانين الكنسية من خلال الإرادات الرّسوليّة التي أصدرها.

وفي إطار لقاءاته مع الرّهبانيّات المارونيّة في روما؛ زار غبطته دير مار أشعيا للرّهبانيّة الأنطونيّة؛ حيث كان في استقباله الرّئيس العام الأباتي مارون أبو جودة، ورئيس الدّير الأب ماجد مارون، مع جمهور الدّير، والسّفيرين فريد الخازن وميرا الضاهر، وأعضاء الوفد اللّبنانيّ المرافق للمؤسّسة المارونيّة للانتشار من نوّاب ورئيس وأعضاء المؤسّسة.

 وفي كلمة ترحيبيّة، له قال الأباتي أبو جودة: "أهلاً بكم في مناسبة زيارة الحجّ إلى الأعتاب الرّسوليّة، للتّواصل مع الكنيسة الجامعة في حمل كرازة الإنجيل في لبنان، الذي يشكّل فيه المسيحيّون "رسالة" إلى الشّرق والعالم، ومعكم غبطة أبينا البطريرك نؤكّد أنّنا كنيسة حيّة أعضاؤها كثر ولكلّ دوره ومكانته، وفيه وبه تكتمل الكنيسة وتقوم بعملها وتعزز حضورها. الزّيارة إلى روما اليوم، ليست للرّخاء، كما يقول بعض المشكّكين، إنّما هي وقفة وجوديّة جامعة تضمّ كلّ مكوّنات الكنيسة، وتنمّي فينا الوعي إلى قدراتنا، وتشعرنا بأهميّة دورنا وتبثّ في رهبانيّتنا، كما في كلّ الجمعيّات، روح الانتماء الكنسيّ والعمل الجدّي للإسهام في بناء شعب الله، وفي تفعيل دور الكنيسة في لبنان. صحيح أنّ منصّات الشّبكة العنكبوتيّة لا تجد إلّا الثّغرات والفضائح لتبثّها في الإعلام، وذلك ليس بفضل تقاعس الكنيسة، إنّما بسبب الفراغ الذي تتركه الدّولة وتنتظر من يملأه، وهو ما يترجم المثل الصّينيّ المعروف: "تحدث ضجّة كبيرة، شجرة واحدة تقع على الأرض، أكثر من غابة تنمو بصمت."

من جهته شكر غبطته الرّهبانيّة الأنطونيّة على هذا اللّقاء الغنيّ؛ واستهل كلمته بتوجيه تحيّة الى فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مهنّئًا بعيد الاستقلال، وأضاف: "والشّكر أيضًا للرّهبنة على شهادتها في روما، وفرحتنا كبيرة لوجود كاهنين في خدمة الكرسيّ الرّسوليّ، أحدهما في مجمّع الكنائس الشّرقيّة، والثّاني في مجمّع التّربية المسيحيّة، وهذا أمر بالغ الأهميّة. فعمرنا في روما من قبل المعهد المارونيّ الحبري الذي تأسّس سنة 1584 لقد كان يأتي الموارنة إلى روما قبل هذا التّاريخ، ومن ثمّ رسميًّا مع المعهد. إنّه تاريخنا الغنيّ؛ فالموارنة خلقوا الجسر الثّقافيّ بين الشّرق والغرب، وتكلّموا باسم كلّ المسيحيّين والمسلمين. ويمكنني التّأكيد، من خلال تاريخنا، أنّنا كموارنة لم نفكّر يومًا في لبنان أن نعمل فقط من أجل الموارنة. الموارنة من أجل لبنان دائمًا، ومن أجل كلّ اللّبنانيّين. لقد اعتدنا على هذا الأمر، ونحن نؤمن بأنّ لبنان لا قيمة له إلّا بتنوّعه، الذي جعل منه قطعة فسيفساء، لا يمكننا انتزاع حجر واحد منها، فهي مؤلّفة من مجموعة من الجماعات الإسلاميّة والمسيحيّة المتنوّعة عدا عن الأفراد. وهذا هو جمال هذه الفسيفساء اللّبنانيّة التي نحرص عليها وعلى حملها هنا في العالم الغربيّ.

نحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى أن نغرف المزيد من تاريخنا الموجود في الكرسيّ الرّسوليّ والمكتبة الفاتيكانيّة، لكي يتعرّف إلينا العالم الغربيّ أكثر فأكثر، مع العلم أنّ من أعطى الوجه الثّقافيّ الكبير وبرز في القرون الماضية وعلم في البلاطات الملكيّة هم من الموارنة. ولقد قيل عنهم المثل المعروف "إنّه عالم كمارونيّ، علينا اليوم تجديد هذا الأمر لكي يقال عالم كلبنانيّsavant comme un libanaisلذلك مدارسنا وجامعاتنا تغتني بالعلوم. لبنان لا يغتني بالموارد الطّبيعيّة؛ وإنّما أنعم الله علينا بغنى العقل، هذا العقل الخلّاق الذي وهبه الرّبّ للّبنانيّين هو قوّتهم، وهو أقوى من كلّ ثروات الأرض. لذلك نحن بحاجة إلى مساعدة شعبنا اللّبنانيّ على تفعيل فكره. ولكن للأسف أمام الصّعوبات الاقتصاديّة وخطر التّعليم في المدارس الخاصّة عامّة، والكاثوليكيّة خاصّةً، منع اللّبنانيّ من تنفيذ هذا الأمر.

تحيّة للنّواب الحاضرين معنا ونقول لهم أنتم أمام مسؤوليّة كبيرة وهي التّشريع والحفاظ على الّلبنانيّ كي يبقى إنسان العلم والمعرفة. 1736 أقرّ المجمّع اللّبنانيّ الشّهير الذي انعقد في سيّدة اللّويزة إلزاميّة التّعليم للإناث والذّكور، لدرجة أنّه أقرّ أنّ من يرفض التّعلّم يساق سوقًا إلى المدرسة. واليوم نحن نعيش في زمن يحتاج فيه العالم إلى ثقافة ومعرفة وفكر. نحن بحاجة ادإلى شعب مثقّف؛ فلبنان أرض ثقافة وإذا خسرنا ثقافتنا يعني أنّنا خسرنا كلّ شيء.

أعلم أنّ النّواب متألّمون؛ لقد مرّ نحو ستّة أشهر على انتخابهم، ولم يتمكّنوا من ممارسة دورهم التّشريعيّ أو محاسبة أو مساءلة، في ظلّ غياب الحكومة. ولكنّنا لا يمكننا أن نبقى مكتوفي الأيدي، سنرفع صوتنا عاليًا، لنقول: لا يحقّ لأحد أن يلعب بمصير شعب أو وطن، أيًّا يكن هذا الشّخص أو هذه الجماعة. كونوا على مستوى هذا الوطن وشعبه الذي يستحقّ منكم الأفضل، ولو كلّف هذا الأمر بعض التّضحيات، فكلّنا أصغر من لبنان."