لبنان
19 آب 2018, 07:45

الرّاعي للشّبيبة: هذا وطننا، وأجدادنا ضحّوا في سبيله، إنّه كرامتنا وهويّتنا وتاريخنا ومجدنا

شارك البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي قبل ظهر يوم السّبت 18 آب/ أغسطس 2018، في لقاء الشّبيبة المارونيّة المنعّقد في دار سيّدة الجبل فتقا كسروان منذ صباح الجمعة.


 

يستمر  اللّقاء حتّى مساء الأحد بمشاركة أكثر من 300 شابة وشاب من كلّ الأبرشيّات المارونيّة في لبنان وفي النّطاق البطريركيّ وبلدان الانتشار، والحركات الرّسوليّة، إضافةً إلى ممثّلين عن الطّلابّ الإكليريكيّ والرّهبان والشّبيبة غير الملتزمة وشبيبة الكنائس الأخرى والشّبيبة المسلمة، بحضور عدد من الأساقفة والكهنة والرّاهبات.

 إن هذا اللّقاء برعاية البطريرك وبدعوة من مكتب راعويّة الشّبيبة في الدّائرة البطريركيّة – بكركي تحضيرًا لسّينودس الشّبيبة الّذي سوف يعقد من 3 إلى 28 تشرين الأوّل المقبل في روما برئاسة البابا فرنسيس الّذي اختار له عنوان: "الإيمان وتميّيز الدّعوات".

 

إستُهلّ اللّقاء بكلمة ترحيبيّة لمنسّق مكتب راعويّة الشّبيبة المونسنيور توفيق بو هدير، جرى بعدها عرض لنتائج حلقات الحوار التي خرجت بتمنّيات وبأسئلة طرحها الشّبيبة على غبطته تناولت ثلاثة محاور: الأوّل التّعرّف إلى التّحديات والفرص الّتي تعيشها الشّبيبة، من الأزمة السّياسيّة وتهديد الوجود المسيحيّ في لبنان والشّرق، والحدّ من الهجرة، إلى الأزمة الاقتصاديّة ومحاربة الفساد والواسطة، إلى البطالة وتأمين الشّقق السّكنيّة من خلال مشاريع تقوم بها البطريركيّة بأسعار مدروسة ولاسيّما في المناطق الحدوديّة والأطراف لتّثبيت الشّباب المسيحيّ في أرضهم وإيجاد فرص العمل، والأقساط المدرسيّة والجامعيّة وخلق مخطط عمليّ لإنماء القرى في الأطراف.

 

أمّا المحور الثّاني فكان عن المرافقة للتّعمق في الإيمان وتمييّز الدّعوات وضرورة خلق مراكز إصغاء داخل الأبرشيّات والرّعايا والتّشديد على مشاركة العلمانيّين في نشاطات الكنيسة ولاسيّما منهم ذوو الاحتياجات الخاصّة، كما على أهميّة أن تعيد السّلطة الكنسيّة إحياء التّعليم الدّينيّ الواضح بأبعاده الرّوحيّة واللّيتورجيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة وتنشئة معلّمي الدّين والابتعاد عن الأجوبة الجاهزة والمعلّبة والمبهمة والبعيدة من الواقع الذي يعيشه الشّباب وضرورة توحيد عيد الفصح.

 

وتناول المحور الثّالث العمل الرّعويّ والرّسوليّ في بعديه الاقتصاديّ والرّوحيّ.

 

وردّ البطريرك الرّاعي في موضوع الاقساط المدرسيّة والجامعيّة وثقلها على كاهل المواطنين وما يمكن أن تفعله الكنيسة أو المدراس أو الجامعات لخفض هذه الاقساط، قائلاً: "إنّه سؤال كلاسيكيّ يُسأل دائمًا، علمًا أنّ الموضوع ليس لدى الكنيسة إنّما عند الدولة. إنّ التّعليم في لبنان كما في كلّ الدّول، هو منفعة عامّة. هناك تعليم رسميّ تصرف عليه المبالغ الطّائلة والتّعليم الخاصّ الّذي لا تتعرّف عليه الدولة وضحيّته هم الأهالي الذين يدفعون الضّرائب كي تساعدهم الدّولة، في المقابل، يدفعون ضريبة أخرى هي للمدرسة والجامعة. لا يمكننا أن نطالب بتخفيض أو رفع الأقساط، فهذه لها حساباتها وموجودة في المدراس وهناك لجان الأهل وهناك تدرس الموازنات. إنّه تعليم خاصّ له أقساطه، مشكلتنا تكمن السّنة في القانون الّذي صدر ورقمه 46، عن رفع سلسلة الرّتب والرّواتب بشكل كبير تكلّف المدراس الكاثوليكيّة وعددها 275 مدرسة وتضمّ 11 ألف أستاذ، 120 مليون دولار. على كاهل من ستقع هذه الزيادة؟ على كاهل الأهل طبعًا، وعليهم ان يدفعوا وإلّا لن تستطيع المدراس الاستمرار. المشكلة أنّ هناك مدراس سوف تقفل أبوابها رغمًا عنها إذا لم تساعدها الدّولة.

 

لا يكفي أن تصدر الدّولة القوانين، من سيدفع؟، المدرسة؟، المدرسة عبارة عن جدران، من سيدفع؟، إنّهم الأهل، والأهل صامتون. نحن نقول للدّولة، وهذا موقفنا، عقدت كلّ المدراس المسيحيّة والإسلاميّة في لبنان، اجتماعين في بكركي، واتّفقوا أن يتحمّلوا الملحق الرّقم 17 على أن تتحمّل الدّولة الدّرجات السّت كي لا يحمّلوا الأهالي مزيدًا من الأقساط.

 

ردًا على كلّ من يقول ماذا تفعل الكنيسة، في العامّ الدّراسيّ 2015- 2016 بلغت قيمة المساعدات السّنويّة للعائلات المعوزة 40 مليار ليرة، أمّا الحسومات لأولاد الهيئة التّعليميّة والموظّفين بلغت 30 مليار، إنّ نسبة 30 % من الشّعب تحت مستوى خطّ الفقر، ونحن ذاهبون باتّجاه الأسوأ. مشكلتنا مع الدّولة وليس مع المدرسة ولا مع الكنيسة. المشكلة مع الدّولة التي تأكل المال بالفساد والسّرقة والهدر، والشّعب المسكين صامت لا يفتح فمه ولا يعرف من يطالب. وهنا استشهد بقول لرئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي حينما قال إنّ لبنان ليس بلدًا منكوبًا إنّما منهوبًا. نبّهنا مرارًا إلى أنّنا ذاهبون إلى أزمة اجتماعيّة تربويّة، سوف نخسر التّعليم الخاصّ وقيمته وسوف تضعون الأساتذة في الشّارع".

 

وعن موضوع البطالة دعا البطريرك الرّاعي "الشّباب اللّبنانيّ إلى الاستفادة من فرص العمل الكثيرة الّتي تقدّمها الدّولة من جيش وقوى أمن داخليّ وأمن عام واجهزة عسكرية، وتقدّم العديد من التّسهيلات لهم. لماذا لا تستفيدون من هذه الفرص؟ هذا بلدكم وعليكم التّضحية في سبيله والحفاظ على وجودكم. الشّهداء استشهدوا في سبيلنا وعلينا أن نكون على مستوى شهادتهم واستشهادهم".

 

أمّا عن الوجود المسيحيّ في الشّرق الأوسط، قال البطريرك: "علينا أوّلاً البقاء والعيش وايجاد وظيفة لكي أحافظ على وجودي. لذلك استراتيجيّة الكنيسة في هذا الإطار تكمن في المحافظة على مؤسّساتها على الرّغم من كلّ شيء لكي تظل تعطي فرص العمل، والوجود والضّمانة للشّعب مع إمكان استثمار أراضيها. كما أنّ هذا وطننا، وأجدادنا ضحّوا في سبيله، إنّه كرامتنا وهويّتنا وتاريخنا ومجدنا. أنا لست يتيمًا أنا ابن وطن له اسم ودور وقيمة ورسالة، كما أنّ لبنان بحكم تكوينه والعيش المنظّم المسيحيّ الإسلاميّ، وهذا الأمر بفضل المسيحيّين وإلّا كنّا مثل كلّ الدّول العربيّة حولنا، جعلنا نبني عيشًا مشتركًا، ولبنان هو البلد الوحيد حيث يعيش المسيحيّ والمسلم بالمساواة أمام القانون وبالمشاركة في الحكم والإدارة. لبنان هو البلد الوحيد الذي نظامه ديموقراطيّ، وفيه كلّ الحرّيات العامّة بدءًا من حرّيّة الدّين والضّمير والمعتقد والأحزاب والتّعبير. وقد فصل لبنان بين الدّين والدّولة فيما أكّد على الاجلال لله واحترام الأديان.

 

هل نقول نحن ولاسيّما المسيحيّين، أنّ هذا الوطن ليس لنا؟ لدينا رسالة في هذا العالم العربيّ قال عنها البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني أنّ لبنان أكثر من بلد صغير إنّه حامل رسالة ونموذج".

 

وردًا على سؤال حول كيفيّة محاربة الفساد، أضاف البطريرك الرّاعي: "فيما كنّا نزور فخامة رئيس الجمهوريّة فتح موضوع الفساد، وقال "أنشأنا وزارة لمكافحته وهو مستشر في الدّولة"، فقال أحد المطارنة للرّئيس أعلنوا هذا المفسد، فأجاب "جميعهم مشارك في الفساد". هل هذا يعني أنّ الجميع متّفق على نهب الدّولة؟ ومع الأسف شعبنا صامت ومعتر ولا يعرف كيف يطالب ولا من يطالب. نحن نتحدّث بإسمكم وبإسم الشّعب. نحن مؤمنون ونصلّي لكي يعطينا الله أشخاصًا متّجرّدين ولديهم كرامة وقيمة لوقف مسلسل الفساد في الدّولة والمؤسّسات".

 

ودعا الشّباب الى "قبول فرص العمل التي تقدّمها الدّولة والعمل على التّغيير من الدّاخل ليس فقط على صعيد الفساد إنّما أيضًا في مجرى وتفكير الدّولة وسياستها.

 

إنّ جمال لبنان هو في العيش معًا، وكلّ قوّته بجناحيه، فلا المسيحيّ أو المسلم يضعف الآخر لأنّه بذلك يضعف بلدنا". ولفت إلى "أنّ من يستغلّ الدّين هم بعض السّياسييّن، وهم لا يعيشون دينهم، إنّما يستغلّونه لمصالحهم السّياسيّة، ويخلقون النّعرات الطّائفيّة".

 

وتوّجه إلى الشّباب بالقول: "نحن نحترم السّلطة والسّياسييّن، إنّما أدعوكم إلى ألاّ تكونوا أدوات لأحد وتخلقوا العداوات مع شركائكم في الوطن، فهذا ما خرّب وطننا".

 

وعن أزمة النّازحين، قال الرّاعي: "نحن نعيش معهم مأساتهم في سوريا، ومعاناة الهجرة، من النّاحية الإنسانيّة نحن متعاطفون معهم، إنّما هذا حقّهم وكرامتهم أن يعودوا إلى وطنهم.

 

نحن لا نقدّم لهم الخدمة حين ندعوهم إلى المجيء إلى لبنان أو إذا قلنا لهم ابقوا هنا، فنحن بذلك نقتلهم مرّتين. في الحرب الأولى جرى تهديم منازلهم، وفي الحرب الثّانية هدمنا هويّتهم وثقافتهم وحضارتهم. نحن يهمّنا أن يعود النّازحون، مسلمين ومسيحيّين، فهناك بنوا حضارتهم وتاريخهم وثقافتهم. وأنا آسف للواقع الذي أصبحت فيه سوريا، هناك سياسة لهدم الدّول العربيّة من لبنان إلى العراق وسوريا وفلسطين، هناك قرار بوجوب هدم العالم العربيّ وإضعافه لتعيش اسرائيل، وهذا الأمر يقتضي منّا فهم الوضع والقول إنّنا نريد أن نتحدّى وهذه أرضنا وهنا سنبقى".

 

وختم الكاردينال الرّاعي: "علينا أن نعرف كيف نفصل السّياسات عن الحياة الاجتماعيّة وعدم خلط الأمور، إنّ السّياسات تتغيّر ولها أسبابها وتطلّعاتها لكن هناك شعب وحضارة وثقافة وتاريخ وعلينا التّمييز وعدم خلط الأمور".