لبنان
24 آذار 2025, 08:50

الرّقيم البطريركيّ عن هدى شديد: شمعة عمرها انطفأت بهدوء وسكينة مشاركة المسيح مرّتين في آلامه

تيلي لوميار/ نورسات
في كاتدرائيّة مار جرجس- وسط بيروت، ودّع الجسم الإعلاميّ في لبنان الزّميلة هدى شديد بعد صراع طويل مع المرض، في صلاة جنائزيّة ترأّسها راعي أبرشيّة بيروت المارونيّة المطران بولس عبد السّاتر، ممثّلًا البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، بحضور ممثّلين عن الرّؤساء الثّلاثة وفعاليّات سياسيّة وعسكريّة وحزبيّة وشخصيّات إعلاميّة واجتماعيّة غصّت بهم الكاتدرائيّة محيطين بأفراد عائلة الرّاحلة.

بعد صلاة الجنّاز تمّت تلاوة الرّقيم البطريركيّ وجاء فيه: "بكثير من الأسى والألم نودّع معكم عزيزتكم وعزيزتنا الإعلاميّة هدى، ونرافقها بصلاة الرّجاء في عبورها إلى بيت الآب في السّماء، الّذي تاقت إليه في آلامها، واستحقّته بمشاركة المسيح الفادي بآلام الفداء، وبخدمتها الإعلاميّة بشجاعة ومثابرة، وبعطاءات سنيّها التّسع والخمسين، وكأنّها استوفت كلّ رسالتها بحلوها ومرّها.

إنّها ابنة كفريا– زغرتا، في بيت مؤمن بيت بدوي شديد والمرحومة زمرد بو عبدالله وُلدت وتربّت على القيم الرّوحيّة والأخلاقيّة والعلم الإعلاميّ والتّخصّص في العلوم السّياسيّة في جامعة القدّيس يوسف. ونشأت إلى جانب شقيقين وستّ شقيقات، نسجت معهم ومع عائلاتهم أجمل علاقات الأخوّة. وأخلصت العاطفة لبيت عميّها وعمّاتها وخالها وخالتيها وأولادهم وعائلاتهم.

بدأت مسيرة ألمها بوفاة زوجها الكاتب والمفكّر والباحث الأستاذ زياد جميل سعادة الّذي تعرّفت عليه عندما بدأت مسيرتها الإعلاميّة في إذاعة إهدن. قبل زواجها بفترة قصيرة عرفت بإصابته بمرض السّرطان، لكنّها أرادت إكمال الطّريق. فكانت وفاته بعد زواجهما بأقلّ من سنة. وهي بعد في الحادية والعشرين من عمرها. فلم تتركه لحظة سواء في المستشفى أم في البيت بخدمتها وبسمتها.

فأكملت مسيرتها الصّحافيّة أوّلًا في جريدة اللّواء وإذاعة صوت لبنان، ثمّ توزّع عملها بين جريدة النّهار، والـ L’Orient Le Jour، ووكالة رويترز. وكان مشوارها الكبير في المؤسّسة اللّبنانيّة للإرسال بتشجيع من الشّيخ بيار الضّاهر. وكانت تفضّل التّغطيات الميدانيّة، والأحداث السّاخنة. وعملت كمراسلة وصحافيّة معتمدة في القصر الجمهوريّ في بعبدا لمدّة ثلاثين سنة.

وها مرض السرطان يدقّ بابها في عزّ عطاءاتها، فواجهته بشجاعة وتنقّلت رحلة العلاج بين لبنان والولايات المتّحدة الأميركيّة حتّى شفيت منه. فنشرت كتابًا عن خلاصة تجربتها مع هذا المرض الخبيث. ولكنّه عاودها بعد سنوات، وعاودت مسيرة العلاج المضنيّ، ولم تستسلم.

وفي الثّامن من شهر آذار، أيّ منذ أسبوعين، كرّمها فخامة رئيس الجمهوريّة في القصر الجمهوريّ، بوسام تقدير ووداع: تقديرٍ لقوّتها وشجاعتها، لإيمانها وأخلاقها، لضحكتها وسنوات خدمتها، لصمودها بوجه الألم مرّتين، ولمثاليّة خدمتها الإعلاميّة بقول الحقيقة، حتّى قيل عنها: "مطرح ما في حقيقة في هدى". ووداعٍ لها هي الحاضرة أبدًا نجمةً إعلاميّة، ومحطَّ محبّة في القلوب.

هكذا انطفأت شمعة عمرها التّسعة والخمسين بهدوء وسكينة، مشاركة المسيح مرّتين في آلامه، وآملة أن يشركها في مجد قيامته.

على هذا الأمل، وإعرابًا لكم عن عواطفنا الأبويّة وإكرامًا لدفنتها، نوفد إليكم سيادة أخينا المطران بولس عبد السّاتر رئيس أساقفة بيروت السّامي الاحترام، ليرأس باسمنا حفلة الصّلاة لراحة نفسها، وينقل إليكم تعازينا الحارّة.

رحمها الله بوافر رحمته، وسكب على قلوبكم بلسم العزاء".

هذا وكانت كلمة لشقيق هدى طوني شديد تحدّث فيها عن الرّاحلة الّتي اجتمع في "بيتها الصّغير لبنان بكلّ طوائفه ومذاهبه"، لافتًا إلى أنّه في "هذين اليومين سلام هدى قد طغى على أخبار الحرب، حتّى نعرف كم أن لبنان بحاجة إلى السّلام والحبّ"، قائلًا "رأيت الحبّ الّذي وزعته هدى على كلّ لبنان وأراه اليوم فيكم ومعكم".

من جهته، ودّع ئيس مجلس إدارة المؤسّسة اللّبنانيّة للإرسال بيار الضّاهر بكلماته "هدى الاستثنائيّة"، قائلًا: "كنت الهدى وستبقين الهدى".

بعد ذلك كانت التّعازي، ثمّ نقل جثمانها إلى مسقط رأسها كفريا- زغرتا.