الرّسالة البابويّة العامّة المرتقبة "جميعنا أخوة" بين الفرنسيسين
"وعلى الرغم من أنّ قدّيس أسيزي استخدم عبارة "جميعنا أخوة"، إلّا أنّه عنى أيضًا النّساء متوجّهًا إلى الجنسين على حدّ سواء، ما يعني أنّنا جميعًا أخوة وأخوات. وهذا ما يتعيّن أن تُظهره ترجماتُ هذه الرّسالة العامّة الثّالثة للبابا برغوليو.
وقد دعا القدّيس فرنسيس أخوته إلى النّظر بانتباه إلى الرّاعي الصّالح، الّذي تألّم على الصّليب من أجل إنقاذ الخراف. وممّا لا شكّ فيه أنّ صورة الرّاعي والخراف هذه تعني الكنيسة بأسرها، ولا تنطبق فقط على الرّهبان الفرنسيسكان. وتتعلّق هذه الدّعوة بصورة خاصّة بالرّهبان عمومًا وأيضًا بجميع الأشخاص الّذين يضعون أنفسهم في خدمة الكنيسة. والمعروف أنّ القدّيس فرنسيس، وفي آخر مراحل حياته، وضع سلسلة تتضمّن ثمانية وعشرين تعليمًا روحيًّا. وهذا الرّقم هو عبارة عن 4 ضرب 7. الرّقم أربعة يرمز إلى العالم والرّقم سبعة إلى خليقة الله. فالرّقم ثمانية وعشرون يرمز بالتّالي إلى الكنيسة كعمل الله.
يتحدّث القدّيس فرنسيس عن المسيرة الّتي تقود أبناء الله نحو حياة سعيدة، ومن هنا أشار قدّيس أسيزي إلى التّطويبات في الكتاب المقدّس، الموجّهة إلى جميع النّاس. وقد شاء البابا فرنسيس أن يقدّم خلاصة لمجموعة من النّصوص الّتي تُعتبر ركيزة للأخوّة المسيحيّة، مع العلم أنّ هذه الرّسالة العامّة تندرج في سياق وثيقة الأخوّة الإنسانيّة الّتي وقّعها البابا فرنسيس مع إمام الأزهر أحمد الطّيّب خلال زيارته للإمارات العربيّة المتّحدة في شباط فبراير من العام الماضي. ومفهوم الأخوّة هذا يتخطّى بالتّالي نطاق الكنيسة إذ ينطبق على العلاقة بين المسيحيّين والمسلمين أيضًا. ويتحدّث البابا في هذا السّياق عن الأخوّة والصّداقة الاجتماعيّة اللّتين توحّدان جميع الأشخاص ضمن عالم يرتكز إلى التّضامن، ولا يُستثنى منه أحد.
وفي رسالة وجّهها إلى أخوته الرّهبان في العام 1221 شدّد القدّيس فرنسيس الأسيزيّ على أهمّيّة أن تتخطّى الإنسانيّة حدود الأمم والنّطاق الدّينيّ. واعتبر أن هذه المسؤوليّة لا تلقى على عاتق المؤمنين المسيحيّين والأشخاص الملتزمين على الصّعيد الكنسيّ وحسب، لأنّها مسؤوليّة جميع الشّعوب والأمم والأعراق في أصقاع العالم كافّة.
وقد تبنّى هذا الموقف بعد الزّيارة الّتي قام بها إلى مصر، خلال الحملة الصّليبيّة الخامسة، حيث اختبر– عبر التّلاقي مع الإسلام– إمكانيّة إيجاد الحكمة الرّوحيّة ومحبّة الله، حتّى خارج النّطاق الدّينيّ الخاصّ. ووجّه هذه التّعاليم مستخدمًا عبارة أخوّة، وعنى بذلك الرّهبان الفرنسيسكان وجميع الرّجال والنّساء الّذين هم أخوة بالرّوح أو بالجسد. كما أنّ القدّيس فرنسيس الأسيزيّ يتطرّق في كتاباته إلى كلمات الرّبّ يسوع الّذي قال لجميع أتباعه: أنا هو الطّريق والحقّ والحياة.
من خلال رسالته العامّة الثّالثة شاء البابا فرنسيس أن يسلّط الضّوء على قدّيس أسيزي، الّذي يتحدّث عن أخوّة كونيّة، تمتدّ لتشمل جميع الأشخاص والخلائق. وقد كتب رسائل عديدة يتوجّه من خلالها إلى سكّان الأرض كافّة، ويدعو جميع الشّعوب إلى محبّة الله الأوحد. بالتّالي فإنّ هذه الوثيقة البابويّة الّتي تحمل عنوان "جميعنا أخوة" هي موجّهة في المقام الأوّل إلى الرّجال والنّساء الّذين يلتقون في البيئات الكنسيّة، ومن خلالهم تمتدّ هذه الدّعوة لتشمل سكّان الأرض كافّة."