الرّاعي: نرفض الدّويلات ونريد دولة قويّة بجيشها ودستورها تفرض سلطتها داخليًّا وخارجيًّا
وإستقبل الرّاعي أيضًا وفدًا من اللّقاء الرّوحي في لبنان ضمّ عددًا من رجال الدين من مختلف الطوائف الإسلاميّة والمسيحيّة جاء يعلن تأييده لمواقف الرّاعي الوطنيّة ولاسيّما لطرح "الحياد النّاشط". وخلال اللّقاء تحدّث كلّ من أصحاب الفضيلة، الشيخ محمد علي الحاج العاملي الذي قال: "بارك الله فيكم يا صاحب الغبطة. إنّه من أقل الواجب أن نحضر إلى هذا الصّرح الكريم لكي نشدّ على أيديكم بمواقفكم الوطنيّة التي نعتبرها أساسيّة ومن صلب وظيفتنا كعلماء ورجال دين. لقد تداعينا سنة 2012 لتأسيس هذا اللّقاء اعتراضًا منّا على استغلال رجال الدين واستثمارهم في السّياسة. أردنا القول أنّ دور رجل الدين هو دور روحيّ ودينيّ صرف، ونحن ضدّ تدخّل رجال الدّين في السّياسة. نحن هنا اليوم لنتضامن معكم ولنقف إلى جانبكم في مواقفكم الوطنيّة الأخيرة وهو موقف يبعد كلّ البعد عن الزّواريب السّياسية الصّغيرة. إنّه موقف تاريخيّ ضدّ كلّ التّدخلات الخارجيّة في لبنان وضدّ جعل لبنان مطيّة لأيّة دولة أخرى كائنًا من كانت شيعيّة أو سنّيّة أو مسيحيّة. آن الأوان وخاصّةً في مئويّة لبنان الأولى أن تترسّخ القناعة لدينا ببناء وطن بأبنائه فقط، يكون كيانًا نهائيًا لهم، يقرّرون هم ما يشاؤون فيه دون تدخّل أحد من الخارج. كما نرفض في المقابل أي تدخّل لنا في كلّ صراعات المنطقة وفي أيّ صراع في العالم."
ثمّ تحدّث الشّيخ أياد عبدالله مؤكدًا على دعم طرح البطريرك لموضوع الحياد الذي يعتبر أساسًا في قيام دولة لبنان وضمانة لاستمرارها.
من جهّته قال الشّيخ عامر زين الدّين: "نأتي إلى هذا الصّرح الذي أعطي له مجد لبنان، مجد الكرامة والعنفوان، كلقاء روحيّ في الجبل ولبنان ونيافتكم من رعيتم إطلاق هذا اللّقاء. ونحن بإذن الله تعالى وبرعايتكم وبركتكم نسير حاملين لواء المحبّة والسّلام بروح إيمانيّة موحّدة، وهذا ما أنتم تنادون به ونحن إلى جانبكم في مواقفكم ورسالتكم الوطنيّة الكبيرة التي تعبّر عن ضمير ووجدان وعقل كلّ لبنانيّ وطنيّ في هذا الوقت من حياة لبنان."
وفي كلمة ترحيبيّة له قال البطريرك الرّاعي: "اللّقاء الرّوحيّ يقوّينا وينعشنا، ونحن دائمًا نقول يا ليت السّياسيين يعودون إلى القضايا الرّوحيّة، لأنّها ترفعنا إلى الأعلى. هذا اللّقاء اليوم هو صورة مصغّرة عن لبنان المتنوّع والمتعدّد ثقافيًّا ودينيًّا، ولأن هذه هي طبيعة لبنان لا يمكنه إلاّ أن يكون حياديًّا وألاّ يدخل في تحالفات لا غربيّة ولا شرقيّة، ولذلك عندما اتفقوا في الميثاق غير المكتوب كان القرار أن يكون لبنان حياديًّا، ولا يمكننا أن نحيا إلّا هكذا وإلاّ سيتّجه المارونيّ إلى فرنسا والسّنّي إلى السّعوديّة والشّيعيّ إلى إيران أو النجف، وكلّكم تعلمون أنّنا عشنا في الخمسينات البحبوحة والازدهار. وهذا الأمر ضايق حينها إسرائيل التي كانت تقول أنّ لبنان كذبة وسنبرهن أنّه كذبة وراحوا يعملون من أجل تحقيق هذه الغاية، لأنّ لبنان حينها كان حياديًّا، واسرائيل وغيرها من الدول تضرّرت من موضوع حياد لبنان.
فلذلك أقول إنّ لبنان بطبيعته محايد وموقعنا على البحر المتوسط فتح لنا أبواب التجارة، فلبنان وشعبه يحبّون التجارة وليس الحروب، ولكن مع اتفاق القاهرة في العام 1969 وحرب العام 1975 وفلتان الميليشيات، كلّ هذه الأمور جعلتنا غير حياديّين، وهذا ما أوصلنا إلى العزلة والفقر والعوز ولأن نكون نموذج لأسوأ الشّعوب. الحياد ليس طبيعة جديدة علينا وليس هو برنامجًا، بل هي طبيعتنا، ولذلك عندما ذكرت كلمة الحياد للمرة الأولى منذ أشهر قليلة، تفاعل معها النّاس بشكل غير مسبوق وهذا دليل على أنّ النّاس وجدوا ضالّتهم في موضوع الحياد النّاشط، وأنا أتفهّم أنّ بعض القيادات لا يمكنها أن تأخذ موقفًا رسميًّا ولكن تصلني مواقفهم من خلال بعض المقرّبين منهم.
أمّا فيما يتعلّق بالمرحلة المقبلة، فنحن كمجتمع لبنانيّ علينا أن نوحّد الفكرة، لأنّنا عندما نتحدّث عن موضوع الحياد نعني به ثلاث نقاط أساسيّة: عدم الدخول في محاور وصراعات وحروب إقليميّة لأنّها ليست ضمن قدرتنا، ونحن بلد صغير. أمّا النقطة الثّانية فلبنان بطبيعة تكوينه له دور في الشّرق الأوسط كبلد التنوّع والسلم وأرض الحريّات، أمّا النقطة الثّالثة، والتي يصعب تحقيقها بوجود الدويلات داخل الدولة، والتي أفقدتها قيمتها، فهي دولة قويّة بجيشها ودستورها، ما يسمح لها بفرض سلطتها داخليًّا وخارجيًّا وهذه هي الدولة التي نريد."
وأضاف الرّاعي: "أنا قمت بتوزيع نصّ ومبادىء هذا الحياد النّاشط على عدد كبير من سفراء الدول، كي تصل هذه الفكرة إلى أكبر عدد ممكن من دول العالم، وكي نتمكن من خلق "لوبي" دوليّ كي نستطيع في يوم من الأيام أن نصبح بلدًا حياديًّا.
أمّا في الشّقّ الداخليّ، وعلى صعيد لبنان، فقد تلقّينا اتصالات وردود فعل من الجميع باستثناء حزب الله الذي لم يعلن موقفًا رسميًّا بعد، فكلّ ما يُكتب في بعض الجرائد لا يعنيني ولا يمسّ بي، وموقفي من الحياد ليس ضدّ حزب الله، بل هو لمصلحة كلّ اللبنانيين، فالفقر اليوم يطالنا جميعنا، وأنا أعتقد أنّه لا يزال هناك سوء فهم لموضوع الحياد.
ما نريده اليوم هو الولاء للوطن وليس للطائفة، فأنا لبنانيّ قبل أن أكون مارونيًّا، وكلّنا يجب أن نضع لبنانيتنا قبل الطائفة."
بعد اللّقاء كان تصريح للشيخ أياد عبدالله باسم اللّقاء الرّوحيّ جاء فيه: "جئنا كوفد من اللّقاء الرّوحي نمثّل شريحة واسعة من رجال الدين المسيحيين والمسلمين لزيارة البطريركيّة المارونيّة في الدّيمان لنعلن تأييدنا لموقف البطريرك والبطريركيّة في "الحياد النّاشط". فالبطريرك الرّاعي لم يتحدّث عن الحياد من باب الترف السياسيّ ولا من باب الطموح إلى الأفضل، لأن الحياد المطلق ضرورة حتميّة بالنسبة للأمم الصغيرة والكيانات السياسيّة الصغرى المليئة بالمتناقضات العرقيّة والعقائديّة مثل لبنان وسويسرا وسنغافورة.
نحن نؤيد العودة إلى الإحتماء بالحياد الذي هو أساس قيام دولة لبنان لأنّه هو المبرّر الوحيد لاستمرار وجود لبنان، ولأن عدم التّخلي عن الحياد وهو الموقف الرسميّ الحاليّ لما تبقّى من دولة لبنان لا يزال سببًا في عدم زوال لبنان إلى هذه اللحظة، الدول الصغيرة التي تتخلّى عن الحياد تبتلعها أو تتقاسمها الدول الكبيرة وتزول من الوجود كما حذّر وزير الخارجيّة الفرنسيّ الذي لم يكن يهوّل على أحد. الحياد المطلق هو الخيار الوحيد أمام لبنان وإلا فإن لبنان سيزول".
وختم الشّيخ عبدالله: "لأنّنا لبنانيون وطنيون ونحبّ لبنان أكثر من الرّئيس ماكرون وأكثر من كلّ الذين يجاورون لبنان ومن الذين يبيعونه بالجملة منذ نصف قرن، نطالب بالحياد المطلق وبالإصطفاف مع البطريرك الرّاعي، البطريرك المارونيّ الوطنيّ ومساعدته في العمل على إنقاذ الأمن الوجوديّ لبلد صغير وجميل إسمه لبنان".
بعد ذلك استقبل البطريرك الرّاعي وزير الصّحّة السّابق الدكتور كرم كرم ووفدًا من راهبات سيّدة الحقلة.