الرّاعي من الدّيمان: فلنحافظ على شبيبتنا فهم مستقبل لبنان الحقيقيّ والقوّة التّجدّديّة فيه
"1. كما أرسل الآب السّماويّ إبنه الوحيد المولود منه غير المخلوق منذ الأزل، فصار إنسانًا لخلاص الجنس البشريّ، ولفدى كلّ إنسان، هكذا الإبن يرسل كنيسته، أساقفة وكهنة وشمامسة ومكرّسين ومؤمنين ليواصلوا رسالته الخلاصيّة في العالم. ولأنّ الكنيسة ستلقى الرّفض والاضطهاد مثله، قال: "ها أنا أرسلكم كالخراف بين الذّئاب. فكونوا حكماء كالحيّات وودعاء كالحمام" (متّى 10: 16).
بهذا الكلام الواضح والصّريح، نحن كمؤمنين بالمسيح، أمام واجب ووعي. أمّا الواجب فهو التزام كلّ واحد وواحدة منّا من موقعه دوره في الرّسالة المسيحانيّة. وأمّا الوعي فهو الإدراك بأنّ طريق الرّسالة صعب بحدّ ذاته وعلينا. نصلّي كي ينعم علينا الله بالغيرة الرّسوليّة والشّجاعة في إعلان إنجيل الخلاص.
2. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة في كنيسة كرسيّنا البطريركيّ الصّيفيّ في الدّيمان، على مشارف الوادي المقدّس ودير قتّوبين حيث عاش بطاركتنا القدّيسون في قعر الوادي مقاومين بالصّوم والصّلاة وعمل الأرض، طيلة أربعماية سنة في عهد العثمانيّين.
إنّنا في الدّيمان نقضي فترة الصّيف في نيابة الجبّة من الأبرشيّة البطريركيّة، مع سيادة أخينا المطران جوزيف نفّاع، نائبنا البطريركيّ العامّ فيها والكهنة والرّهبان والرّاهبات وسائر مؤمني ومؤمنات هذه المنطقة.
وإنّي أحيّي أعزّاءنا في رعيّة الدّيمان العزيزة، كاهنها ومختارها وناديها ولجنة وقفها، الّذين نقيم معهم كالعادة وعلى نيّتهم القدّاس الأوّل الّذي نحتفل به في كرسينا البطريركيّ، نذكر منهم المقيمين والمنتشرين ويسعدنا أن يكون معنا اليوم عدد منهم برفقة سيادة اخينا المطران بول مروان تابت من مدينة هاليفاكس من كندا. ونفتتح فترة الصّيف الّذي نرجوه موسم خير ونعم.
3. وفيما أحيّي جميع الحاضرين، أوجّه تحيّة خاصّة إلى معالي وزير السّياحة المهندس وليد نصّار في مناسبة إطلاق برنامج الحجّ الدّينيّ في موقع حديقة البطاركة وسائر المواقع الدّينيّة البطريركيّة في الدّيمان، وإدراجها على خريطة السّياحة الدّينيّة، والتّرويج لها وطنيًّا وخارجيًّا.هذه المواقع متّصلة بتاريخ البطريركيّة المارونيّة خلال حقبة قنّوبين، وبعدها حقبة الدّيمان، ومعها تاريخ الجماعة البشريّة الّتي تشكّلت حول البطريركيّة. نشكر معاليه على جهوده، وتجاوبه مع سعي الكرسيّ البطريركيّ ورابطة قنّوبين للرّسالة والتّراث وجماعة الرّاهبات الأنطونيّات في حديقة البطاركة، آملين أن يحقّق برنامج الحجّ الدّينيّ غاياته الرّوحيّة والثّقافيّة والتّنموية.
4. آلمتنا للغاية حادثة قرنة السّوداء الّتي راح ضحيّتها إثنان من بلدة بشرّي العزيزة من أسرة آل طوق الكرام وهما المرحومان هيثم ومالك. إنّنا نقدّم تعازينا الحارّة لعائلتي الضّحيّتين، ونلتمس من الله لهما الرّاحة الأبديّة. ونعوّل على الجيش اللّبنانيّ في فرض الأمن لصالح الجميع، وعلى أهالي بشرّي في ضبط النّفس، ووضع الخلاف المزمن في منطقة قرنة السّوداء في عهدة القضاء.
5. عدّد الرّبّ يسوع في إنجيل اليوم نوعيّة المصاعب والاضطهادات الّتي تواجهها الكنيسة، إكليروسًا وعلمانيّين، كالجلد، الإحضار أمام المجالس والملوك، والخيانة، والبغض، والاضطهاد، والقتل....
أمام هذا الواقع، يدعو الرّبّ يسوع الكنيسة بكلّ أفرادها، رعاة وإكليروسًا وشعبًا، للتّحلّي بأربع ميزات: الحكمة، والوداعة، والاتّكال على إلهامات الرّوح القدس، والصّبر.
1- الحكمة. هي فضيلة وموهبة من مواهب الرّوح القدس تساعد العقل على تمييز ما هو خيرنا الحقيقيّ، في كلّ ظرف، وعلى اختيار الوسائل الفضلى للبلوغ إليه. وهي تلتقي مع الفطنة في حسن التّصرّف، ومع الانتباه والحذر.
2- الوداعة. وهي تواضع القلب المنفتح على الله والنّاس. وهي الصّفاء وقرب المنال من النّاس، فلا كبرياء ولا تعالي، ولا انطواء على الذّات. هذه الفضيلة هي من ثمار الرّوح القدس فينا إلى جانب اللّطف والمحبّة والسّلام (غل 5: 22). الوداعة هي ميزة الرّبّ يسوع الّذي دعانا لنتعلّمها في مدرسته: "تعلّموا منّي أنّني وديعٌ ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم" (متّى 11: 29). وجعل هذه الفضيلة مادّة في دستور الحياة المسيحيّة، المعروف بإنجيل التّطويبات: "طوبى للودعاء فإنّهم يرثون الأرض" (متّى 5: 4). تتّصف هذه الفضيلة بصفاء القلب والنّقاوة وروح السّلام.
3- الإتكال على إلهامات الرّوح القدس. فالرّوح يضع على فمنا كلمة الحقّ وما يجب أن نقوله بجرأة، وينعش قلوبنا بالمحبّة، منتزعًا منها الخوف، ومقوّيًا إرادتنا بالثّبات في الحقّ والعدل.
4- الصّبر حتّى النّهاية. وهو فضيلة تؤدّي إلى الانفراج وإلى الخير. بالصّبر يصمد الإنسان كمن يسير في نفق، مدركًا أنّه سينتهي إلى نور الشّمس، أو كمن ينتظر اللّيل الطّويل حتّى انبلاج الفجر الآتي حتمًا.
6. ينتهي كلام الرّبّ يسوع بالدّعوة للتّشبّه به في الإحتمال بروح المشاركة في آلامه من أجل خلاص العالم: "ليس تلميذ أفضل من معلّمه، ولا عبد من سيّده، حسب التّلميذ أن يصير مثل معلّمه، والعبد مثل سيّده" (متّى 10: 24-25). إنّها دعوة للسّير في طريق يسوع الملوكيّ.
7. بالأمس أمضينا نهارًا مع شبّان وصبايا تجمّعوا من عكّار العزيزة ومن مناطق أخرى، في مدينة القبيّات بمسرح مدرسة الآباء الكرمليّين. وقد تجاوز عددهم السّتماية بحضور صاحبي السّيادة المطران يوسف سويف راعي أبرشيّة طرابلس المارونيّة، والمطران إدوار جاورجيوس ضاهر راعي أبرشيّة طرابلس للرّوم الملكيّين الكاثوليك، وفعاليّات المدينة. كان اللقاء في إطار "الأيّام الرّسوليّة للشّبيبة" الّتي ينظّمها مكتب راعويّة الشّبيبة في الدّائرة البطريركيّة بالتّعاون مع لجان الشّبيبة في الأبرشيّات. وقد شملت هذه "الأيّام الرّسوليّة" مناطق أخرى مثل: رشميا ورميش والصّالحيّة ودير الأحمر ورياق وأبلح.
لقد شعرنا أنّ شبيبتنا شباب واعد وواعٍ ومسؤول. بفضل وعيهم وتجرّدهم وحماسهم، سيكون لنا في الغد الآتي قادة حقيقيّون مميّزون. فلبنان عانى الكثير من الّذين تسلّموا الحكم منذ أكثر من ثلاثين سنة فأنهكوا الدّولة، وهدّموا مؤسّساتها، ونهبوا أموالها، وحطّموا اقتصادها، وفقّروا شعبها. ومن أجل المزيد، لا يريدون رأسًا للدّولة بانتخاب رئيسًا للجمهوريّة، ليكونوا هم رؤوسها المسخ، ولا يخجلون، لا من ذواتهم، ولا من الله، ولا من الوسطاء العرب والدّوليّين، ولا من المواطنين. فليتأكّدوا أنّهم فقدوا بالكلّيّة ثقة النّاس بهم واحترامهم.
أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء،
8. فلنحافظ على شبيبتنا، كنزنا الواعد والغالي، فهم مستقبل لبنان الحقيقيّ، وهم القوّة التّجدّديّة فيه. نسأل الله أن يحفظهم بعنايته، ويفتح أمامهم مستقبلًا زاهرًا، ليعيشوا دعونهم في الحياة، تمجيدًا لله الواحد والثّالوث، الآن وإلى الأبد، آمين".