لبنان
17 تموز 2023, 07:50

الرّاعي: لا شكّ عندنا أنّ يد الله الخفيّة هي الّتي تحمي لبنان من السّقوط

تيلي لوميار/ نورسات
في الأحد الثّامن من زمن العنصرة، احتفل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي بالقدّاس الإلهيّ في كنيسة الدّيمان، ركّز خلاله في العظة على الهويّة المسيحانيّة والّتي تكشفها نبوءة أشعيا، فقال:

"1. نبوءة أشعيا النّبيّ إنّما قيلت عن ربّنا يسوع المسيح، إبن الله منذ الأزل، الّذي أرسله الآب متجسّدًا لخلاص البشريّة جمعاء. فمسح بشريّته بالرّوح القدس وأرسله ليعلن الحقّ لجميع شعوب الأرض.

يسمّيه آشعيا عبدًا، واللّفظة مشتقّة من فعل عَبَدَ، ومنه "العابد" للدّلالة أنّه "حبيب" الله الّذي اختاره، وملأ بشريّته من الرّوح القدس، وأرسله. من هذه النّبوءة تنكشف الهويّة المسيحانيّة والرّسالة. فالهويّة هي مسحة الرّوح القدس، والرّسالة هي إعلان الحقّ والخلاص لجميع الأمم. وقد أشرك الرّبّ يسوع بهاتين الهويّة والرّسالة كلّ الشّعب المسيحيّ بالمعموديّة والميرون. وهو إشراك منفتح على جميع شعوب الأرض من كلّ لون وعرق وجنس. نصلّي اليوم إلى الله لكي يتعمّق كلّ مسيحيّ ومسيحيّة في هويّته المسيحانيّة، ويلتزم بعيش الرّسالة المسيحيّة في الحالة الّتي هو/هي فيها، من أجل بناء مجتمع أفضل.

2. هذه الهويّة والرّسالة قبلها القدّيس شربل الّذي نحتفل اليوم بعيده في هذا الأحد الثّالث من شهر تمّوز. لقد ظهرت هوّيته المسيحانيّة في حياته الرّهبانيّة والكهنوتيّة والنّسكيّة في رحاب الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة الجليلة. وقد سطعت بالفضائل الإلهيّة الإيمان والرّجاء والمحبّة، وبنذوره الرّهبانيّة الثّلاثة الطّاعة والعفّة والفقر. وشهدت الكنيسة، في دعوى تطويبه وتقديسه، أنّه "عاش ببطولة هذه الفضائل الإلهيّة وهذه النّذور الرّهبانيّة، وما اشتقّ منها من فضائل روحيّة وإنسانيّة".

أمّا الرّسالة المسيحانيّة فعاشها صلاةً وأعمالًا وضيعة تقشّفيّة في دير مار مارون عنّايا مع الجماعة الدّيريّة مدّة ستّ عشرة سنة، وعاشها موتًا كاملًا عن العالم في صومعة القدّيسين بطرس وبولس على قمّة عنّايا طيلة ثلاث وعشرين سنة حتّى وفاته ليلة عيد الميلاد في 24 كانون الأوّل 1898. والله في سرّ تدبيره وزّع ثمار حياته الخفيّة على حاجات الكنيسة ورسالتها المسيحانيّة.

3. فيما أرحّب بكم جميعًا أوجّه تحيّةً خاصّة إلى عائلة المرحومة هدى الرّاعي مهنّا (أمّ ميشال) الّتي ودّعناها الأربعاء الماضي مع أهالي زوق مصبح وبكفيّا أولادها وأشقّائها وشقيقاتها وسائر أنسبائها بالأسى الشّديد وصلاة الرّجاء. نصلّي في هذه الذّبيحة الإلهيّة لراحة نفسها في الملكوت السّماويّ ولعزاء أسرتها.

4. يبيّن لنا آشعيا النّبيّ النّهج الّذي به نعيش هويّتنا المسيحانيّة ورسالتنا، وهو ذو بعدين:

الأوّل، الوداعة والرّوح السّلاميّ: "لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحدٌ صوته في الشّوارع" (متّى 12: 19).

الثّاني، المحافظة على الضّعيف ومساعدته على النّهوض: "قصبة مرضوضة لا يكسر، وسراجًا مدخّنًا لا يطفي" (متّى 12: 20).

ويحدّد آشعيا الهدف الأخير وهو البلوغ إلى الظّفر، واتّكال الشّعوب على اسمه (متّى 12: 20-21).

5. هذه الهويّة والرّسالة المسيحانيّة ببعديها وهدفها الأخير، لا تقتصر على القطاع الكنسيّ والرّوحيّ بل تنبسط إلى العائلة والمجتمع والدّولة. عندما نقول الدّولة، نعني المسؤولين فيها وكلّ الّذين يتعاطون الشّأن السّياسيّ والحزبيّ.

الجميع في لبنان والخارج يشتكون من الفساد السّياسيّ والماليّ والإداريّ والتّجاريّ والأخلاقيّ حتّى فقدان الحياء البشريّ، وموت الضّمير الإنسانيّ والوطنيّ، والاستعباد لأصنام السّلطة والأشخاص والمال والسّلاح والمصالح الشّخصيّة والفئويّة، حتّى تعطيل انتخاب رئيس للدّولة وتدمير المؤسّسات الدّستوريّة. هذه كلّها جريمة نكراء بحقّ الدّولة ومؤسّساتها وبحقّ الشّعب اللّبنانيّ. وليعلّم جميع المعنيّين أنّهم مدانون من الله والنّاس. ومهما فعلوا ونشطوا في عمليّات الهدم منذ شغور سدّة الرّئاسة وقبلها، فلن يبلغوا مشتهاهم، وفي وجههم قوّة إيمان شعبنا اللّبنانيّ الطّيّب وأخلاقه وصموده ودفاعه عن قدسيّة الوطن من دون أيّ سلاح.

6. ومن علامات الرّجاء عندنا التّقدّم الملحوظ للجامعة اللّبنانيّة الّتي بحسب تصنيف مؤسّسة "كيو أس" البريطانيّة العالميّة المتخصّصة بالتّعليم العالي، تقدّمت جامعتنا 24 نقطة عن العام الماضي، وحلّت في المرتبة الثّانية محلّيًّا بعد الجامعة الاميركيّة، وسجّلت نقاطًا متقدّمة في المعايير، فجاءت الأولى محلّيًّا على مستوى مؤشّر السّمعة المهنيّة، والثّانية على مستوى السّمعة الأكاديميّة. إنّنا نقدّم أحرّ التّهاني إلى رئيس الجامعة البرفيسور بسّام بدران وأساتذتها والعاملين فيها على هذا الإنجاز المميّز، وعلى تألّق الجامعة اللّبنانيّة وحضورها على مستوى لبنان والعالم العربيّ وفي العالم. وأنّنا نؤكّد العمل على دعم مطالبها وبخاصّة موازنتها وكلّ ما من شأنه أن يطوّر قدراتها الأكاديميّة والعلميّة، لخدمة طلّابها وتأمين مستقبلهم.

7. ولا شكّ عندنا أنّ يد الله الخفيّة هي الّتي تحمي لبنان من السّقوط، بتشفّع أمنّا مريم العذراء، سيّدة لبنان، ومار شربل وسائر القدّيسين والطّوباويّين أبناء هذا الوطن الصّغير بحجمه، والكبير بهم، وبحضارة شعبه واختبارات تاريخه. وإنّا في حضرة القدّيس شربل نجدّد هذا الإيمان بالله رافعين لله كلَّ مجد وتسبيح وشكر، الآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".