الفاتيكان
28 شباط 2016, 13:24

الراعي في عظة الأحد: نعيش في الشرق احقادا تترجم الى حروب وقتل وهدم وخطف

ترأس غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة مار مارون في الوكالة البطريركية – روما، عاونه فيه المطران فرنسوا عيد المعتمد البطريركي في روما ونائبه المونسنيور طوني جبران ورؤساء الوكالات الرهبانية المارونية في روما ولفيف من الكهنة، وخدمة القداس جوقة المعهد الحبري الماروني في روما. حضر القداس حشد من المؤمنين يتقدمهم سفير لبنان لدى الكرسي الرسولي العميد جورج خوري والقائم باعمال السفارة اللبنانية في ايطاليا كريم خليل والمستشار الاول البير سماحة ونائب رئيس المؤسسة المارونية للانماء الشامل الدكتور سليم صفير. بعد تلاوة الانجيل المقدس القى البطريرك الراعي عظة تأمل فيها بمثل الابن الشاطر في انجيل اليوم وقال:

"في هذا المثل البليغ من انجيل اليوم، يعلمنا الرب ثلاثة حقائق اساسية في حياتنا، يدعونا الى واجب. هذه الحقائق هي مفهوم الخطيئة ونتائجها. التوبة وعنصر المصالحة وثمارها، والواجب ان نكون نحن ايضا رحومين ونحمل شرف خدمة المصالحة. وهذا الكلام يصح ويتحقق في حياتنا الشخصية وحياتنا العملية والاجتماعية والوطنية. العبرة التي سمعناها في انجيل اليوم، هي ان الانسان عندما يتعلق بخيرات الارض وهي عطية من الله، اكانت خيرات مادية او اشخاص او ايديولوجيات، وبذلك يبتعد الانسان عن الله، وعندها لا يعود الانسان يسمع لا كلام الله في الانجيل ولا يصلي، ويأبى ايضا ان يسمع صوت الضمير الذي هو في اعماقه. عندها وكما سمعنا في الانجيل يقع الانسان في الفقر ويفقد كل شيء ويقع في حالة الذل، وهذه الحالة التي صوّرها الرب يسوع في مثل الابن الشاطر. هذا الابن الذي كان يعيش في بحبوحة وكرامة، انتهى إلى أن يسابق الخنازير على اكلهم، ليقول لنا كم ان الانسان ينحطّ امام الله. نحن البشر نمجد الذي يصنع الشر والذي يقتل، وبالنسبة إلى الرب يصبح الانسان فاقدا صورة الله. ولكن مع هذا كله لا يحرمه الله من رحمته ومن حنانه.

التوبة كما سمعنا هي العودة الى الذات. يقف الانسان مرة امام نفسه ويتساءل، اين انا وكيف اعيش. في الحقيقة هذه الوقفة امام الذات هي وقفة امام الله، لانها تضعني امام صوت الضمير أي امام ما يقوله لي الله. ولان ما يقوله الله هو خارج تماما عما اعيشه، عندها اشعر بالندامة، وبالتالي انتقل من الحالة التي أنا فيها، واقرر ان ارجع الى الله.

كل هذا، كلام رائع لانه يضع الانسان امام نفسه، ولكن المرجلة ان اعرف كيف انفّذ.
المصالحة، والمبادرة هي ان الله لم يترك الانسان. خلقه على صورته وافتداه بدم ابنه الوحيد على الصليب واعطاه الروح القدس واعطاه الكنيسة كي تهديه دائما الى سر الخلاص. ويقول الرب في الانجيل إن الولد كان بعيدا عندما رآه ابوه، كي يقول لنا إن الرب ينتظرنا. المصالحة تبدأ مع الرب الذي ينتظرنا. وعندما عاد القديس اغسطينوس الى الله، بعد غياب طويل وحياة ملؤها الفلتان، قال: "انا كنت خارجا عنك، ولكن انت كنت في داخلي. انا كنت غريبا عن نفسي، بل انت كنت في داخلي. انت عدت الي بهذه القوة التي كانت في من خلالك." والإبن الضال اقر بخطيئته وفرض على نفسه تكفيرا فقال لابيه: "عاملني كأجير". نعم الشجاعة هي ان اتوب واقر بخطيئتي واكفّر من خلال اعمال الخير والرحمة واقرّ باني بدأت حياة جديدة مع الرب. ثمار هذه المصالحة هي التوبة التي تعيد صورة الله الى الإنسان. وإعادة البنوة الكاملة، فيضع الاب الخاتم بإصبع ابنه، ويلبسه الحذاء الجديد، والحذاء يرمز إلى المسيرة الجديدة بعد التوبة، والى التصرف الجديد والتفكير الجديد. لقد علمنا يسوع في صلاة الابانا التي نصليها كل يوم: "كما نغفر لمن خطئ واساء الينا." جميعنا يعرف كم من الصعب ان يسامح الانسان ويطوي الصفحة. ويقول الرب: "إن غفرتم بعضكم لبعض خطاياكم، يغفر لكم أبوكم السماوي خطاياكم." والقديس بولس يقول: "نحن لدينا شرف السفير؛ نحن سفراء المسيح للمصالحة." من الجميل ان يكون الانسان سفير المسيح للمصالحة، وهذا الكلام يطبّق في حياتنا العائلية والاجتماعية. لأن خطيئة الانسان ليست شخصية، وتنتهي هنا، بل لها آثارها السلبية، إذ إن مجتمعي يصبح سيئا؛ انا رب عائلة، انا زوج زوجة واب، إلخ. كلنا مسؤولون عن بناء المجتمع والعائلة. يقول البابا القديس يوحنا بولس الثاني: "كنا في خطيئة شخصية، أصبحنا في خطيئة اجتماعية. "لانه عندما لا نتوب نعيش في هيكلية خطيئة.

وهذا ينطبق على الشأن الوطني أيضا. ونحن نعيش في الشرق احقادا تترجم الى حروب وقتل وهدم وخطف. قرار صغير بحرب تبيد آلاف الناس، هو قرار شخصي له انعكاساته السياسية والمادية والإقتصادية والإستراتجية. وايضا بتعطيل رئاسة الجمهورية تكمن خطيئة الانانية والكبرياء والمصالح الخاصة. ولا بأس إذا فقد لبنان دوره ولا بأس إذا غدرنا ببلدنا وإذا عاش المواطن مع النفايات.

صلاتنا اليوم لكي يتوب كل انسان ويرجع لربه. نصلي من اجل رؤساء الدول، لانه كلما كبرت مسؤولية الإنسان كلما كبرت دينونته. ومن يحمل المسؤولية دون ان تكون فيه روح المصالحة يتسبب بخراب المجتمع. نصلي لكي  يرأف الله بنا، نحن الذين نحتاج إلى توبة، فينظر نحونا ويهز ضمائر مسؤولينا وحكام الدول".