لبنان
15 نيسان 2022, 06:45

الرّاعي في رتبة الغسل وخميس الأسرار: الثّقافة المسيحيّة هي الخدمة بتفانٍ وتواضع

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس البطريرك المارونيّ البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرّاعي رتبة الغسل- خميس الأسرار في الصّرح البطريركيّ في بكركي. وألقى الرّاعي عظة بعنوان "إصنعوا هذا لذكري"، جاء فيها:

"باسم الآب والإبن والرّوح القدس، الإله واحد آمين

نحن اليوم ككلّ المؤمنين والمؤمنات في الكنيسة الجامعة، في كلّ مكان من العالم، نحتفل بعيد محبّة يسوع العظمى التي تجلّت في ثلاث مبادرات باقية إلى الأبد. تأسيس سرّ القربان، تأسيس سرّ الكهنوت، وغسل أرجل التّلاميذ، وقد اختصرهم يسوع في عبارة: "إصنعوا هذا لذكري".

نحن نسجد اللّيلة، عندما يعرض القربان المقدّس في كلّ الكنائس، ويزور الشّعب سبع الكنائس بحسب العادة ليتذكّروا الأسرار السّبعة التي أسّسها الرّبّ يسوع لخلاص البشر.

أثناء زيارتنا وخشوعنا أمام الرّبّ الحاضر في سرّ القربان، نقدّم التّعبير عن شكرنا أوّلاً لمحبّة المسيح العظمى وثانيًا التزامنا بهذه المحبّة العظمى التي تتجلّى في ثقافة حياتنا المسيحيّة في العتائلة والمجتمع والكنيسة والدّولة.

في مثل هذا اليوم أسّس الرّبّ يسوع سرّ القربان، كي تكون ذبيحة جسده ودمه لفداء العالم مستمرّة، وكي تكون وليمة جسده ودمه لحياة كلّ إنسان مستمرّة، لذلك سرّ القربان يحمل ثلاثة أوصاف أساسيّة، التّذكار والحضور والانتظار.

هو تذكار لسرّ آلامه وموته، هو تذكار لوليمة جسده ودمه، وتذكار لكلامه القائل خذوا كلوا هذا هو جسدي، خذوا اشربوا هذا هو دمي يُراق ويبذل من أجلكم لمغفرة الخطايا.

هذا التّذكار ليس من الماضي، ولا يقف عند الماضي، لكنّه تذكار حضور يتحقّق في كلّ مرّة يحتفل كاهن بالقدّاس، فتتجدّد ذبيحة الرّبّ يسوع، وتتجدّد وليمة جسده ودمه. بمعنى آخر، في القدّاس نحن لسنا أمام مسرحيّة ولا أمام استنساخ، بل نحن أمام المسيح الحاضر الذي يعطي جسده ودمه ذبيحة فداء غير دمويّة، ومن يده، بواسطة الكاهن، يعطينا جسده ودمه لحياتنا.

تذكار وحضور، تذكار وتحقيق، الآن وهنا، وهذا يعني في كلّ مرة يقيم فيها كاهن الذّبيحة أينما كان، تتم ذبيحة الفداء ووليمة جسد الرّب ودمه.

تذكار، حضور، وإنتظار أنّ ما تناولناه يتحقّق فينا، العبور إلى حياة جديدة فلا تكون المناولة وكأنّها لم تحصل، ولا تكون ذبيحة الفادي كأنّها لم تكن. إنّما نحن ننتظر بقوّة الرّوح القدس ثمار ذبيحة المسيح وثمار وليمته فينا. هذا هو السّرّ العظيم، سرّ محبّة الله العظمى التي تسمى "سرّ القربان".

نحتفل بسرّ محبّته العظمى لأنّه ترك للكنيسة سرّ الكهنوت، "إصنعوا هذا لذكري". سلّم كهنة العهد الجديد إقامة سرّ القربان، فحيث لا يوجد كاهن لا يوجد قدّاس أو ذبيحة إلهيّة تتجدّد، حيث لا يوجد كاهن لا وجود لوليمة جسد الرّبّ ودمه، حيث لا كاهن لا ثمار للرّوح القدس.

نشكر الرّبّ في هذه اللّيلة على محبّته العظمى بتأسيس سرّ الكهنوت ونهنّىء كلّ الكهنة والأساقفة اليوم في يوم عيدهم.

ثالثًا، الغسل: غسل الرّبّ يسوع أرجل التّلاميذ في إطار تأسيس سرّ القربان وفي إطار تأسيس سرّ الكهنوت، كي يقول أنّ الثّقافة المسيحيّة هي الخدمة بتفانٍ وتواضع، وقال لنا بكلام واضح، ما فعلته أنا أمامكم هو قدوة ومثال، فإذا كنتم تسمّونني معلّم وربّ فهذا صحيح، ولكن أنا خادم وأنتم يجب أن تفعلوا على مثالي. هذه هي الرّسالة المسيحيّة التي يجب أن نحملها، الخدمة بكل أبعادها ومفاهيمها وقيمها، فجمال نهارنا أن نكون في واقع خدمة، أن نخرج من الذّات إلى الآخرين، خدمة روحيّة أو معنويّة أو مادّيّة أو سياسيّة أو اجتماعيّة، ولكن لا ننسى أنّه رسمنا خدّام على مثاله، وهذا لقب الشّرف الذي أخذته مريم في يوم البشارة "أنا خادمة الرّبّ". يسوع أخذه في أحد اللّقاءات مع تلاميذه حين قال "أنا بينكم كالخادم".

السّلطة خدمة، أنا أتيت لا لأُخدم بل لأخدم، أيّ لأبذل نفسى فداءً عن الكثيرين. اللّيلة ونحن نحتفل بسرّ القدّاس - الافخارستيّا، أيّ صلاة الشّكر في مفهومها، نشكر الرّبّ يسوع على محبّته العظمى، وقد افتدانا بذبيحته على الصّليب، واعطانا الحياة الجديدة بقيامته. 

نشكر الرّب على محبّته العظمى بتأسيس سرّ القربان لتجدّد وتجديد ذبيحة الفداء ووليمة جسده ودمه، ونشكره على سرّ الكهنوت، ولأنّه أعطانا هويّتنا الحقيقيّة بأن نكون خدّام الله في العالم. للمسيح الرّبّ، وللآب الذي أرسله وللرّوح القدس كلّ مجد وإكرام وتسبيح الآن والى الأبد، آمين".