مصر
17 تشرين الأول 2022, 07:50

الرّاعي في القاهرة، والمناسبة؟

تيلي لوميار/ نورسات
في كاتدرائيّة القدّيس يوسف المارونيّة- الظّاهر- القاهرة، احتفل البطريرك المارونيّ الكاردنيال مار بشارة بطرس الرّاعي مساءً بقدّاس الأحد، عشيّة مشاركته في المؤتمر الّذي تنظّمه جامعة الدّول العربيّة بالتّعاون مع المجلس العالميّ للتّسامح والسّلام في مقرّ الأمانة العامّة للجامعة بين 17و18 تشرين الأوّل الجاري. وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى الرّاعي عظة تحت عنوان" في منتصف اللّيل صارت الصّيحة: هوذا العريس أخرجوا للقائه"، قال فيها:

"في إنجيل اليوم العريس هو الرّبّ يسوع، فادي الإنسان ومخلّص العالم. هو عريس لأنّه صديق كلّ إنسان ورفيق كلّ إنسان في دروب الحياة. مجيئه المفاجئ هو ساعة موت كلّ واحد منّا. فيه يطلب أن نكون مستعدّين لهذا اللّقاء. تنبسط معاني هذا الإنجيل إلى مجيء الرّبّ في حياتنا اليوميّة عندما ينتظر منّا موقفًا أو عملاً أو مبادرة خيّرة بنّاءة فعّالة، ويدعونا لنكون مستعدّين لمجيئه اليوميّ وللقائنا معه في نهاية حياة كلّ واحد وواحدة منّا.

1- يسعدني أن نحتفل معًا بهذه اللّيتورجية الإلهيّة، وكما ذكر سيادة راعي الأبرشيّة، أنا هنا لتلبية دعوة للمشاركة في المؤتمر الّذي تنظّمه جامعة الدّول العربيّة بالتّعاون مع المجلس العالميّ للتّسامح والسّلام في مقرّ الأمانة العامّة للجامعة بين 17و18 تشرين الأوّل الجاري، وقد طُلب إليّ الكلام في جلسة الافتتاح بموضوع: "التّسامح في المسيحيّة ودوره في ترسيخ أسس السّلام الاجتماعيّ".

نحن نرجو أن يكون هذا المؤتمر من سلسلة اللّقاءات الّتي فيها يتحاور الجميع من أجل بناء السّلام. وخاصّة الحوار الّذي يبنى على القيم الدّينيّة والقيم الرّوحيّة خلافًا لما يقول البعض إنّ الأديان مصدر خلافات ونزاعات، هذا غير صحيح بل الأديان تعطي روحًا، ومعنى وقيمة لكلّ حوار دبلوماسيّ بين الشّعوب. الأديان تعطي الأساس لكلّ تفاوض بين النّاس، أساسًا خلقيًّا، أساسًا روحيًّا، وبدون هذا الأساس تبنى المفاوضات على المصالح والنّزاعات، كأنّنا نبني على الرّمل. الحمدلله في هذه السّنوات الأخيرة هناك سعي حول حوار الأديان، كلّ الأديان من أجل استعادة هذه الأسس الرّوحيّة وهذه القيم. المؤتمر هذا الّذي نشارك فيه يندرج في هذا الخطّ.  

2- الإنجيل اليوم كما قلت هو إنجيل لقاء المسيح الرّبّ مع كلّ إنسان في حياته اليوميّة يستعمل الرّموز. الرّمز الأوّل أنّ يسوع هو العريس لأنّه رفيق الإنسان، فادي كلّ إنسان، صديق كلّ إنسان كما ظهر في حياته التّاريخيّة. يأتي في يومنا الأخير ولا يسمّي هذا اللّقاء موتًا، الموت طبيعيّ كلّ من يولد يموت. نعرف هذا. سنموت ويجب أن نموت لأنّنا بدأنا مسيرة تاريخيّة. لكن يعنيه أن يقول عند ساعة الموت هو الّذي يتقبّل كلّ واحد منّا. هو الّذي يعطي معنى لحياتي بعد التّاريخ. هو الّذي يسعدني إن كنت عشت معه ومع الله، و بكلّ أسف لا يعرفني لأنّني لم أعرفه في هذه الدّنيا. يستعمل صور العرس. العذارى هم النّفوس هم النّاس. الحكيمات هم الّذين يفكّرون في عمق الحياة ومعانيها، يفكّرون بالموت بمعنى الموت، بالألم، بمعنى الوجود ويحطاطون له بحياة صالحة، ويضعون أمامهم القاعدة الّتي تقول: أذكر يا إنسان أواخرك فلن تخطأ. الجاهلات هم النّاس السّطحيّون الّذين يعيشون لهذه الدّنيا فقط. أمّا المصابيح فهي العقل، الطّاقة لمعرفة الحقيقة، الإرادة لفعل الخير، القلب للمشاعر الإنسانيّة. والزّيت هو الإيمان للعقل والرّجاء للإرادة والحبّ للقلب. لا أحد يعرف ساعة موته وكيف سيموت لكن ينبغي أن أكون مستعدًّا. في حياتي اليوميّة ينتظر منّي الرّبّ موقفًا في لحظته، يجب أن أقول الحقيقة الآن، يجب أن أحمي العدالة الآن، ينبغي أن أبني السّلام الآن. أن اقول لا عندما يجب أن أقول لا ونعم عندما يجب أن أقول نعم. لا أستطيع أن أعيش فاترًا. فلا معنى للحياة بدون موقف. الكثير من النّاس يهربون من قول الحقيقة ومن الدّفاع عن العدالة ومن اتّخاذ موقف بوجه الظّلم. فلا قيمة لحياتهم ولا معنى لوجودهم.

3- إنّنا نوجّه معكم تحيّة تقدير لفخامة رئيس الجمهوريّة اللّبنانيّة العماد ميشال عون، لمثابرته في عمليّة ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل، ولحرصه على وحدة القرار مع كلّ من دولة رئيس مجلس النّوّاب ودولة رئيس مجلس الوزراء. ونرجو أن يعبر التّرسيم القانونيّ إلى حيّز التّنفيذ، وأن تنبسط وحدة القرار هذه إلى انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة قبل 31 تشرين الأوّل الجاري. ويتطّلع اللّبنانيّون وأصدقاء لبنان إلى انتخاب رئيس يعمل على شدّ أواصر وحدة الشّعب اللّبنانيّ، ويلتزم مع الحكومة والمجلس النّيابيّ في إجراء الإصلاحات المطلوبة، والنّهوض الاقتصاديّ والماليّ والمعيشيّ. وعلى هذه النّيّة نصلّي معكم اللّيلة.

4- خيار الرّئيس هو قرار جماعيّ يعطي الشّعور لكلّ مواطن أنّ الرّئيس هو رئيسه. لذا، لا يحقّ لأيّ طرف لبنانيّ أن يُنكر على أيّ طرف لبنانيّ آخر حقّه في أن تكون له كلمة في اختيار رئيس للجمهوريّة. فالرّئيس المارونيّ، بحسب الميثاق الوطنيّ المتجدّد في اتّفاق الطّائف، هو رئيس كلّ اللّبنانيّين، وبالتّالي يجب اختياره في إطار الأصول الدّيمقراطيّة والثّوابت الوطنيّة.

5- إنّ التّعاون بين جميع الأطراف هو ضروريّ، ولكن ليس على حساب السّيادة، وهو مسؤوليّة إيجابيّة مشتركة ينبغي ألّا تبلغ حدّ الفيتو والتّعطيل.

6- أمّا لجهة عودة النّازحين السّوريّين إلى بلادهم، حيثُ تاريخهم وثقافتهم وحضارتهم ووطنهم، فإنّ عددهم الّذي يفوق المليون ونصف بات يشكّل عبئًا اقتصاديًّا ضاغطًا لا يستطيع لبنان المنهك حِملَه، كما يشكّل خطرًا أمنيًا على المجتمع اللّبنانيّ، وينذر بخلل ديموغرافيّ له نتائجه الوخيمة على النّظام السّياسيّ في لبنان، فضلاً عن تغيير في هويّة لبنان الثّقافيّة.  

7- لقد صُدمنا برفض المؤسّسات الدّولية التّابعة للأمم المتّحدة قرار لبنان بإعادة هؤلاء النّازحين إلى وطنهم، وبتمسّكها بإعطاء كلّ نازح حرّيّة البقاء أو العودة. هذا القرار غير مقبول على الإطلاق، لأنّه مكلف جدًّا على لبنان. بل نطالب الدّولة اللّبنانيّة بالمضيّ قدمًا في مواصلة إعادة النّازحين السّوريّين إلى المناطق السّوريّة الآمنة، لكي يتمكّن لبنان من تطبيق مشاريع الإنقاذ. ونطالب الأمم المتّحدة بأن تعطي مساعداتها الماليّة للنّازحين على أرض سوريا لا على أرض لبنان.  

إنّنا نطالب بكلّ ذلك لا كرهًا ولا عداء ولا بغضًا، بل حبًّا بالإخوة النّازحين، لكي يعيشوا بكرامة في وطنهم، ويواصلوا فيه كتابة تاريخهم، ويحافظوا على ثقافتهم وحضارتهم، وهي العناصر الّتي تشكّل هويّة كلّ بلد ووطن. فالأوطان ليست فقط أرضًا وجغرافيا انّما أيضًا ثقافة وحضارة وانتماء.  

8- وإنّا نودع هذه الأمنيات في عناية الله، وتشفّع أمّنا مريم العذراء، والقدّيس يوسف شفيع هذه الكاتدرائيّة، لمجده تعالى ولإحلال الخير والسّلام في مصر ولبنان والعالم. له المجد والشّكر إلى الأبد، آمين."