الرّاعي عن التّمديد لقائد الجيش: نشكر الله على أنّه جنّب لبنان خطر أزمة سياسيّة وأمنيّة
"1. تحتفل الكنيسة في هذا الأحد بتذكار البيان ليوسف الّذي احتار أمام حبل مريم خطّيبته، وبحسب الشّريعة زوجته، قبل أن يتساكنا، "فعزم أن يطلّقها سرًّا ...فتراءى له ملاك الرّبّ في الحلم" (متّى 1: 19-20)، وكشف له سرّ حبل مريم البتوليّ بقوّة الرّوح القدس. وأكّد له أنّ مريم تبقى زوجته وعليه أن يأخذها إلى بيته بحسب الشّريعة. وبشّره أنّ المولود هو ابنه، ولو ليس من زرعه، وهو أبوه الشّرعيّ بحكم زواجه من مريم، وبالتّالي عليه أن يعطيه إسم "يسوع"، ليؤكّد له سلطته عليه، وليعلن له رسالة ابنه يسوع، الظّاهرة في اسمه الّذي يعني باللّفظة العبريّة: "الله الّذي يخلّص شعبه من خطاياهم" (متّى 1: 21).
2. يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا، وأن نحتفل معًا بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة إكرامًا للقدّيس يوسف البتول، حارس الكنزين: مريم الكليّة القداسة، ويسوع إبن الله المتجسّد في بيته. نلتمس منه، وقد أصبح شفيع العائلة المسيحيّة أن يحفظ عائلاتنا، وعائلتنا الوطنيّة. كما نلتمس منه أن يحمي الكنيسة الجامعة وقد أعلنه شفيعها الطّوباويّ البابا بيوس التّاسع في 8 كانون الأوّل 1870.
3. ونوجّه تحيّة خاصّة إلى "جمعيّة فرسان الأرز" الّذين ترونهم يخدمون على المذبح في كلّ أحد، واليوم يرتّلون القدّاس. ونحيّي مؤسّسهم ومرشدهم عزيزنا الأب فادي تابت المرسل اللّبنانيّ. تأسّست هذه الجمعيّة في عنصرة 2021 في مزار سيّدة لبنان حريصا، وأصبحوا اليوم 170، لتنطلق بعدها على صعيد الوطن. أعضاؤها شبيبة جامعيّون ومتخصّصون في مجالات متنوّعة: كالطّبّ والهندسة والمحاماة وغيرها. تكرّسوا لخدمة الكنيسة والوطن، عشقوا التّغيير والتّجدّد مع المحافظة على الأصالة. اتّخذوا "الميثاق الوطنيّ الشّامل" الّذي وضعناه للشّبيبة، فاتّخذوه دستورًا لهم وقانونا. يؤمنون بلبنان الشراكة، حيث الشّريك في الوطن مصدر قوّة، لا مصدر خوف. يسعون إلى الوحدة في العائلة والمجتمع مع المحافظة على التّنوّع. يقومون بدورات تدريبيّة تثقيفيّة على كلّ الأصعدة، يمتلكون مهارات في فنّ التّواصل والتّأثير والقيادة. الإصغاء ميزتهم، الشّرف مسارهم، التّضحية رسالتهم، الخدمة هدفهم، والفرح مطلبهم في عالم طغت عليه السّلبيّة والسّوداويّة فزرعوا الفرح حيثما حلّوا. ولاؤهم الأوّل والأخير للمسيح وكنيسته والسّلطة فيها. يتميّزون بمهارة التّنظيم والتّخطيط للاحتفالات والمؤتمرات، ويتمرّسون في فنّ القيادة والتّدبير. إنّ هدفهم الإنسان أوّلًا في ما يقومون به من نشاطات تربويّة ورياضيّة ودينيّة وثقافيّة وخدماتيّة وبخاصّة للمرضى والمصابين بالإعاقة والمحتاجين وعائلاتهم. إنّهم صامدون في الصّعوبات كالأرز الّذي اختاروه شعارًا لحياتهم وبشرى لأبناء جيلهم.
4. لماذا احتار يوسف بأمره وبشأن مريم الحامل في شهرها الثّالث، ولم تكن بعد قد انتقلت إلى بيته، وهي زوجته، بل قضت الثّلاثة أشهر الأولى في خدمة أليصابات نسيبتها حتّى مولد يوحنّا؟
إعتبر القدّيس يوحنّا فم الذّهب أنّ يوسف البارّ لم يشأ قبول أيّ شكّ بشخص مريم. وكان راغبًا في تجنّب أيّ حزن للعذراء في أيّ شيء مهما صغر. الإتيان والاحتفاظ بها في منزله هو تجاوز للشّريعة، ولكن تشهيرها وجرّها إلى المحكمة كانا ليؤدّيا بها إلى الرّجم والموت. إنّ يوسف لن يفعل شيئًا من هذا بل تصرّف تصرّفًا يسمو على الشّريعة. وهو تخليتها سرًّا.
ومن ناحيةٍ أخرى، اعتقد يوسف أنّ لا مكان له في هذا المخطّط الإلهيّ، ولا حاجة لأخذ مريم خطّيبته إلى بيته. وراح يبحث عن مخرج ويتأمّل في الوقت نفسه في قدرة الله على صنع ما يشاء. وفيما قرّر تخلية مريم سرًّا، حفاظًا عليها وعلى الجنين، تدخّل الله، وتراءى له الملاك في الحلم وكشف له السّرّ الإلهيّ: "يا يوسف ابن داود، لا تخف من أن تأخذ مريم امرأتك، لأنّ المولود فيها هو من الرّوح القدس. فستلد ابنًا، تدعو اسمه يسوع" (متّى 1: 20-22).
5. إنصاع يوسف لما قاله له الملاك في الحلم. "فلّما نهض من نومه فعل كما أمره ملاك الرّبّ، فأخذ مريم امرأته، ولم يعرفها، فولدت ابنها البكر ودعت اسمه يسوع" (متّى 1: 24-25).
في بيت يوسف في النّاصرة، تقدّس يوسف ومريم بالإله المتجسّد الّذي أصبح ابنًا لهما: لمريم بالجسد، وليوسف بالشّريعة. فأصبحا مثال المكرّسين والمكرّسات البتولين في الأبوّة والأمومة والأخوّة الروحيّة تجاه جميع النّاس على وجه الأرض.
ونجد في شخص مريم ويوسف النّموذج في الإصغاء الخاشع إلى كلام الله، والاستعداد المطلق للعمل به، والنّموذج في الطاعة بتنفيذ إرادة الله، ووصاياه ورسومه، تنفيذًا أمينًا؛ والنّموذج في خدمة تدبير الله الخلاصيّ، وخدمة رسالة المسيح لخلاص العالم (حارس الفادي 29، 32).
باكتساب هذا النّموذج المثلّث نستعدّ أحسن استعداد لعيد الميلاد. لكي يولد المسيح في قلوبنا، كما يعلّمنا القدّيس مكسيموس المعترف (+662): "وُلد كلمة الله مرّة واحدة بحسب الجسد. ولكنّه بحبّه للبشر يودّ أن يولد باستمرار بالرّوح في الّذين يحبّونه. يصبح طفلًا صغيرًا، ويتكوّن فيهم مع الفضائل. ويظهر بمقدار ما يتّضح له أن من يقبله جدير به".
من خلال هذا البُعد لميلاد ابن الله في كلّ مؤمن ومؤمنة يحبّه وتحبّه، نفهم كلمة الرّسول في الرّسالة إلى العبرانيّين: "يسوع المسيح هو هو، أمس واليوم وإلى الأبد" (عب 13).
6. هذا الكلام ليس محصورًا بفئة من النّاس، بل هو موجّه إلى كلّ إنسان، ولاسيّما إلى الّذين يتعاطون الشّأن العامّ، والمسؤوليّة السّياسيّة والمدنيّة. فهؤلاء إذا وُلد المسيح في قلوبهم، تغيّرت أفكارهم ونواياهم ومشاعرهم نحو كلّ ما هو حقّ وخير وجمال، يؤمّن الخير العامّ في الدّولة والمجتمع.
وعليه نودّ أن نشكر الله معكم على أنّه جنّب لبنان بالأمس خطر أزمة سياسيّة وأمنيّة، بالقرار الّذي اتّخذه مجلس النّوّاب إذ "مدّد لقائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنيّة لمدّة سنة".
هكذا ظهرت الإرادة الحسنة الّتي ترفّعت عن المصالح الشّخصيّة والفئويّة، وتطلّعت حصرًا إلى "المصلحة الوطنيّة العليا" المعروفة قانونًا ودوليًّا بالفرنسيّة "Raison d’Etat". هذه المصلحة الوطنيّة هي تجنّب الفراغ المميت في قيادة الجيش؛ الصّمود الفطن بوجه الإعتداءات الإسرائيليّة اليوميّة المسلّحة والمستمرّة على قرى الجنوب اللّبنانيّ؛ تثبيت وحدة الجيش وثقته بنفسه وبقيادته؛ تجنّب أيّ زعزعة في صفوفه بداعي التّغيير، وفقًا للقاعدة الذّهبيّة: "الشّريعة للإنسان، لا الإنسان للشّريعة".
وقد عبّرت عن مشاعر الشّعب اللّبنانيّ الكلمة الّتي افتتح بها رئيس مجلس النّوّاب عمليّة التّصويت على القانون الرّامي إلى التّمديد لرتبة عماد أو لواء إذ قال: "كلّ اللّبنانيّين دون استثناء هم مع الجيش اللّبنانيّ، وما حدا يزايد على الثّاني".
7. كم نودّ ونصلّي كي تستمرّ هذه الإرادة الحسنة لدى أعضاء المجلس النّيابيّ فيدركون أنّ "لا دولة من دون رئيس"، كما أبان رئيس المجلس الدّستوريّ سابقًا الدّكتور عصام سليمان في مقال بهذا العنوان (راجع النّهار، 7 كانون الأوّل 2023)، فيلتئم المجلس النّيابيّ سريعًا وينتخب رئيسًا للدّولة الّذي بدون السّلطة المناطة به لا ينتظم أداء المؤسّسات الدّستوريّة، ولا يتحقّق الانتظام العامّ، فتفقد السّلطة مبرّر وجودها (راجع المادّتين 49 و50 من الدّستور).
فالدّولة وُجدت ككيان سياسيّ وحقوقيّ من أجل الحفاظ على الوطن وتنظيم شؤونه بما يوفّر الأمن والإستقرار والعيش الكريم لأبنائه. هذه هي المصلحة الوطنيّة العليا الّتي لا تعلوها أي مصلحة، والّتي تتحقّق من خلالها المصالح الخاصّة للمواطنين وللفئات الّتي يتكوّن منها الوطن. ولذلك لا غنى عنها، ولا يجوز التّفريط بها لحساب أيّ مصلحة أخرى (المرجع نفسه).
فليدرك نوّاب الأمّة أنّ الفوضى السّياسيّة العارمة، واستباحة خرق الدّستور نصًّا وروحًا، والنّزاعات الدّاخليّة، والانقسامات على حساب الدّولة والمواطنين لا يمكن إزالتها إلّا بوجود رئيس للدّولة كفوء ونزيه ونظيف الكفّ، لا يهتمّ إلّا بالمصلحة الوطنيّة العليا. فلا يساوم عليها، بل يضعها فوق أيّ اعتبار(المرجع نفسه).
8. فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، على هذه النّيّة بشفاعة القدّيس يوسف البتول والعائلة المقدّسة، سائلين الله أن يحقّق هذه النّوايا من جودة رحمته، له المجد والشّكر، الآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين!".